إيلاف من بيروت: أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اليوم تقريرها السنوي العاشر عن التعذيب في سوريا، بمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب 26/حزيران، وقالت فيه إن التعذيب نهج مستمر على مدى عشر سنوات وإن حصيلة الذين قتلوا بسبب التعذيب قد بلغت 14537 شخصاً منذ آذار 2011 حتى حزيران 2021 بينهم 180 طفلاً و92 سيدة (أنثى بالغة)، الغالبية العظمى منهم قتلوا على يد قوات النظام السوري.

شهادات ناجين

اشتملَ التقرير على كمٍّ واسع من حوادث التعذيب، وشهادات ناجين من الاعتقال والتعذيب، وكذلك حوادث موت بسبب التعذيب، التي تم تسجيلها في غضون عام منذ 26 يونيو 2020، وقال إن التعذيب كان من أول الانتهاكات التي مورست بحق المتظاهرين السياسيين، وذلك على خلفية اعتقالهم التعسفي، حيث تعرضوا بشكل عام إلى: ضرب، وشتائم، وتم اعتقالهم دون مذكرة قضائية، وصودرت هواتفهم المحمولة، ومنعوا من التواصل مع أهلهم أو محاميهم، وأصبح الأغلب منهم في عداد المختفين قسرياً، وكل واحدة من هذه الممارسات تنضوي على شكل أو أكثر من التعذيب، وقد يفضي التعذيب إلى موت المعتقل، وقد لا يفضي، وأضافَ أن انتهاك التعذيب في سوريا، منهجي وواسع النطاق، وبشكل خاص من قبل النظام السوري الذي يحتجز العدد الأكبر من المعتقلين، وهو أيضاً ممتد ولا نهائي، بمعنى أنه ليس هناك مقدار محدد من التعذيب نظراً لارتكاب فعل معين أياً كان.

اعتمد التقرير تعريف التعذيب بحسب ما أوردته اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، واستند إلى مقابلات تمت مع عائلات ضحايا وناجين من التعذيب من مراكز الاحتجاز لدى مختلف أطراف النزاع، واستعرض 13 رواية تم الحصول عليها بشكل مباشر وليست من مصادر مفتوحة. كما ترتكز الإحصائيات الواردة فيه إلى العمل التراكمي الممتد لسنوات من عمليات الرصد والتوثيق اليومية المستمرة منذ عام 2011 لحوادث الاعتقال التعسفي والتعذيب، ويوزع التقرير حصيلة حالات الوفيات بسبب التعذيب تبعاً للمحافظة التي تنتمي إليها الضحية، وليس تبعاً للمكان الذي وقعت فيه حادثة التعذيب -لأنَّ مكان وقوع الحادثة والانتهاك في النسبة العظمى من الضحايا هو مراكز الاحتجاز في مدينة دمشق-؛ بهدف إظهار حجم الخسارة والعنف الذي تعرَّض له أبناء تلك المحافظة مقارنة مع محافظات أخرى.

عشرات الآلاف

يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان: “إن الحجم الهائل من التعذيب الذي مورس على أعداد ضخمة من أفراد المجتمع السوري تصل إلى عشرات الآلاف، وبأساليب وحشية ومن قبل كافة أطراف النزاع ولكن بشكل خاص من قبل النظام السوري، الذي استخدم مؤسسات في الدولة لخدمة التعذيب، كل هذا التعذيب تجاه أفراد المجتمع ولَّد حالة من الاحتقان الشديد تجاه مرتكبي الانتهاكات، ممزوجة برغبة شديدة بالانتقام، وإن استمرار النزاع السوري على الرغم من مضي عشر سنوات يجعل العديد من أفراد المجتمع الذين تعرضوا للتعذيب بمثابة قنابل موقوتة، لا بدَّ للمجتمع الدولي من قيادة مسار عدالة انتقالية في أسرع وقت ممكن”.

وثق التقرير مقتل ما لا يقل عن 14537 شخصاً بسبب التعذيب منذ آذار/ 2011 حتى حزيران/ 2021 على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، من بينهم 180 طفلاً و92 سيدة (أثنى بالغة)، النظام السوري مسؤول عن مقتل 14338 بينهم 173 طفلاً و74 سيدة، وتنظيم داعش مسؤول عن مقتل 32بينهم 1 طفلاً و14 سيدة، أما هيئة تحرير الشام فمسؤولة عن مقتل 28 بينهم 2 طفلاً بسبب التعذيب، وبحسب التقرير فإنَّ 67 شخصاً بينهم 1 طفلاً و2 سيدة قد قتلوا بسبب التعذيب على يد قوات سوريا الديمقراطية، فيما قتل 47 بينهم 1 طفلاً و1 سيدة بسبب التعذيب على يد المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني، وسجل التقرير مقتل 25 شخصاً بينهم 2 طفلاً و1 سيدة على يد جهات أخرى.
ووفقاً للتقرير فإن النظام السوري قد اعتقل العدد الأكبر من المواطنين السوريين، ولا يزال لديه العدد الأكبر منهم، ومن المختفين قسرياً، ويتزامن التعذيب طوال مدة اعتقال الشخص.

