إيلاف من لندن: وصف كاتب أميركي قضية الفتنة المرتبطة بالأمير حمزة بن الحسين التي أحبطها الأردن بأنها واحدة من أكثر المؤامرات خطورة واستهدافا لزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة.
وتناقلت وسائل إعلام ومواقع بارزة أردنية في الساعات الأخيرة، ما نشره الكاتب الصحفي الأميركي المخضرم ديفيد إغناشيوس صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية يوم الجمعة عن قضية الفتنة.
وأشار إغناشيوس أن سرده لأحداث القضية المعروفة بقضية الفتنة مبني على “نقاشات مع 10 مسؤولين حاليين وسابقين ذوي معرفة مفصلة بالأحداث هناك”، إلا أنه تحفظ على ذكر أسمائهم بناءً على طلبهم "نظرا لحساسية المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بواحدة من أكثر الخطط خفاءً لكنها الأكثر قدرة على زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية".
وأقر إغناشيوس بأن التقارير الأولية عن القضية فاجأت المراقبين "والذين اعتقد بعضهم أن الملك عبدالله الثاني بالغ في ردة فعله تجاه الخلافات العائلية المرتبطة بالسياسة. لكن إعادة تجميع أطراف القصة بشكل دقيق من عدة مصادر أميركية وبريطانية وسعودية وإسرائيلية وأردنية، يظهر أن الضغط الذي وقع على الملك كان حقيقيا ومتزايدا منذ بدء إعداد (دونالد) ترمب لخطته للسلام".

مخطط لصفقة القرن
ويضيف الكاتب الأميركي: "بالعودة للوراء نجد أنه تم إعداد هذا المخطط على مرأى من الجميع". وأشار إلى أن حلم الرئيس دونالد ترمب بتنفيذ (صفقة القرن) تبدد بسبب "رفض ملك الأردن عبدالله الثاني الامتثال للضغوطات أو تقديم تنازلات بما يخص مكانة القدس أو الأمور الأخرى التي تؤثر عل الفلسطينيين. وكان ثمن مقاومته للصفقة هزات تعرضت لها المملكة على مدار السنوات القليلة الماضية".
ونقل الكاتب عن مسؤول رفيع سابق في وكالة الاستخبارات الأميركية (سي. آي. إيه) قوله: "أصبح واضحا لدى ترامب أن الملك يشكل عائقا أمام عملية السلام".
ويشير الكاتب إلى تقرير استقصائي عن القضية، وصله من مسؤول استخباراتي أجنبي سابق مطلع على القضية، جاء فيه أن الأفعال التي ارتكبها المتهمون فيها "لم ترتق إلى الانقلاب ضمن المفهوم القانوني والسياسي، بل شكلت محاولة لتهديد استقرار الأردن وإحداث الفتنة فيه".
كما يشير التقرير، وفقا لإغناشيوس، إلى أن باسم عوض الله كان يعمل على ترويج صفقة القرن وإضعاف موقف الأردن والملك تجاه فلسطين والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف.
ويقول الكاتب إن القدس في صلب القصة، مشيرا إلى أن الملك قد وصف دور الأردن في حماية المقدسات في القدس بالخط الأحمر. وذكر الكاتب على لسان مصدر أميركي أنه خلال الأعوام الثلاثة الماضية كانت هناك ضغوطات من عدة جهات تستهدف وصاية الأردن على المقدسات.

ضغوطات مستمرة
وأقر الكاتب بالضغوطات المستمرة التي لطالما تعرض لها الأردن عبر تاريخه، مستذكرا محاولات الاغتيال والانقلاب التي استهدفت الملك الحسين، وإلى الضغوطات التي استمرت في عهد الملك عبدالله الثاني، ومضيفا أنه من المتوقع أن الملك عبدالله سيزور الولايات المتحدة في نهاية يونيو/ حزيران الحالي، حيث ستؤكد زيارته للبيت الأبيض مجددا حقيقة أن النظام الملكي الأردني سيبقى صامدا رغم الصراعات السياسية التي لا تنتهي في الشرق الأوسط.
وأشار إغناشيوس إلى أن الإدارة الأميركية في عهد ترمب تجاهلت الأردن، الذي كانت تعده الإدارات الأميركية السابقة حليفا محوريا في الشرق الأوسط، إذ كان الرئيس الأميركي السابق مستعدا لتجاهل دور الأردن وتحذيراته، بهدف تحقيق الصفقة الكبرى لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيل.
وكان كوشنر القادم من عالم التجارة بالعقارات يأمل أنه بإمكانه إقناع الفلسطينيين والأردنيين بدعم خطة السلام التي يريدها ترامب مقابل الحوافز الاقتصادية، وفقا للكاتب.
وفي مارس/آذار 2019، يشير الكاتب إلى أن الملك عبدالله الثان سافر إلى واشنطن ليتلقى إيجازا عن الخطة الأميركية، إلا أنه في نفس الشهر، كانت له تصريحات شديدة اللهجة تعارض الخطة.
حيث أشار الكاتب إلى تصريحات الملك خلال زيارة إلى الزرقاء في 21 آذار، حين قال: “عمري ما رح أغير موقفي بالنسبة للقدس، بغض النظر شو بيحكوا ناس ثانيين. عنا واجب تاريخي بالنسبة للقدس والمقدسات. في ضغط علي من الخارج؟ في ضغط علي. لكن بالنسبة إلي هذا خط أحمر”.

لاءات الملك
كما أشار الكاتب إلى لاءات الملك الثلاث وقوله في اجتماع آخر في نفس الشهر: "أنا كهاشمي، كيف أتراجع عن القدس؟ مستحيل… ناس بيحكوا على صفقة القرن أو على الوطن البديل. كيف؟ ما إلنا صوت؟".
وفي آخر أيام إدارة ترمب في البيت الأبيض، قال الكاتب إن الأجهزة الأردنية تمكنت من تجميع ملف من الرسائل التي تم اعتراضها والتي تم تبادلها بين الأشخاص المتهمين في قضية الفتنة، حيث يشير التقرير إلى أنها كانت تحرض ضد نظام الحكم وتشير إلى أعمال من شأنها أن تثير الفتنة.
ومع ازدياد الضغط على العاهل الأردني، بدأت الأجهزة الأمنية بالتحقيق في تهديدات محتملة تستهدف النظام. وعلى الرغم من أن الأدلة التي تم جمعها لم تظهر بعد في المحكمة في الأردن ولم يتم عرضها على أطراف دولية، إلا أن تحرك الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية بشكل سريع للتعبير عن الدعم للملك عبدالله الثاني عندما بدأت التقارير المتعلقة بالفتنة بالظهور في شهر أبريل/ نيسان تشير إلى أن هذه الدول كانت تنظر إلى حجم القضية بجدية، بحسب إغناشيوس.
تصريحات غانتس
كما يتطرق الكاتب إلى تصريحات بيني غانتس، وهو رئيس أركان إسرائيلي متقاعد ويشغل حاليا منصب وزير الدفاع في حكومة نتانياهو، في لقاء مع مؤيديه عبر تقنية الاتصال المرئي (زووم): "أعتقد أن الأردن حليف مهم لإسرائيل … وللأسف نتانياهو شخص غير مرغوب به بالنسبة للأردن، ووجوده يضر بتطور العلاقات". وكانت تلك إشارة إلى قلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من وجود محاولات لزعزعة استقرار الأردن.
ونقل الكاتب أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قد بعثت برسائل إلى الأردن تقول، وفقا لمسؤول استخبارات أميركي قرأها: “لا علاقة لنا بالأمر.”، تلميحا لاحتمالية ضلوع نتانياهو في محاولة زعزعة استقرار الأردن.

تحقيق منذ عامين
وفي حديثه عن قضية الفتنة، يشير الكاتب إلى أن التحقيق بدأ قبل عامين، وفقا للتقرير الذي اطلع عليه. إذ يشير التقرير إلى أنه في منتصف عام 2019، وردت معلومات تشير إلى قيام الشريف حسن بن زيد بلقاء شخصين من طواقم سفارة أجنبية للسؤال عن احتمالية دعم بلادهم للأمير حمزة كبديل للملك، واستمر الشريف بالتواصل مع السفارة بعد ذلك. وينقل الكاتب على لسان مصدر استخباري غربي سابق أن السفارة التي تمت الإشارة إليها هي على الأرجح السفارة الأميركية.
وأشار التقرير، وفقا للكاتب، إلى أنه خلال عام 2020، قام عدد من أبناء العشائر بالتواصل مع الأجهزة الأمنية ولفت انتباههم إلى قيام معاوني الأمير حمزة بمحاولة استقطابهم وأفراد من عائلاتهم لدعم الأمير ومبايعته. ولاحقا في نفس العام، وردت معلومات للأجهزة الأمنية تفيد بتكثيف التواصل بين الأمير حمزة والشريف حسن وباسم عوض الله.
وأضاف إغناشيوس أن أحداث مخطط الفتنة تسارعت في 2021، مستشهدا بالتقرير، الذي أشار إلى اعتراض الأجهزة الأمنية لرسائل عبر تطبيق واتساب بين الأمير وعوض الله والشريف حسن تحث الأمير على التحرك، وأشارت أيضا، بالرموز والشيفرة، إلى تورط أطراف وأشخاص آخرين.

شخصيات عشائرية
وفي إحدى الرسائل، يشير عوض الله إلى دعم خارجي لتواصل الأمير مع شخصيات عشائرية، يضيف الكاتب، على لسان مسؤول استخباراتي غربي سابق، بحسب الكاتب، الذي يذكر أيضا أن التقرير أشار إلى تواطؤ عوض الله مع أجندات ومخططات خارجية لإضعاف موقف الأردن والملك تجاه القضية الفلسطينية والوصاية الهاشمية على المقدسات.
وينقل الكاتب أن عوض الله قد عبر عن الامتعاض لمسؤول استخباراتي أميركي سابق من إصرار الأردن على موقفه المتعلق بالقدس، قائلا: “الأقصى يشكل نقطة الخلاف بيننا. يستخدم الملك (عبدالله) دوره في الأقصى ضدنا، وليحافظ على دوره في الشرق الأوسط”.
ونقل إغناشيوس عن التقرير أن الأمير قام بتكثيف لقاءاته مع شخصيات عشائرية ومجموعات أخرى على الرغم من انتشار جائحة كورونا في الأردن، حيث عقد 35 لقاء خلال ثلاثة أشهر في بداية عام 2021. وعندما قام عوض الله بشكل مفاجئ بتغيير موعد مغادرته عمان إلى 4 أبريل/نيسان بعد أن كان يخطط للسفر في 11 نيسان، قررت السلطات التحرك لاعتقاله مع الشريف حسن بن زيد وغيرهم.