"إيلاف" من لندن : فيما يواجه البرلمان العراقي عقبة كبيرة تعرقل اقراره لقانون المحكمة الاتحادية العيا للبلاد بسبب خلافات حول صلاحيات فقهاء الدين من الشيعة والسنة في المصادقة على قراراتها المصيرية بين منحهم صلاحيات النقض او ابداء الرأي فانه قد اضطر الى تأجيل جلساته حتى يتمكن الفرقاء السياسيين من الاتفاق على حل سيكون بمثابة اختيار بين مدنية الدولة او دينيتها.

فما يزال البرلمان العراقي عالقا منذ اسابيع استمرارا لخلافات منذ عام 2005 حول مادة خلافية في مشروع قانون المحكمة الاتحادية حيث فشلت كل المناقشات بين النواب من جهة وبين رئاسة البرلمان ورؤساء الكتل السياسية من جهة اخرى في التوصل الى اتفاق حول منح مقاعد لفقهاء الشريعة الإسلامية من المذهبين الشيعي والسني في المحكمة بصلاحية التصويت على القرارات بالموافقة اوالنقض او يكون دورهم استشاريا فقط.

كما يواجه البرلمان ايضا خلافا حول آلية التصويت في المحكمة فيما اذا يكون بالاجماع او بالاغلبية البسيطة.
وقد ارغم الفشل في التوصل الى حل هذه الخلافات البرلمان الى تأجيل جلساته حتى غد الخميس لمنح فرصة للتوصل لاتفاق نهائي حول تمرير القانون وحل الخلافات حول صلاحيات الفقهاء ودورهم في المصادقة عليها .

احتجاجات شعبية واعتراضات مكونات
وتشهد العاصمة بغداد ومحافظات جنوبية منذ ايام وقفات احتجاجية ضد قانون المحكمة ينظمها قانونيون وناشطون معتبرين أنه يحتوي نصوصا تُرسخ المحاصصة والطائفية .

واعتبر المحتجون ان تشريع قانون المحكمة بصيغته الحالية انهاء لاخر اُسس الدولة المدنية وطالبوا بسحبه وإكمال نصاب المحكمة الحالية من القضاة ومنح صلاحيات لرئيس المحكمة الاتحادية لترشيح قضاة فقط لتولي مهامها.
كما طالب عدد من النواب العراقيين الذين يمثلون الاقليات المجتمع الدولي بالتدخل حفاظا على مدنية القانون وبما يمنع تجاهل حقوق الكثير من الشرائح المجتمعية.. وحذر خمسة نواب عراقيين في بيان من إن يؤدي القانون إلى خلق إشكاليات جديدة تؤثر على التماسك المجتمعي في البلاد وتفرض إرادة الأغلبية على الآخرين.

وشدد النواب الخمسة وهم: أسوان الكلداني وهوشيار قرداخ وريحانة حنا أيوب وبيدء السلمان ونوفل الناشئ على ضرورة ان يمثل اعضاء المحكمة جميع أطياف الشعب العراقي وبما يراعي التعددية والتنوع الديني والقومي. وطالبوا البرلمان بعدم الموافقة على قانون المحكمة بشكله الحالي موضحين ان "بعض مواده تتنافى مع ما تضمنه الدستور العراقي من احترام التنوع الديني والقومي الموجود في البلاد".

المحكمة معطلة
يشار الى انه لن يمكن اجراء الانتخابات المبكرة المنتظرة في العاشر من تشرين الاول اكتوبر المقبل ما لم يمرر البرلمان قانون المحكمة العليا لانها المكلفة بالمصادقة على نتائج الانتخابات لكي تكتسب شرعيتها.
فعمل المحكمة شبه معطل الان بسبب وفاة اثنين من اعضائها التسعة وتقاعد ثالث ما ادى الى اختلال النصاب الذي أعاق دورها في تفسير الخلافات على الدستور أو المصادقة على نتائج الانتخابات اضافة الى ان اغلب القضايا التي تطرح للتقاضي او الاستفسار وغيرها من المهام المحددة عادة ماتكون سياسية بمعنى انها هيئة قضائية لكنها تتعامل في الغالب مع قضايا سياسية.

