القدس: حرّك الكشف عن زيارة سرية قام بها وفد إسرائيلي إلى الخرطوم التكهنات بشأن تطبيع للعلاقات بين الدولة العبرية والسودان، في أعقاب خطوة مماثلة قامت بها كل من الإمارات والبحرين.

وأفادت مصادر في القدس طلبت عدم كشف هويتها وكالة فرانس برس الخميس أن وفدا إسرائيليا زار الخرطوم الأربعاء لبحث تطبيع العلاقات بين البلدين، مؤكدة بذلك معلومات أوردتها وسائل إعلام إسرائيلية.

وكشفت يديعوت أحرونوت الأوسع انتشارا بين الصحف الإسرائيلية الخميس عن هذه المحادثات السرية في الخرطوم، وكتبت "تمّ التوصل الى اتفاق بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي كان يعارض إبرام اتفاقية تطبيع مع إسرائيل"، لأن الحكومة الانتقالية "لا تملك سلطة التطبيع مع إسرائيل".

وأشارت الصحيفة إلى إعلان محتمل عن الاتفاق مع إسرائيل قد يصدر عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب "في الأيام القليلة المقبلة"، على أن ينضم إليه كل من البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عبر الفيديو.

في الخرطوم، كشف مصدر حكومي سوداني لفرانس برس أن "وفدا مشتركا أميركيا إسرائيليا زار الخرطوم أمس (الأربعاء) والتقى الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي وتباحث معه حول تطبيع العلاقات السودانية الإسرائيلية".

وكان كوهين توقع هذا الصيف أن يكون السودان الدولة التالية التي ستقوم بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، بعد إعلان الإمارات والبحرين في أغسطس وسبتمبر تطبيع علاقاتهما مع الدولة العبرية، وهو ما تجلى في زيارات متبادلة، وآخرها زيارة وفد إماراتي إلى إسرائيل هذا الأسبوع. وواجه هذا التقارب تنديدا فلسطينيا.

وتحدث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الخميس مع رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك هاتفيا. ووفق بيان للخارجية الأميركية، رحب المسؤولان بمسار شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو أمر اعتبراه "خطوة هائلة للأمام في العلاقة الثنائية".

وأضاف البيان أن بومبيو "أشاد بجهود حمدوك حتى الآن لتحسين العلاقة مع إسرائيل وعبّر عن أمله في أن تستمر". كما أكد المسؤول الأميركي "تواصل دعم الولايات المتحدة لمسار الانتقال الديموقراطي في السودان".

لكن ترتفع في الداخل السوداني أصوات منددة بالتقارب مع إسرائيل.

وقال الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة السوداني، أكبر الأحزاب المساندة للحكومة الانتقالية والذي يرتكز على خلفية إسلامية في بيان، "إن إقامة علاقات مع دولة الفصل العنصري هو مماثل لإقامتها مع جنوب إفريقيا العنصرية قبل التحرير من الابارتهيد".

وأضاف "مؤسسات الحكم الانتقالية غير مؤهلة لاتخاذ أية قرارات في القضايا الخلافية مثل إقامة علاقات" مع إسرائيل، مؤكدا أن الحزب سيسحب تأييده لمؤسسات الحكم الانتقالي إذا أقدمت على ذلك.

وأشار الى أن محامي الحزب سيتقدمون ببلاغات أمام القضاء، لأن "الخيانة ليست وجهة نظر تحميها الحرية".

ويعيش السودان منذ الإطاحة برئيسه السابق عمر البشير، مرحلة انتقالية يتقاسم فيها عسكريون وقادة الحركة الاحتجاجية إدارة البلاد لحين إجراء انتخابات عامة مقررة في العام 2022.

وتواجه الحكومة الانتقالية صعوبات اقتصادية في ظل انخفاض حاد في قيمة العملة المحلية (الجنيه السوداني)، الأمر الذي زاد من الأصوات المنادية برفع العقوبات التي فرضتها واشنطن على السودان منذ تسعينات القرن الماضي بعد إدراجه على قائمة "الدول الراعية للإرهاب".

ويقول اختصاصي السودان في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي مارك لافيرنيه لوكالة فرانس برس "لم يعد السودانيون يحتملون. الفيضانات، التضخم، انقطاع التيار الكهربائي... البلاد منهكة والحكومة عاجزة".

ويلفت الباحث إلى أن نائب رئيس مجلس السيادة الفريق محمد حمدان دقلو المعروف ب"حميدتي"، يؤيد التقارب مع إسرائيل.

وفي خطوة اعتبرها المحللون مؤشرا إلى تحركات جارية في الكواليس، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الإثنين أن واشنطن تستعد لشطب السودان عن قائمتها السوداء للدول الراعية للإرهاب، لقاء تسديد الخرطوم 335 مليون دولار لضحايا اعتداءات نفذها السودان خلال حكم الرئيس عمر البشير واستهدفت أميركيين.

وحكم القضاء الأميركي على السودان بدفع هذه التعويضات بعدما اتهم البلد بدعم جهاديين فجروا السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا، ما أدى إلى مقتل 224 شخصا وجرح نحو 5 آلاف آخرين.

وأدرج السودان منذ عام 1993 على اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، بعدما استقر فيه زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وتخضع البلاد بموجب ذلك لعقوبات اقتصادية.

وفي حال شطب السودان عن القائمة السوداء الأميركية، فقد يجتذب استثمارات غربية على أمل تحريك اقتصاده.

لكن دراسة لمعهد بروكينغز الذي يتخذ مقرا له في واشنطن، لفتت إلى أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل يبقى "لعبة خطيرة" في ظل المرحلة الانتقالية في السودان.

واصطدم الإعلان عن مكالمة بين نتانياهو والبرهان في مطلع العام برفض من قسم من الرأي العام السوداني، لا سيما في الأوساط الإسلامية.

ورأى معهد بروكينغز أنه "إذا اعتبر التطبيع نتيجة لاستغلال اليأس الاقتصادي والإنساني، فهذا يهدد بإثارة المزيد من الاستقطاب في الرأي العام وتسريع تراجع الدعم للسلطات الانتقالية"، مؤكدا على وجوب إعطاء الأولوية لـ"انتقال ناجح" وليس لـ"تطبيع متسرع".