إيلاف من اسطنبول: مرّ شهر على الاتفاق الأخير الذي شهدته محافظة درعا في الجنوب السوري. وخلال تلك الفترة تبددت حالة التصعيد والتوتر العسكري، وحلت مكانها حالة من الهدوء النسبي ومشهدٌ عنوانه: "تسليم أسلحة وتسوية أوضاع المطلوبين أمنيا وانتشار واسع للجيش العربي السوري".

وبحسب تقرير نشره موقع "الحرة"، أتاح الاتفاق الذي تم برعاية روسية للنظام السوري دخول قواته إلى كامل المدن والقرى والبلدات في المحافظة، بعد إجراء عمليات "تسوية أمنية" أو كما تسمى محليا بـ"المصالحة"، ليتم فيما بعد إقدام المسلحين المعارضين على تسليم أسلحتهم، ومن ثم إعادة الانتشار العسكري والأمني، الذي كان غائبا منذ 3 سنوات.

وتعد أحياء درعا البلد أولى المحطات التي شهدت تطبيق الاتفاق المذكور، وفي الأيام الماضية طبّق النظام برفقة عناصر من الشرطة العسكرية الروسية بنود الاتفاق في كامل الريف الغربي لدرعا، وفي الوقت الحالي يتجه لإجراء "التسويات" في مناطق الريفين الشمالي والشرقي.

وقالت وكالة الأنباء السورية "سانا"، الخميس، إن "الدولة السورية بدأت عملية تسوية أوضاع عشرات المسلحين والمطلوبين والفارين من الخدمة العسكرية في مدينتي الصنمين وجاسم"، مضيفة: "ذلك يأتي تمهيدا لعودة مؤسسات الدولة"، متحدثة عن عشرات القطع من الأسلحة الخفيفة تسلمتها قوات النظام السوري في هاتين المنطقتين.

في المقابل، ذكرت شبكات محلية بينها "تجمع أحرار حوران" أن دخول قوات النظام إلى مدينة جاسم جاء عقب حصار دام لأيام، حيث اشترط الطرف الأول تسليم عدد كبير من الأسلحة الفردية، وهو ما قوبل برفض من جانب الأهالي والوجهاء.

وقالت الشبكة المحلية: "تراجع ضباط النظام السوري الأربعاء عن مطالبهم بتسليم 250 قطعة سلاح، ليتم تخفيض العدد إلى عشرات القطع الفردية. التسوية بدأت بعد ذلك".

"سلاح 2018"

ووفقًا لـ "الحرة"، لا توجد أي تقديرات عن عدد الأسلحة التي تسلمها النظام السوري من مدن وبلدات محافظة درعا، وبحسب الصور التي تنشرها وسائل إعلام مقربة منه، فقد تبدو غالبيتها من القطع الخفيفة نوع "كلاشينكوف".

وسبق وأن سحب النظام السوري سلاحا خفيفا ومتوسطا خلال الأعوام الماضية من تلك المناطق، إلا أن العملية التي يسير بها في الوقت الحالي تعتبر الأكبر من نوعها.

ويقول الناشط السوري المعارض عمر الحريري إن الأسلحة التي تتسلمها قوات النظام السوري في الوقت الحالي "كان يحملها في السابق العناصر الذين دخلوا في اتفاق التسوية عام 2018".

ويضيف الحريري لموقع "الحرة": "أولئك انقسموا في ذلك الوقت بين عدة تشكيلات عسكرية، مع فرع الأمن العسكري وقوات الفرقة الرابعة وقوات اللواء الثامن في الفيلق الخامس".

وبينما ترتبط معظم القطع التي يتم تسليمها بالتطورات التي حصلت أواخر 2018، إلا الحريري يشير إلى أخرى تمتلكها بعض العائلات بغرض الدفاع عن النفس، لافتا إلى أن "نسبتها قليلة".