تمييز ديني ومذهبي
واعتبر المحلل السياسي العراقي باسل حسين ان النص في قانون المحكمة على وجود خبراء من الفقه الاسلامي شيعة وسنة ضمن منصة المحكمة من دون الاديان الاخرى هو تمييز على أساس ديني ومذهبي بما يخالف نص المادة 14من الدستورلأن المحكمة الاتحادية هي لكل العراقيين على مختلف مشاربهم وتنوعاتهم وليست فقط حكرا على الشيعة والسنة فضلا عن ان هذا النص يخالف القوانين الدولية والشرعة الدولية لحقوق الانسان.

ورأى حسين انه استنادا الى المادة 92 من قانون المحكمة فان وجود خبراء الفقه الاسلامي وفقهاء القانون هو ضمن فريق المستشارين وليس ضمن منصة الحكم وجوبا وحكما. وحذر من ان منح حق الفيتو لخبراء الفقه الاسلامي على قرارات المحكمة بحجة مخالفتها للشريعة الاسلامية سوف يعطي سلطة تقديرية مستقبلية وهيمنة من قبل خبراء الفقه الاسلامي على جميع او معظم قرارات المحكمة من خلال الادعاء بانها قضايا تمس الشريعة الاسلامية.

القضاء الأعلى يقترح لفض الاشتباك
وفي محاولة لفض هذا الاشتباك والتسهيل على البرلمان انهاء خلافاته بهذا الصدد فقد اقترح
المجلس الاعلى للقضاء العراقي حلا وسطا يبدو عمليا لكن البرلمان لم يقرر بعد فيما اذا كان سيأخذ به ام لا.
واشار المجلس في بيان تابعته "ايلاف" الى انه "إزاء وجود حالة الفراغ الدستوري واقتراب موعد الانتخابات القادمة التي تستوجب وجود محكمة مكتملة النصاب للمصادقة على نتائج الانتخابات فان مجلس القضاء الاعلى وبحكم مسؤوليته الدستورية بموجب المادتين 89 و 90 من الدستور في إدارة شؤون الهيئات القضائية ولكون المحكمة الاتحادية هي احدى هذه الهيئات فانه يطرح هذا الحل". وأضاف المجلس "انه برغم ان رأيه هو ان دور خبراء الفقه الاسلامي وفقهاء القانون هو القصد منه تقديم الخبرة والمشورة للمحكمة في مجال الاختصاص لاسيما وان القضاة هم بالأصل ايضا لديهم معرفة بالفقه الاسلامي وموضوع الحقوق والحريات ومبادئ الديمقراطية لكن بسبب الحاجة الضرورية لاقرار المواد المتبقية من القانون بناءً على رغبة أغلبية اعضاء مجلس النواب باشراك خبراء الفقه الاسلامي وفقهاء القانون في عضوية المحكمة باعتبارهم أعضاء اصل فيها وليس مجرد خبراء فانه يقترح على البرلمان فكرة وسطية بين رؤية مجلس القضاء الاعلى ورؤية اغلبية النواب بهذا الخصوص تتلخص بالآتي:
ان الاصل ان تتكون المحكمة من رئيس ونائب للرئيس وسبعة قضاة للنظر في اختصاصها الوارد في المادة 93 من الدستور بحيث يشترك خبراء الفقه الاسلامي في عضوية المحكمة الأصل في الدعاوى المتعلقة بدستورية القوانين والأنظمة التي تتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام استناداً لاحكام المادة (2/اولاً /أ) من الدستور ويشترك فقهاء القانون في عضوية المحكمة الاصل في الدعاوى المتعلقة بدستورية التشريعات التي قد تتعارض مع مبادئ الديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية الواردة في الدستور استناداً لاحكام المادة (2/اولاً/ب و ج) من الدستور، وبذلك تصبح مسألة أقرار المواد المتبقية من القانون ممكنة".

مهام المحكمة
يذكر ان المحكمة الاتحادية العليا هي أعلى محكمة في العراق وتختص في الفصل في النزاعات الدستورية وقد انشئت وفق المادة 93 من الدستور العراقي لعام 2005 وقراراتها باتّة وملزمة للسلطات كافة وهي مستقلة بشكل كامل عن القضاء العادي ولا يوجد أي ارتباط بينهما، مقرها في بغداد وتتكوّن من رئيس وثمانية أعضاء .

وتتولى المحكمة الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة وتفسير نصوص الدستور والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والأنظمة والتعليمات، والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية والفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية، وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية والفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، اضافة الى المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب.