متظاهرون في احتجاج على حدود سينغو (دلهي-هاريانا) ضد قوانين المزارع الجديدة في 22 ديسمبر 2020 في الهند.
Getty Images
أحدث حملة قمع على وسائل الإعلام في أعقاب تغطية احتجاج المزارعين

بعد شهر من توليه منصبه في صيف عام 2014 ، قال رئيس الوزراء ناريندرا مودي إن "ديمقراطية الهند لن تستمر إذا لم نتمكن من ضمان حرية الصحافة والتعبير".

والآن، بعد مرور ست سنوات، يعتقد الكثيرون أن الديمقراطية في الهند بدأت تتراجع بسبب ما يقولون إنها هجمات مستمرة على حرية الصحافة.

وفي العام الماضي، تراجعت الهند بمركزين واحتلت المرتبة 142 في مؤشر حرية الصحافة العالمي الذي يضم 180 دولة، والذي يتم تجميعه وتصنيفه سنوياً بواسطة منظمة مراسلون بلا حدود. وهذه سمعة غير جيدة بالنسبة لبلد يفتخر غالباً بوجود وسائل إعلام نشيطة ومتنوعة في البلاد.

وبدأت الحملة الأخيرة ضد وسائل الإعلام في أعقاب أعمال عنف خلال مظاهرات المزارعين ضد مجموعة من قوانين الإصلاح الزراعي.

وخلال تلك المظاهرات، قُتل أحد المحتجين وأصيب أكثر من 500 شرطي في المواجهات.

ووجهت الشرطة تهماً جنائية - بما في ذلك إثارة الفتنة والإدلاء بتصريحات معادية للاندماج الوطني ضد ثمانية صحفيين قاموا بتغطية الاحتجاجات في دلهي.

ولا يزال سبب وفاة المتظاهر في 26 يناير/كانون الثاني، محل خلاف. إذ تقول الشرطة إنه توفي عندما انقلب الجرار الذي كان يقوده، في حين تزعم عائلته أنه مات جراء إطلاق عيار ناري عليه.

ويبدو أن تصريحات عائلته التي نشرتها صحف ومجلات عديدة، أصبحت أساس هذه الاتهامات.

و شارك بعض الصحفيين في نقل الخبر أو نشره، كما شاركه آخرون على وسائل التواصل الاجتماعي فقط.

ناريندرا مودي: القومي الهندوسي البراغماتي و"المسيح المخلص"

ما هي الدول الأكثر خطرا على حياة الصحفيين؟

نائبة عن حزب مودي في الهند: المعارضة تستخدم "السحر" لإيذاء الحزب

رجل يقرأ صحيفة فيها أخباراً عن جو بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس في قرية أسلافها ثولاسيندرابورام في ولاية تاميل نادو جنوب الهند في 21 يناير 2021
AFP
الهند هي واحدة من أكثر أسواق الإعلام تنافسية في العالم

في مرمى نيران الحكومة

ويواجه ستة منهم - ونائب بارز من حزب المؤتمر المعارض تهمة حرف الحقائق المتعلقة بالوفاة في قضايا مرفوعة ضدهم في أربع ولايات يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند.

ويتساءل سيدهارث فارادارجان، رئيس تحرير صحيفة ذا واير، وأحد الصحفيين الذين وجهت الشرطة اتهامات له: "هل يعتبر نقل تصريحات ذوي الضحية التي تشكك في رواية الشرطة عن سبب الوفاة نتائج تشريح الجثة، جريمة؟".

وتشعر الجماعات الحقوقية والعديد من الصحفيين بالغضب، وقالت ميناكشي جانجولي ، مديرة قسم جنوب آسيا في هيومن رايتس ووتش: "ردت السلطات الهندية على الاحتجاجات بتشويه سمعة المتظاهرين السلميين، ومضايقة منتقدي الحكومة، ومحاكمة من يغطون الأحداث".

وقالت نقابة المحررين الصحفيين في الهند، إن القضايا التي رفعتها الشرطة ضد الصحفيين: "محاولة لترهيب ومضايقة وإذلال وخنق وسائل الإعلام".

ومن الأمثلة على ذلك كما يقول الكثيرون، مجلة كارافان، وهي مجلة إخبارية استقصائية غالباً ما كانت في مرمى نيران حكومة مودي.