ورصد التقرير ممارسة النظام السوري لعمليات التعذيب في كثير من الأحيان على خلفية انتماء الضحية لمنطقة ما مناهضة له، كنوع من الانتقام الجماعي في مراكز احتجازه، وأشارَ إلى أنَّ محافظتي درعا وحمص كانتا في مقدمة المحافظات التي فقدت أبناءها بسبب التعذيب، كما استعرض التقرير المؤشر التراكمي لحصيلة الوفيات بسبب التعذيب في سوريا منذ عام 2011.

تعذيب مقونن

وتحدث التقرير عن أن النظام السوري وضع “قوانين” تسمح بالتعذيب وتمنع محاسبة المجرمين وتعطي حصانة تامة من الملاحقة القضائية للذين ينفذون أوامره، واستعرض أبرزها، وقال إنه نظام شديد المركزية، ولا يمكن أن يعذب عشرات آلاف المعتقلين، ويقتل منهم آلاف، دون أوامر مباشرة من رأس الهرم وهو رئيس الجمهورية، ورأى التقرير أن هذا الكم الهائل من التعذيب والقتل يقتضي اشتراك مؤسسات عدة في الدولة.

وقال التقرير إنه وفقاً للقانون الدولي الإنساني يتحمل القادة والأشخاص الأرفع مقاماً مسؤولية جرائم الحرب التي يرتكبها مرؤوسوهم، وعرض أبرز أسماء المتورطين لدى النظام السوري في جريمة التعذيب، بحسب قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان الخاصة ببيانات مرتكبي الانتهاكات، كما طالب لجنة التحقيق الدولية المستقلة عن سوريا بالكشف عن أسماء الأفراد الذين تحققت من تورطهم في ارتكاب انتهاكات فظيعة تُشكل جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ومن ضمنها جريمة التعذيب.

اضاف التقرير أن جميع أطراف النزاع مارست عمليات التعذيب وإن اختلفت من ناحية الحجم والمنهجية والأساليب، مشيراً إلى أن بقية أطراف النزاع استنسخت عدداً كبيراً من أساليب التعذيب التي مارسها النظام السوري -أول من مارس انتهاك التعذيب، وأكثر جهة مسؤولة عن الوفيات بسبب التعذيب- واستعرض 10 من أساليب التعذيب الرئيسة التي تشترك أطراف النزاع في ممارستها ضمن مراكز الاحتجاز التابعة لها.

محاسبة النظام

أخيراً، رحَّب التقرير بتقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة الأخير – آذار 2021 وأشار إلى مساهمة الشبكة السورية لحقوق الإنسان فيه عبر مشاركة واسعة للعديد من البيانات والمعلومات، ورأى أنه من الأهمية بمكان ويُشكل مادة مهمة لمحاسبة النظام السوري وعرقلة كافة الجهود الرامية إلى إعادة تأهيله بعد أن فقدَ شرعيته على المستوى السياسي والحقوقي لدى أبرز وأهم دول العالم. كما رحَّب بالخطوات الهولندية والكندية والألمانية لمحاسبة مرتكبي جريمة التعذيب في سوريا.

وأكَّد التقرير أن القانون الدولي يحظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية وغير الإنسانية أو المذلة بصورة تامة وهو بمثابة قاعدة عرفية من غير المسموح للدول المسُّ به أو موازنته مع الحقوق أو القيم الأخرى، ولا حتى في حالة الطوارئ، ويُعتبر انتهاك حظر التعذيب جريمة دولية في القانون الجنائي الدولي ويتحمل الأشخاص الذين أصدروا الأوامر بالتعذيب أو ساعدوا في حدوثه المسؤولية الجنائية عن مثل هذه الممارسات.

كما أشار إلى أن النظام السوري انتهك بشكل واضح نصوص الدستور السوري، وبنود اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها سوريا في عام 2004، وتلاعبَ في سنِّ القوانين والتشريعات التي تحمي عناصر قواته من أية ملاحقة كما أشار إلى أن أياً من أطراف النزاع لم يفتح أي تحقيق عن ممارسات التعذيب، كما لم يحاسب أحداً من أفرادها المشتبه بتورطهم في ارتكاب هذا الانتهاك، ولم يقدم أي اعتذار أو تعويض للضحايا.

إدانة واجبة

أوصى التقرير مجلس الأمن والأمم المتحدة بإدانة ممارسات النظام السوري لجريمة التعذيب والعمل الجدي وفق كل السبل لإيقافها، وإنقاذ عشرات آلاف المواطنين السوريين المعتقلين من الموت تحت التعذيب. وأوصى الجمعية العامة للأمم المتحدة أخذ زمام المبادرة في الحالة السورية واللجوء لتطبيق مبدأ اتحاد من أجل السلام؛ وطالب بفرض عقوبات أممية على الأفراد والكيانات المتورطة بعمليات التعذيب والموت تحت التعذيب.

كما أوصى المجتمع الدولي والدول الأطراف في اتفاقية مناهضة التعذيب باتخاذ ما يلزم من إجراءات لإقامة ولايتها القضائية على مرتكبي جرائم التعذيب، والانضمام إلى الجهود الهولندية والكندية والألمانية في محاسبة النظام السوري على جريمة التعذيب.

يمكن الاطلاع هنا على تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان كاملًا.