إيلاف من لندن: ناقش خبراء وأكاديميون عرب إيجابيات التعلّم الإلكتروني وسلبياته في زمن كورونا، وأكدوا أن التعلم الذاتي من أنجع سبل التعلم وتحديات تقنية ومادية واجهت الطلاب والمعلمين.

ورأى هؤلاء الخبراء ضرورة الربط بين متطلبات الثورة الصناعية الرابعة وحلول البطالة وتحديات التعلم الإلكتروني، مع تأكيد دور إنتاج المعرفة وتوظيفها من أجل استدامة الاقتصاد الرقمي والدخول في الاقتصاد العالمي.

ودعا الخبراء إلى أهمية دراسة مخرجات الكليات العلمية العملية وتقييمها في إطار تجربة التعلم الإلكتروني، وقالوا إن محدودية الإمكانات في دول العالم الثالث تجعل التعلم الإلكتروني لا يجري بسلاسة.

وكان منتدى الفكر العربي، في آخر ندواته للعام 2020، يوم الأربعاء الموافق 30 ديسمبر، عقد لقاءً حوارياً عبر تقنية الاتصال المرئي، حاضرت فيه الباحثة في مجال التعلم الإلكتروني وقضايا الرقمنة ورئيس تطبيق التعلم الإلكتروني للإدارة في مشروع جلالة الملك حمد لمدارس المستقبل في البحرين د. ندى علي بن شمس، حول إيجابيات التعلم الإلكتروني وسلبياته وخاصة في زمن جائحة الكورونا.

مداخلات

وشارك بالمداخلات في اللقاء، الذي أداره الوزير الأسبق وأمين عام المنتدى د. محمد أبو حمور، كل من: الوزير المصري الأسبق وأمين عام اتحاد الجامعات العربية د. عمرو عزت سلامة، والأستاذ في كلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز في السعودية عضو المنتدى د. عبدالوهاب نورولي، والأمين العام الأسبق لاتحاد الجامعات العربية ورئيس جامعة بنغازي سابقاً في ليبيا عضو المنتدى د. محمد دغيم، ورئيس هيئة أمناء جامعة كردستان بالعراق عضو المنتدى د. شيرزاد أحمد أمين، وأمين عام المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا بالأردن د. ضياء الدين عرفة .

وتناولت الباحثة البحرينية الدكتورة. ندى علي بن شمس في محاضرتها أبعاد التعلّم الإلكتروني في ظل جائحة كورونا والآثار الإيجابية والسلبية المترتبة على ذلك.

وقالت: إن من إيجابيات تجربة التعلم الإلكتروني أنها منحت الطلاب فرصة استئناف الدراسة بعد توقفها بسبب الجائحة، وذلك في بيئة صحية تضمن سلامة جميع المشاركين في العملية التعليمية، الذين انخرطوا في هذه التجربة وأتيح لهم تطوير مهاراتهم في استخدام الأجهزة التقنية. كما أتاح التعلّم الإلكتروني فرص التعلّم الذاتي الذي يعد من أنجع سُبل التعلّم الحديثة.

وفي ما يتعلق بالجوانب السلبية للتعلّم الإلكتروني في أثناء الجائحة، أوضحت د. بن شمس عدداً من التحديات التقنية التي واجهها الطلبة والمعلمون، والعوائق المادية التي حالت دون توفير استخدام الإنترنت والحصول على أجهزة الاتصال لأعداد غير قليلة من الطلاب في بعض الدول. إضافة إلى الآثار الاجتماعية والنفسية والمعرفية السلبية التي انعكست على الطلاب بسبب غياب التفاعل مع معلميهم، وغير ذلك من سلبيات أدت في كثير من الحالات إلى انعدام الثقة بمخرجات التعلّم الإلكتروني.

أزمة البطالة

ومن جانبهم، أشار المتداخلون إلى أهمية ربط حلول أزمة البطالة بمتطلبات الثورة الصناعية الرابعة وتحديات التعلّم الإلكتروني من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وخاصة في ضوء انعكاسات جائحة كورونا والآثار الاقتصادية السلبية الشديدة على دول العالم الثالث.

كما أشاروا إلى أن المشاركة في الاقتصاد العالمي تتطلب تعزيز الاستفادة من نمو الاقتصاد الرقمي وإنتاج المعرفة في شتى المجالات. وبيّن المتداخلون ضرورة الاهتمام بدراسة مخرجات التعلّم الإلكتروني وتقييمها في المجال العربي، ولا سيما أن محدودية إمكانات بعض الدول حالت دون أن تجري العملية التعلمية بسلاسة، ومن ذلك تقييم مخرجات الكليات العملية العلمية خلال جائحة كورونا، بعد أن اتضحت الحاجة للتعلم المباشر بشكل أساسي وضروري.