اليوم العالمي لحرية الصحافة: تدوينة "ساخرة" أودت بحياة أمي

صحفيون كشميريون يحملون لافتات خلال احتجاج على تعسف القوات الهندية في سريناغار ، كشمير الخاضعة للإدارة الهندية في 18 ديسمبر 2019.
Getty Images
قال صحفيون كشميريون أنهم تعرضوا لمضايقات من قبل قوات الأمن

وقد رفعت عشرة قضايا "تحريض على الفتنة" ضد ثلاثة من كبار طاقم تحرير المجلة؛ الناشر والمحرر والمحرر التنفيذي، في خمس ولايات بسبب نشر قصة وتغريدات تتعلق بوفاة المتظاهر.

واعتقل أحد مراسلي المجلة المستقلين في موقع المظاهرات بتهمة "العرقلة" ، وأفرج عنه بكفالة بعد يومين. وتم تعليق حساب المجلة على تويتر لبضع ساعات استجابة لإشعار قانوني من الحكومة بحجة مخالفته للنظام العام.

وفي العام الماضي، تعرض أربعة من صحفيي كارافان للاعتداء في حادثين منفصلين، واحد أثناء تغطيتهم لأحداث شغب دينية والآخر خلال الإحتجاجات على اغتصاب وقتل مراهقة في دلهي.

وقال لي فينود خوسيه، المحرر التنفيذي لمجلة كارافان: "ثمة خطاب خطير للغاية حالياً، نحن نعيش في زمن الاستقطاب حيث يتم وصف منتقدي الحكومة بأنهم غير وطنيين. إن مهمة الصحفيين هي طرح مساءلة السلطة".

ينفي حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، استهداف الصحفيين ويقول إن معظم ما يحدث هو جزء من "الدعاية الممنهجة" ضد الحكومة.

قال لي بيجيانت باندا، نائب رئيس حزب بهاراتيا جاناتا، أن "جميع الصحفيين ذوي الانتماءات السياسية الواضحة والمناهضين للحكومة، واصلوا الكتابة والتحدث بحرية في الصحف والتلفزيونات والمواقع الإلكترونية".

وأضاف أن الشرطة قدمت شكاوى ضد صحفيين في قضيتين حديثتين، لأن ثمة "مزاعم جنائية خطيرة حول نشر أخبار كاذبة في ظرف يشهد أعمال الشغب بقصد تأجيج العنف".

وأشار إلى قضية مذيع بارز في إحدى الشبكات الإخبارية الرائدة الذي أبعد عن تقديم أحد البرامج وخفض راتبه بسبب تغريدة "غير صحيحة" تتعلق بوفاة أحد المحتجين.

ويقول باندا: "لم يكن هذا مجرد ترويج صارخ لرواية غير صحيحة، بل كان لها تأثير مباشر وكان من الممكن أن يؤدي إلى تأجيج العنف على نطاق واسع. وللصحفي المذكور وأمثاله تاريخ طويل في الترويج لمثل هذه الروايات الكاذبة، وفي الواقع ، وكان عليهم الاعتذار بشكل رسمي بعد أن رفعت الأطراف المتضررة دعاوى ضدهم أمام المحاكم ".

وأضاف أن بعض حكومات الولايات، التي تديرها أحزاب سياسية معارضة لحكومة مودي ، و"الذين أظهر هؤلاء الصحفيون تعاطفهم بلا حرج معها، كانت في الواقع تطارد الصحفيين في استغلال صارخ للسلطة".

ويقول خصوم الحكومة إن عددا من الصحفيين الذين يُنظر إليهم على أنهم متعاطفون مع الحكومة قاموا بشكل مستمر ببث ونشر مواد تحريضية، غالبا ما كانت تستهدف الأقليات دون أن يخضعوا للمساءلة.

كما أنهم يتساءلون عن سبب استخدام "قانون إثارة الفتنة" الذي يعود إلى الحقبة الاستعمارية على نطاق واسع لقمع المعارضة الآن.

وتم رفع معظم قضايا إثارة الفتنة ضد 405 من الهنود، لانتقادهم السياسيين والحكومات على مدى العقد الماضي بعد عام 2014 ، عندما تولى مودي السلطة، وفقاً للبيانات التي جمعتها المادة 14 على الموقع.

وتحمل السياسيون المعارضون والطلاب والصحفيون والمؤلفون والأكاديميون وطأة هذا القانون القمعي.

وفي بيئة الاستقطاب كهذه، انقسم الصحفيون أكثر من أي وقت مضى، ويُنظر إلى الكثير من وسائل الإعلام الرئيسية، بما في ذلك مجموعة من شبكات الأخبار الحزبية، على أنها مهادنة لحكومة مودي.

