ايلاف من الرياض: حراكاً نوعياً كبيراً شهده الفضاء المعرفي السعودي في السنوات الماضية تزامناً مع حملة إصلاح وتغيير واسعة شهدتها البلاد لتشكيل مستقبل مدني ورسم صورة حديثة عن المملكة وإبراز وجهها الآخر.

وأسهم الحراك في تحفيز الحالة الثقافية وتوسيع دائرة فاعليتها لجعلها تلامس أذواقاً مختلفة عند شرائح متعددة من الناس، كما أستحدث أنماط تعليمية جديدة نال الاهتمام بالفلسفة نصيباً وافراً منها؛ إذ أقرت وزارة التعليم السعودية العودة إلى الأصول الفلسفية وإدراج مادة الفلسفة ومهارات التفكير الناقد بوصفها ضرورة إنسانية لا غنى عنها ضمن مناهج التعليم الرسمية نظير أهميتها في توجيه التلاميذ نحو الحكمة والتفكير المنطقي والتحليل الفلسفي.

وكرست المملكة مساحة اهتمام واسعة في الإنتاج العلمي والمعرفي عبر مؤسسات التعليم الرسمية التي تعنى بجوانب البحث والابتكار من أجل الارتقاء بجودة البحث العلمي وإنتاج خطاب معرفي موضوعي.

البحث العلمي بوصفه عملية ابتكارية يعد أداة تنفيذية وعنصراً مهماً وأساسياً في رؤية السعودية 2030 التي تنقل الاقتصاد الوطني من الاعتماد على الموارد الطبيعية مثل النفط إلى الاقتصاد المعرفي.

نالت أنشطة البحث العلمي زخماً كبيراً في السنوات الماضية مما يشير إلى أهميتها في تحقيق الأهداف بعيدة المدى لرؤية المملكة التي تعتمد جزء كبيراً منها على القدرات البحثية وتحويلها إلى قيمة اجتماعية أو اقتصادية.

وساعدت برامج الرؤية التنفيذية في تهيئة بيئة تنمي المهارات وتواصل الاستثمار في التعليم، إذ بلغ عدد الجامعات والكليات السعودية إلى 63، فيما بلغت عدد البحوث العلمية المنشورة أكثر من 33 ألف بحث مقارنة في الأعوام السابقة بنسبة زيادة وصلت إلى 223%

الاهتمام بمواكبة القيمة الفكرية للبحث العلمي وتبني خطط استراتيجية للموضوعات الابتكارية جميعها مؤشرات تنم عن اهتمام قيادات الدول في الإنتاج العلمي، وهو ما أشار إليه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حينما سُئل عن التعليم في حوار متلفز بمناسبة مرور خمسة أعوام منذ إطلاق الرؤية قائلاً سنقدم المعلومات الرئيسة للفرد وسنركز على مهارات أدوات البحث عن المعلومات والتخطيط.

أساليب معرفية عصرية أكد ولي العهد السعودي ضرورة العمل بها، الأمر الذي يسمح بنمو مجتمع المعرفة – والانفتاح نحو شتى العلوم بأسلوب منهجي يُفعّل مفهوم الاستنتاج والبحث ما يخلق لدى المتلقي غنىً روحيًا.

وتعليقاً على حديث ولي العهد باستحداث طرائق تعليمية جديدة تسهم في صنع جيلٍ حاذق، أكد مثقفون سعوديون لـ " إيلاف" أهمية هذه الخطوة في استجلاء الحقائق والتبصر للوصول إلى منتوج معرفي رصين يؤسس لثقافة واعية وفكر متألق.

عبدالله المطيري: حديث ولي العهد يصب في لب الإصلاح التعليمي

ضمن هذا السياق، أدلى عبد الله المطيري، أستاذ فلسفة التربية في جامعة الملك سعود والعضو المؤسس لجمعية الفلسفة السعودية، برأيه قائلاً إن إشارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان المهمة تصب في لب الإصلاح التعليمي ليس في السعودية فحسب، بل في غالب أنظمة التعليم العالمية للانتقال من الدور السلبي للطالب والمتمثل في تلقينه بالمعلومات إلى الدور الفاعل الذي يرتكز على تولي الطالب مهمة البحث والتفكير والتأمل واتخاذ القرار بالاستشارة والتعاون مع المعلمين وباقي الهيئة التربوية.