وأكد المشاركون ضرورة وضع خطط واستراتيجيات عمل تؤدي إلى تطبيق تجربة تعليمية ترفع من المستوى المعرفي للطلبة، وأشاروا إلى تجارب للتعلم الإلكتروني في كل من السعودية والبحرين والعراق وليبيا والأردن، ومنها المبادرة التي أطلقها سمو الأمير الحسن بن طلال رئيس المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا ورئيس منتدى الفكر العربي، وحملت شعار "علِّم نفسك" وانطلقت خلال شهر مارس 2020، بهدف تحقيق التعلم المفتوح الذي يمثّل مستقبل التعلّم بجميع مستوياته وأنواعه .

البيئة المناسبة

أوضحت الباحثة د. ندى علي بن شمس، رئيسة تطبيق التعلم الإلكتروني للإدارة في مشروع جلالة الملك حمد لمدارس المستقبل، الارتدادات والانعكاسات الإيجابية والسلبية للتعلم الإلكتروني في زمن كورونا؛ مشيرةً إلى أن الجوانب الإيجابية تمثلت في استئناف الدراسة بعد توقفها لفترة معينة، وتوفير البيئة المناسبة للتعلّم عن بعد حفاظاً على سلامة الطلبة والمعلمين والإداريين وأولياء الأمور، وتحقيق التعلّم الذاتي الذي يعد أنجع أساليب التعلّم، إضافة إلى الاستفادة من تجربة التعامل مع تقنيات التعلّم الإلكتروني و تنمية المهارات المعلوماتية.

وبيّنت د. بن شمس أيضاً الجوانب السلبية للتعلّم الإلكتروني، حيث اتضح أنه غير مناسب لطلاب المرحلة الابتدائية نظراً لحاجتهم إلى تعلّم مباشر يتيح لهم إتقان مهارات أساسية، فضلاً عن التحديات الفنية والصعوبات المادية في توفير أجهزة الاتصال ووسائل استخدام الإنترنت، وما لوحظ من ضعف لدى نسبة من المعلمين والطلاب وأولياء الأمور في استخدام الأجهزة التعليمية، كما أن غياب التفاعل الحقيقي بين المعلم والطالب يؤدي إلى تبلد الطالب وتراجع مستوى دافعيته وجديته في الدراسة، مما يؤدي إلى انعدام الثقة في مخرجات التعلّم الإلكتروني.

تهديد مكتسبات التعليم

وقال الوزير الأسبق وأمين عام المنتدى د. محمد أبو حمّور في كلمته التقديمية : إن تعطّل العملية التعليمية التقليدية بسبب جائحة كورونا أصبح يهدد مكتسبات التعلّم حالياً، كما يهدد الدخل مستقبلاً لملايين الطلاب الذين سيدخلون أسواق العمل وخاصة في الدول النامية، مما يدعو إلى ابتكار أساليب جديدة لدعم إمكانات البلدان التي تعاني من الديون، ومن أجل تمويل التعليم الأساسي المطلوب خلال السنوات المقبلة، ذلك أن بعض التقارير الدولية تشير إلى أن 53% من الأطفال تقريباً في سن التعليم بالبلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل يفتقدون المهارات الأساسية، وهذه النسبة مهددة بالزيادة بعد جائحة كورونا لتصل إلى 63% .

وأكد د. أبوحمور أهمية ربط حلول أزمات البطالة بمتطلبات الثورة الصناعية الرابعة من حيث تطوير التعليم والتدريب، والدمج ما بين التعليم الوجاهي والتعليم الإلكتروني، والتوجه نحو الاقتصاد المعرفي والمجتمع الإنتاجي، وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مشيراً إلى ضرورة تشجيع الاستثمارات البينية العربية وحفزها بتشريعات ملائمة وإجراءات مالية واقتصادية تكفل إزالة كل العوائق أمام انسياب العمليات الاستثمارية، وذلك من أجل تدارك الآثار الاجتماعية والصحية والاقتصادية التي نجمت عن الاختلالات الهيكلية المتراكمة ما قبل جائحة كورونا وخلالها .

التحول الرقمي

وأوضح الوزير المصري الأسبق وأمين عام اتحاد الجامعات العربية د. عمرو عزت سلامة، أن التحول الرقمي في مجال التعليم، كما في المجالات كافة، ليس خياراً في عصر الثورة الصناعية الرابعة بل إنه ضرورة حتمية، ولو أردنا أن يكون لنا مقعد في الاقتصاد العالمي فعلينا تعزيز الاستفادة من نمو الاقتصاد الرقمي لأنه يساهم بشكل كبير في تحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة لمختلف الأنشطة الاقتصادية.