وقال تقرير صادر عن مؤسسة فريدوم هاوس إن "الهند، البلد الديمقراطي الأكبر العالم من حيث عدد السكان، ترسل إشارات بأن محاسبة الحكومة ليست جزءاً من مسؤولية الصحافة".

مودي أول رئيس وزراء للهند يزور إسرائيل

أناس يشاهدون بثاً حياً لخطاب رئيس الوزراء ناريندرا مودي للأمة ، في سوق خانا ، في 20 أكتوبر 2020 في نيودلهي ، الهند.
Getty Images

"خطر على الصحفيين"

يعتقد الكثيرون أن الهند أصبحت مكاناً غير آمن للصحفيين. حيث ألقي القبض على 67 صحفياً وتعرض ما يقرب من 200 من الصحفيين للاعتداء الجسدي، وفقاً لدراسة أجرتها غيتا سيشو لصالح التجمع الحر للتعبير في عام 2020.

وسجن صحفي كان في طريقه لتغطية حادث اغتصاب جماعي لفتاة في ولاية أوتار براديش ، منذ خمسة أشهر.

ويواجه الصحفيون والصحفيات المعارضات للحكومة على وجه الخصوص، تهديدات عنيفة وتصيداً عبر الإنترنت.

تقول نيها ديكسيت، الصحفية المستقلة المقيمة في دلهي، إنها تعرضت "للمطاردة والتهديد العلني بالاغتصاب والقتل والتصيد العنيف"، ومحاولة اقتحام شقتها.

وألقت الشرطة هذا الأسبوع، القبض على طالب قانون بتهمة إرسال تهديدات بالقتل والاغتصاب إلى، الصحفية المستقلة روهيني سينغ.

لم تكن الحماية التي تحظى بها حرية التعبير في الهند قوية على الإطلاق، بحسب تاروناب خيطان ، نائب عميد كلية القانون في جامعة أكسفورد.

رغم أن هذه الحرية منصوص عليها في الدستور، إلا أنها كانت مقيدة بشكل كبير من خلال التعديل الأول في عهد رئيس الوزراء جواهر لال نهرو في عام 1951.

وكتب تريبور دامان سينغ في كتابه، ستة عشر يوماً عاصفاً: "في ذلك الوقت، اكتشفت حكومة الهند أن الحديث المنمق عن الحريات المدنية شيئ، والتمسك بها كمبدأ شيء آخر".

ويقول البروفيسور خيطان إن الشرطة الاستعمارية ونظام العدالة الجنائية الموروث من عصر الراجات، لا يزالان ينظران إلى "حقوق الإنسان على أنها عقبة وليس على رأس واجباتها الدفاع عنها".

كما يقول إن المحكمة العليا في الهند لها سجلٌ ضعيف في حماية الحريات المدنية مقارنة بالمحاكم في العديد من الدول الديمقراطية الأخرى.

ويضيف خيطان: "إن أكبر المتضررين من هذا الوضع هما مؤسستان معنيتان بالبحث عن الحقيقة واللتان يعتبر استقلالهما عن السلطة السياسية والمصالح المالية والتجارية أمراً حاسماً للديمقراطية: الإعلام والجامعات. ويتمثل دور مؤسسات المعرفة في تحدي السلطة ومساءلتها، ولكن بمجرد خضوعها للسيطرة تصبح هذه المؤسسات أدواتاً بيد السلطة. إن الحماية الضعيفة لحرية التعبير تجعل من السهل نسبياً إضعافها أو السيطرة عليهم".

تم إسكات وسائل الإعلام الهندية لمدة 21 شهراً عندما جمدت رئيسة الوزراء آنذاك آنديرا غاندي، الحريات المدنية وفرضت حالة طوارئ على مستوى البلاد في عام 1975.

"ما هو غير عادي في الأوضاع السياسية الحالية، هو أنه بعكس فرض حالة الطوارئ رسمياً وتقييد الحقوق بشكل علني، من المفترض أن نستمر في التمتع بجميع حقوقنا إذ لا يوجد تعليق رسمي لها".

"لكنها تعرضت للتقويض إلى حد بعيد على أرض الواقع. نحن نعيش حالة طوارئ غير قانونية وغير رسمية".

ويتابع خيطان: "في ظل حالة الطوارئ الرسمية، يأمل المواطن في العودة إلى الوضع الطبيعي بمجرد انتهاء المدة ورفعها، ولكن، كيف يمكنك رفع حالة طوارئ غير رسمية لم يتم إصدارها في المقام الأول؟".