عبدالله المطيري

وأكد في حديثه لـ " إيلاف" أن تولي الطالب مهمة البحث والتفكير يساهم في خلق شخصية قادرة على اتخاذ القرار والمبادرة والمساهمة في المجتمع وهذا ما نحتاجه تحديدا من خريجي النظام التعليمي السعودي، موضحاً أن الهدف الذي أشار له ولي العهد يتطلب تغييرات على مستويات متعددة من سياسة التعليم وصولا لتأهيل المعلمين وكذلك طرق ومناهج التدريس.


مشاري الذايدي: رؤية ولي العهد تهدف لبناء عقل سعودي نقدي

بدوره قال مشاري الذايدي، الصحافي والكاتب السعودي، إن الإشارة في حوار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى تنمية مهارات البحث الحسن المفيد عن المعلومة وكيفية توظيفها، هي إشارة عظيمة لموضوع مصيري يتعلق بكيف يتم تكوين العقل العلمي الصحيح.

مشاري الذايدي

قال: أظن أننا في هذا العصر "عصر قوقل ومحركات البحث " نعاني من التخمة المرضية الضارة في زحمة المعلومات التي أكثرها ليس سوى لمع السراب الكاذب. ويضيف في حديثه إلى "إيلاف" السؤال ليس توفر المعلومة من عدمه، بل كيف تميز بين المصدر المعتمد لـ "المعلومة" من المصادر السرابية، وبعد ذلك كيف يتم استثمار هذه المعلومة ضمن نمط بحثي علمي يوصل إلى نتيجة مسنودة بمشوار حقيقي من التثبت والرصانة وليس العشوائية والخفة.

وأنهى حديثه قائلاً: بعبارة أخرى رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نحو بناء عقل سعودي علمي نقدي بحثي وليس عقلا جاهلاً جامداً تكرارياً... وتلك لعمر الله هي أسمى وأنبل المهام.. وأصعبها وأخطرها.

شايع الوقيان: حديث ولي العهد يحث على التركيز على البحث العلمي

من جهته قال شايع الوقيان، الفيلسوف السعودي، العضو المؤسس في حلقة الرياض الفلسفية "حرف، إننا وجدنا إشارة مهمة تضمنها حديث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بضرورة التركيز على البحث العلمي إضافة إلى طرق التفكير والتحليل بدلاً من حشو رؤوس الطلاب بالمعلومات، الحقيقة أن البيداغوجيا المعاصرة " علم تربوي" تراهن على هذه النقطة من أجل تحويل نسق التعليم ليكون أكثر فاعلية وملاءمة لشروط القرن الحادي والعشرين.

وأضاف الوقيان في حديثه إلى " إيلاف " إنه في عصر المعلومات والثورة التكنولوجية صارت المعلومة متوفرة في كل مكان، ويستطيع أي طالب الحصول عليها خارج إطار المدرسة، مشدداً على وجوب مواكبة نسق التعليم لهذا التحول الجذري العالمي، ليصبح تركيزه أكثر على كيفية إدارة المعلومات وتحليلها ونقدها وتقييمها، وإمداد الطلاب بمناهج علمية تساعدهم في البحث الموضوعي الصحيح للاستفادة من البيانات المتناثرة في الفضاء الرقمي.

شايع الوقيان

مؤكداً أنه منذ زمن ونحن نسمع حديث عن الرغبة تجاه تعزيز الفكر النقدي عند الطلاب في إطار التعليم، إلا أن الوقيان الفيلسوف السعودي من خلال متابعته يوضح أن هذه الرغبة لن تتحقق بالحديث والأماني، مشيراً إلى أن مناهج التعليم لدينا لا تزال في معظمها حشواً معلوماتياً ولا يزال التعليم يتعامل مع الطلاب بمنطق التعليم البنكي، كما يقول باولو فيريري، " مفكر برازيلي" أي التعامل مع عقول الطلاب كحسابات إيداع تكتظ بالمعلومات.

وختم حديثه بقوله إن تحقيق هدف ولي العهد الذي ينص على الانتقال نحو التفكر النقدي القادر على البحث والتفكير والإبداع يقتضي تغييرا جذريا في مناهج التعليم وآليات التدريس.

يذكر أن الرياض شهد في الأعوام الخمسة الماضية سلسلة إصلاحات تبنتها مسارات رؤية 2030 انعكست تلك الإصلاحات إيجاباً على المجتمع كما حسنت نمط حياة الأفراد عبر برنامج جودة الحياة وهو أحد برامج الرؤية التنفيذية.