أيلاف من لندن: بهدف توثيق الحراك الشعبي العراقي ومطاليبه وضحاياه فقد وجه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بتحويل مبنى المطعم التركي الذي يطلق عليه "ايقونة الاحتجاجات" المطل على ساحة التحرير مركز التظاهرات وسط بغداد الى متحف حضاري.

فقد وجه الكاظمي بتحويل بناية المطعم التركي ذات الطوابق الـ14 وسط العاصمة إلى حضاري يحمل اسم "متحف تشرين" تخيدا لاطلاق الاحتجاجات الشعبية العراقية غير المسبوقة في بغداد و9 محافظات وسطى وجنوبية في الاول من تشرين الاول (اكتوبر) عام 2019 منادية بسقوط الطبقة الحاكمة ومواجهة الفساد وانهاء الهيمنة الايرانية على مقدرات العراق رافعة شعار "نريد وطن" وادت الى مصرع 560 ناشطا مظاهرا برصاص الامن والمليشيات الموالية لايران وادت الى سقوط حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في اواخر العام نفسه.

وابلغ مصدر عراقي "ايلاف" ان مدير مكتب الكاظمي رائد جوحي سيشرف على عملية تحويل المبنى الى متحف حضاري والمباشرة بذلك خلال ايام قليلة مقبلة سيوثق للاحتجات وضحاياها من الناشطين ومطاليبهم.

جبل احد وجنائن بابل المعلقة
وتطل بناية "المطعم التركي" على ساحة التحرير وسط بغداد من جهة والمنطقة الخضراء المحصنة مركز الرئاسات الثلاث والوزارات السيادية والسفارت الاجنبية تتقدمها الاميركية والبريطانية من جهة ثانية وقد تحول خلال احتجاجات تشرين إلى "أيقونة" التظاهرات.
وأطلق المحتجون تسمية "جبل أحد" على بناية المطعم في إشارة إلى الجبل الموجود في السعودية والذي شهد معركة "أحد" الشهيرة في التاريخ الإسلامي.

ويستغل المتظاهرون البناية لتصوير لقطات حية للسيل البشري الذي توافد حينها على ساحة التحرير على الرغم من حظر التجوال المفروض في العاصمة العراقية من الساعة 12 ليلا ولغاية السادسة فجرا.
كما استعار البعض الآخر من التاريخ العراقي اسم "الجنائن المعلقة" أحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم التي ينسب بناؤها للملك نبوخذ نصر الثاني في بابل لوصف المبنى المطل على نهر دجلة وجانبي مدينة بغداد.

موقع استراتيجي
واطلق اسم "المطعم التركي" على هذه البناية التي شيدت في ثمانينات القرن الماضي والمطلة على ساحة التحرير لانها كانت تضم مطعما تركيا في الطابق الأعلى من المبنى الذي يتميز بموقعه الاستراتيجي ما جعله هدفا لسيطرة المحتجين عليه لمراقبة حركة التظاهرات وقوات الأمن التي قد تتقدم باتجاههم.

واتخذت لجنة الدعم اللوجستي التي تضم ناشطين مقرا لها في الطابق الارضي حيث تقوم بتوفير اسعافات واغذية وفرش للمتظاهرين.

ووسط أجواء التضامن تلك تشهد طوابق المبنى تجمعات احتفائية تتخلها الموسيقى والغناء وإلقاء قصائد الشعر الشعبي.
وفي الأمسيات يحرص المعتصمون على إنارة المكان بإشعال الشموع أو شاشات هواتفهم النقالة أو المصابيح اليدوية والتواصل مع المتظاهرين في ساحة التحرير في أسفل المبنى عبر تلك الاشارات الضوئية.

وقد نظم المعتصمون أنفسهم بشكل عفوي في مجاميع تتناوب على الصعود للمبنى في نوبات على امتداد ساعات اليوم كي يظلوا مسيطرين على المبنى ولا يسمحوا باقتحامه.

من مركز للقمع الى ايقونة للاحتجاجات
واصبح المبنى بمثابة برج مراقبة وقلعة يحتمي بها المتظاهرون فيما أطلق عليه بعضهم اسم "جبل أحد" والذي اطلقت عليع غوغل الاسم نفسه حيث كان له دور مهم في بعض الثورات والمسيرات والانتفاضات التي شهدتها العاصمة بغداد حيث استخدمته القوات الامنية عام 2011 في مواجهة المظاهرات الشعبية التي خرجت في ذلك الوقت ضد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لكن المبنى لم يتحول حينها إلى أيقونة.

وتحدثت تقارير عن أن الطابق الثامن منه قد تحول حينها إلى ما يشبه مركزا لقيادة العمليات ضد المتظاهرين، تمركز فيه عدد من قيادات قوة عمليات بغداد، وبعض المسؤولين والنواب الموالين للحكومة لمراقبة المظاهرات والإشراف على عمليات قمعها وتفريقها.

كما انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي أنذاك صور القوات الأمنية في أعلى البناية فضلا عن أحد النواب المقربين من المالكي حينها وبعض المسلحين في أعلى البناية وهم يراقبون ويستهدفون المتظاهرين.

قصف اميركي للمطعم التركي
وكان المبنى اتخذ في عام 2001 مقرا لهيئة الشباب و الرياضة العراقية لاطلالتها على المراكز الامنية الحساسة ومنها القصر الجمهوري انذاك والوزارات المهمة واليوم هو على بوابة المنطقة الخضراء.

وقد تعرض "ألمطعم التركي" لقصف أميركي خلال حرب الكويت عام 1991 وحرب العراق عام2003 لكنه تحول بعده إلى مبنى مهجور بعد أن أصابته القوات الأميركية بقذائف صاروخية أثناء احتلالها بغداد في التاسع من نيسان ابريل من العام نفسه حيث وجهت دبابات أميركية عند اقتحام بغداد بعض القذائف للمبنى ضد المسلحين المقاومين لها المتمترسين فيه.

طرق مبتكرة لايصال الاغذية والاحتياجات للمعتصمين
ووسط أجواء التضامن مع المحتجين والناشطين فقد شهدت طوابق المبنى تجمعات احتفائية تتخلها الموسيقى والغناء وإلقاء قصائد الشعر الشعبي.

وفي ثمانينيات القرن الماضي، كانت واجهة هذا المبنى تضم شاشة إلكترونية كبيرة لبث الأخبار والإعلانات وقد استعاد الشباب المعتصمون هذه الوظيفة فاستخدموا واجهة المبنى المطل على ساحة التظاهر لشعاراتهم ولافتاتهم ومدوا علما عراقيا كبيرا على امتداد المبنى إلى جانب اللافتات الضخمة التي حملت شعارات مختلفة، من بينها الشعار الأكثر ترددا في هذه المظاهرات "نريد وطنا" وشعارات أخرى من أمثال "نازل آخذ حقي" و" إزرع ثورة احصد وطنا" و "ماكو وطن ماكو دوام .. حتى إسقاط النظام".

وكانت الحكومة العراقية اعلنت رسميا في نهاية تموز يوليو الماضي ان العدد الكلي لقتلى الاحتجاجات الشعبية من المتظاهرين والقوات الامنية قد بلغ 560 ضحية و21 الف مصاب فيما شكل الكاظميفور تسلمه رئاسة الحكومة في ايار مايو الماضي فقد شكل الكاظمي لجنة حكومية لتوثيق عدد ضحايا الاحتجاجات الشعبية تتولى وضع قائمة دقيقة بأسماء الشهداء والجرحى والمعوقين من الذين سقطوا خلالها سواء من المحتجين او قوات الأمن.

واشار المكتب الاعلامي لرئاسة الحكومة الى أن "القائمة المخطط لها ستغطي الفترة الممتدة منذ الأول من تشرين الأول اكتوبر 2019 الى الثامن عشر من أيار مايو الحالي وستنشر في وسائل الإعلام وتعتمد أساساً لتكريم الشهداء وإعادة الإعتبار لهم وتعويض عوائل الضحايا".