وأضاف د. سلامة أن المستقبل للمجتمعات التي ستشارك في إنتاج المعرفة وتوظيفها بكفاءة في شتى مناحي الحياة، فالمعرفة ثروة وقوة في آن، ونحن أمام فرصة وتحديات في نفس الوقت، والمستقبل مرتبط بالقرارات التي نصنعها الآن اعتماداً على كيفية استثمارنا لطاقاتنا وقدراتنا والاستفادة منها ومن تجارب الآخرين.

صعوبة التعليم العلمي

وأشار الأستاذ في كلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز السعودية د. عبدالوهاب نورولي، إلى الصعوبات التي تواجهها الكليات العلمية العملية، مثل الطب والتمريض والهندسة وغيرها، نتيجة الاضطرار لتطبيق التعليم عن بُعد، ونظراً لحاجة طلابها إلى حضور حقيقي من أجل الممارسة العملية، كما أن هنالك حاجة لتقييم قدراتهم.

وأوضح أن عدم وجود حضور حقيقي يؤثر على مخرجات هذه الكليات كما ظهر في تجربة التعلّم عن بُعد، حيث لم يتم اختبار قدرة الطالب على الممارسة العملية في مجاله المهني.

وبيَّن نورولي أهمية دراسة هذه المخرجات عن طريق ورش عمل تجمع بين العاملين في قطاع التعليم وأولياء الأمور، من أجل ابتكار آليات تقييم مناسبة وحلول حقيقية بما يتلاءم وظروف كل جامعة وبيئة على حدة.

محدودية العالم الثالث

وأوضح رئيس جامعة بنغازي سابقاً في ليبيا د. محمد دغيم أثر محدودية إمكانات دول العالم الثالث على التعلّم الإلكتروني، وقال: إن البنية التحتية في كثير من الدول النامية تشهد ضعفاً من النواحي المتعلقة بتوفير الكهرباء واستخدام الإنترنت وعدم توفر وسائل الاتصال لجميع الطلاب، مما يزيد من صعوبة مباشرتهم للتعلّم الإلكتروني وتأقلمهم معه، وقد أظهرت مواجهة جائحة كورونا أن القدرة والجاهزية لمتابعة التعلم عن بُعد بشكل سلس غير كافية، مما سيغيّر من نظرة المشاركين في العملية التعليمية تجاه سبل التعليم ومحتواه في ظروف العالم المتغيرة باستمرار.

ودعا رئيس هيئة أمناء جامعة كردستان في العراق د. شيرزاد أحمد أمين إلى النظر في مستقبل التعليم بعد تخطي جائحة فيروس كورونا، ودراسة احتمالية العودة إلى طريقة التعلم التقليدية أو الاستمرار في التعلم الإلكتروني، أو الدمج ما بينهما، بهدف تحقيق تجربة تعلم وتعليم تقوم برفع المستوى المعرفي للطلبة؛ مشيراً إلى أن هذا المستوى المعرفي تأثر سلباً خلال تجربة التعلم الإلكتروني المفاجئة والإجبارية، ونتيجة غياب التفاعل والتواصل الكامل بين أطراف العملية التعليمية، وتراجع دور المعلم في تقديم التوجيهات والإرشادات، وانعكس ذلك أيضاً في آثار سيكولوجية ومعرفية على الطلبة، إضافة للتراجع الملحوظ في مهاراتهم التواصلية .

مبادرة علّم نفسك

وأشار أمين عام المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا بالأردن د. ضياء الدين عرفة، إلى مضمون مبادرة سمو الأمير الحسن بن طلال رئيس المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، التي حملت شعار "علِّم نفسك" وانطلقت خلال شهر مارس عام 2020، بهدف الوصول إلى تحقيق التعلم المفتوح والذي يمثّل مستقبل التعلم بجميع مستوياته وأنواعه.

وقال عرفة : إن هذه المبادرة تعمل على توفير محتوى تعليمي إلكتروني لمختلف المساقات من خلال منصتها، وبالتعاون والشراكة مع الجامعات الرسمية والخاصة، تحقيقاً لترجمة الكم الهائل من المعلومات والبيانات إلى معرفة مُنتِجة تقوم على التجديد، وتحقق تعلماً مبنياً على الاستنتاج والإبداع، مما يعود بالنفع على المجتمع مستقبلاً إزاء تسارع التحول نحو الرقمنة والمعلومات الرقمية في سياق تحولات الثورة الصناعية الرابعة.