وكان "المرصد السوري لحقوق الإنسان" قد نقل قبل أيام عن نشطاء في درعا قولهم إن ضباط النظام السوري فرضوا على وجهاء منطقة طفس في الريف الغربي جمع مبالغ تصل إلى 300 مليون ليرة سورية (ما يعادل 85 ألف دولار) وتسليمها لهم.

أضاف المرصد أن هذه المبالغ دفعت بالتزامن مع عمليات التسوية للعديد من الأشخاص، حيث يطلب النظام تسليم الأسلحة التي بحوزتهم، إضافة إلى القيام بعمليات تفتيش للمنازل من قبل أجهزة النظام برفقة الشرطة العسكرية الروسية.

كيف تتم "التسوية"؟

تعتبر عملية "التسوية" التي يشهدها الجنوب السوري غير معقّدة، لكن هناك تكهنات بشأن المرجو منها، بمعنى مصير كل من يوافق على بنودها ويتّبع جميع الخطوات.

وتعد الخطوة المذكورة إحدى أبرز السياسات التي حاولت موسكو فرضها على المناطق التي شهدت توترات وعمليات عسكرية، أبرزها مناطق الغوطة الشرقية بريف دمشق ومؤخرا في ريفي حمص ودرعا.

وبخصوص درعا كانت اللجان الأمنية التابعة للنظام السوري قد سلمت اللجان المركزية الممثلة عن الأهالي قوائم أسماء لأشخاص مطلوبين، وآخرين فارين عن الخدمة العسكرية. وهؤلاء يترتب عليهم تسوية أوضاعهم أمنيا وتسليم الأسلحة التي بحوزتهم، بينما يطلب من الفار عن الخدمة أن يلتحق بالقطع والثكنات خلال مدة زمنية متفق عليها، وتتحدد في غالبية الأحيان بستة أشهر، كما جاء في تقرير "الحرة".

بعد ذلك يمنح الشخص بطاقة "تسوية" عليها صورته الشخصية، ويتم إبلاغه بأن بات غير مطلوب للأفرع الأمنية، وأنه يستطيع التجول بموجبها حيث يشاء ضمن المحافظات السورية.

وما تزال هناك شكوك في جدية النظام السوري بكف اليد عن المطلوبين أمنيا على الرغم من دخولهم في "التسوية"، وترتبط أسباب ذلك بحملات الاعتقال التي نفذتها الأفرع الأمنية عقب اتفاق 2018، ووثقتها جهات حقوقية بينها "مكتب توثيق الشهداء في درعا".

هدوء دائم أم مؤقت؟

تشير معظم التصريحات الصادرة عن النظام السوري إلى أن مناطق الجنوب السوري دخلت في حالة من الهدوء والاستقرار، وهو ما يؤكده أيضا ناشطون وأبناء المحافظة، لكنهم لا يعرفوا إن كان ذلك سيكون دائما أم مؤقتا.

ويقول الناشط السوري عمر الحريري: "هناك هدوء منذ تطبيق الاتفاق الأخير. الاغتيالات تراجعت بشكل كبير"، مضيفا: "لكن من الصعب أن نقول إن الحالة ستكون دائمة أو مؤقتة. مع الوقت ستتضح الأمور".

ويوضح الحريري: "معطيات عودة التصعيد وتحديدا الاغتيالات لاتزال موجودة إلى الآن. في الأسبوع الماضي شهدنا اغتيالات داخل بلدة تسيل، بنفس وقت التسوية تقريبا".

من جانبه، يشير أبو علي المحاميد أحد وجهاء درعا إلى "انكفاء قوات الفرقة الرابعة من المنطقة بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ"، بحسب تعبيره.

ويقول المحاميد لموقع "الحرة": "الأهالي يشعرون بالارتياح، لكن الخدمات الضرورية غير متوفرة من كهرباء وغاز ومياه ومحروقات".

