واشنطن: شوّهت جهود روسيا المنسقة لدفع الأميركيين نحو التصويت لصالح دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية للعام 2016 صورة وسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها "فيسبوك"، لذلك تسعى المنصات الالكترونية الكبرى اليوم لتجنب تكرار التجربة، لكن خبراء يؤكدون أن "ملوك" المعلومات المضللة هذه السنة هم أميركيون.

بعد أربع سنوات من انتخابات العام 2016، حذر مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) ومسؤولون أمنيون أميركيون آخرون، كانوا على علم بالتدخلات وقتها لكنهم التزموا الصمت، من أن روسيا وإيران تتدخلان في انتخابات هذا العام.

وقد فصّل تقرير المستشار الخاص روبرت مولر تحيز الكرملين لترمب وكراهيته لهيلاري كلينتون في العام 2016. لكن تصرفات روسيا، ودول أخرى، ليست سوى جزء من مشكلة المعلومات المضللة.

فالأميركيون يؤدون حاليا دورا رائدا في هذا المجال مع نشرهم الجزء الأكبر من التعليقات والصور ومقاطع الفيديو الكاذبة أو المضللة التي تنتشر بسهولة عبر الإنترنت. وهناك مؤشرات تدل على أن هذا الامر خارج عن السيطرة.

وقال جوشوا تاكر وهو أستاذ في السياسة وخبير في علوم البيانات ووسائل التواصل الاجتماعي في جامعة نيويورك لوكالة فرانس برس "ما فعله الروس في العام 2016 هو عرض مجموعة أدوات تمكنك من استخدام جهات فاعلة مخادعة عبر الإنترنت تعمل بالتنسيق بعضها مع بعض كأداة سياسية".

وأضاف "كان هناك تركيز على التدخل الأجنبي، لكن الأشخاص الذين لديهم فعلا حافز للتأثير على نتيجة الانتخابات هم أشخاص يعيشون في ذلك البلد، إنهم أميركيون".

ويؤكد أحدث تقرير لـ"فيسبوك" حول السلوك الزائف هذا التوجه.

زرع الفتنة السياسية

في الأسبوع الأول من أكتوبر وحده، أغلق 200 حساب و55 صفحة على "فيسبوك" و77 حسابا على "إنستغرام" منشأها الولايات المتحدة.

ومن خلال تقليد التكتيكات الروسية للعام 2016، استخدم المشغلون صورا متفرقة لملفات شخصية وقدموا أنفسهم كأفراد يميلون إلى اليمين في كل أنحاء الولايات المتحدة.

وكان التأثير الإجمالي زرع الفتنة السياسية وتقويض الثقة في العملية الديموقراطية، تماما كما أفاد تقرير مولر العام الماضي القائل إن ذلك هو هدف روسيا الشامل والمستمر.

وكان المثال الأكثر فظاعة الذي كشفه "فيسبوك" هو شركة تسويق أميركية استخدمت مراهقين في أريزونا لنشر تعليقات مؤيدة لترمب أو متعاطفة مع القضايا المحافظة فيما انتقدوا أيضا المرشح الديموقراطي للعام 2020 جو بايدن.

وتظهر الأبحاث التي أجراها تاكر وزملاؤه أن التحزّب السياسي الذي تعززه خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي التي تظهر للمستخدمين جانبا واحدا من القصة، تعني أنه لا الليبراليين ول المحافظين قادرين على تمييز الوقائع من الأخبار المضللة.

وكجزء من تعاون بين "فيسبوك" وفرانس برس مرتبط بالتحقق من صحة الاخبار، أبلغت الوكالة عن آلاف المنشورات الخاطئة أو المضللة في الولايات المتحدة. وقد جرى مشاركة بعضها مئات الآلاف من المرات. وتظهر تعليقات المستخدمين أنه حتى الحقائق التي تم التحقق منها لا يتم قبولها عندما تتعارض مع المعتقدات السياسية الحزبية.

كذلك، يقوم تطبيق "تويتر" أيضا بإزالة المحتويات المضللة، منها صورة نشرها حساب لديه 24 ألف متابع تظهر شرطيا أسود وترمب مع شعار "فوت ريبابليكن" في وقت سابق من هذا الشهر.

وقد حصلت تغريدة نشرها هذا الحساب على 75 ألف إعجاب قبل إغلاقه لخرق قواعد المنصة ضد التلاعب.

لكن باحثي وسائل التواصل الاجتماعي يقولون إن كشف مثل هذه الحسابات هو الاستثناء وليس القاعدة.

من بيتزا غايت إلى كانون

أوضح البروفيسور راسل مويرهيد المؤلف المشارك لكتاب "إيه لوت أوف بيبول ساينغ" وهو عنوان يلعب على الكلمات التي يستخدمها ترمب غالبا للترويج لنظريات غير مثبتة، أن المعلومات المضللة الأميركية تطورت بسرعة منذ العام 2016.

في إشارة إلى بيتزا غايت، الادعاء الكاذب بأن كبار الديموقراطيين كانوا يديرون عصابة للاتجار الجنسي للأطفال من مطعم للبيتزا في واشنطن، قال مويرهيد إن النقاش السياسي قد تعرض للتسميم.

وأضاف مويرهيد الذي يدرّس السياسة والعلوم السياسية في كلية دارتموث "هذه القصة التي لا أساس لها على الإطلاق، تهدف إلى إظهار هيلاري كلينتون على أنها تمثل الشر الخالص".

وتابع "كيف يمكن أن تعمل سياسيا مع شخص مماثل؟ هذا غير ممكن، لذلك يجب أن تخوض حربا معه. تلك القصة أخبرت مؤيدي ترمب أنكم في سياق سياسي تخوضون حربا مع شخص يجب أن يسجن".

في هذه الدورة الانتخابية، انتشرت نظرية مؤامرة "كانون" التي تدعي أن ترمب يخوض صراعا مع الديموقراطيين والنخب في هوليوود الذين يمارسون الاتجار الجنسي بالأطفال وأكل لحوم البشر.

ويستهدف مروجوها جو بايدن.

وقال مويرهيد "ترسم ’كانون’ الآن جو بايدن ليس على أنه خصم شرعي بل كجزء من هذه المجموعة التي تنوي تدمير أميركا، ويجب عدم خوض جدال معها بل القضاء عليها".

ومع ذلك، فإن الخطر المباشر للتضليل الذي يهدد انتخابات 2020 وفقا لتاكر، هو مزاعم ترمب المتكررة بأن استخدام بطاقات الاقتراع عبر البريد سيؤدي إلى انتخابات "مزورة".

وهو قدم الادعاءات نفسها في العام 2016. إلا أن التحقيقات اللاحقة لم تظهر أي دليل على صحتها.

وأضاف تاكر "هذه هذه المعلومات المضللة".

وتابع "هناك مشكلات مع الأشخاص الذين لم يصوّتوا بشكل صحيح وهناك مشكلات في تأخر المواطنين في الإدلاء بأصواتهم، لكن لا يوجد دليل يشير إلى حدوث تزوير على نطاق واسع".

وختم "من يحتاج إلى أن يلقي الروس بظلال من الشك على نزاهة العملية الديموقراطية عندما يقوم رئيس الولايات المتحدة بذلك؟".