وبخصوص الأشخاص الذين يجرون "التسويات يوضح المحاميد: "غالبية الشبان يتطلعون لمغادرة البلاد، خاصة أولئك الذين في سن الخدمة الإلزامية"، في إشارة منه إلى شكوك بنوايا الأفرع الأمنية في المنطقة.

ويؤكد المحاميد: "هناك معلومات مؤكد عن انكفاء الفرقة الرابعة من الجنوب السوري إلى الشمال. لن تبق هنا".

حل أمني شامل

أدى التصعيد العسكري الأخير في جنوب سوريا وفق "المرصد السوري لحقوق الانسان" إلى مقتل 23 مدنيا، بينهم ستة أطفال و26 عنصرا من قوات النظام السوري و20 مقاتلا معارضا.

ودفع التصعيد أكثر من 38 ألف شخص إلى النزوح من درعا البلد خلال نحو شهر، بحسب الأمم المتحدة.

ويقول العقيد المنشق عن النظام السوري، إسماعيل أيوب لموقع "الحرة" إن قوات الفرقة الرابعة "انسحبت من محافظة درعا في الأسابيع الماضية بشكل عام. لا يوجد لها الآن وجود يذكر في المنطقة".

ويضيف أن الانسحاب يأتي "في إطار حل أمني شامل سوف يطبق في كل سوريا وليس في درعا فقط خلال المرحلة المقبلة"، معتبرا أن الدول ذات الصلة بالملف السوري "اتفقت على إنهاء الحالة الأمنية في سوريا. درعا كانت الأولى كونها النقطة الأضعف وسيتعمم الأمر في ريف حمص وجنوبي إدلب".

في حين يشير الحريري إلى أن النظام السوري "سحب فقط التعزيزات الأخيرة التي أحضرها إلى الجنوب السوري مع بدء التوتر في محيط أحياء درعا البلد".

ويوضح: "ما تبقى بقي في مكانه. النظام ما يزال موجودا وبكثرة".

ضغوط على العودة

وتتميز درعا بوضع خاص عن باقي المناطق السورية التي دخلت في اتفاقيات "التسوية"، من حيث طبيعة القوى العسكرية المسيطرة على قراها وبلداتها، وأيضا طبيعة المقاتلين.

وينقسم المقاتلون بين تشكيلات أنشأت حديثا كـ"اللواء الثامن" التابع لـ"الفيلق الخامس"، وأخرى "أصيلة" في المنظومة العسكرية لنظام الأسد كـ"الفرقة الرابعة" و"الأمن العسكري" و"المخابرات الجوية".

وفي مقابل ما تشهده مناطق درعا من شمالها إلى جنوبها وغربها ما يزال وضع بصرى الشام ضبابيا، وهي المدينة التي يسيطر عليها ما يسمى بتشكيل "اللواء الثامن" التابع لـ"الفيلق الخامس" المدعوم روسيا.

ويقود اللواء القيادي السابق في المعارضة، أحمد العودة، وبحسب ما يقول الناشط السوري عمر الحريري: "ما يزال الدعم المالي المقدم له من روسيا مقطوعا منذ أشهر طويلة". ويتوقع الحريري أن يكون قطع الدعم مرتبطا بضغوطات تمارسها روسيا من أجل إجبار قائد التشكيل على حل قواته في المرحلة المقبلة ضمن مكونات الجيش السوري.

ولم يصدر أي تعليق أو موقف من جانب القيادي العودة في الأيام الماضية.

وفي حديث سابق لموقع "الحرة" رجّح الكاتب والباحث في الشؤون الروسية بسام البني أن يتم "إدماج قوات أحمد العودة في الجيش السوري، مع نضوج الحل السياسي، من خلال تطبيق قرار مجلس الأمن 2254". وأضاف: "أي فصيل مسلح خارج عن سيطرة الدولة السورية هو أمر مرفوض أو على الأقل ضرورة مرحلية ستزول. روسيا لا يمكنها أن تتعامل مع فصائل مسلحة أيا كان انتماؤها".