إيلاف من اسطنبول: تشهد أحياء درعا البلد في الجنوب السوري أعنف حملة عسكرية، منذ بدء التصعيد، قبل أكثر من شهرين، إذ تتعرض حاليا لحملة قصف غير مسبوقة من جانب قوات النظام السوري أسفرت عن ضحايا مدنيين، بحسب ما قال ناشطون محليون، وأحد وجهاء المنطقة، وفقًا لموقع "الحرة".

يعيش في تلك الأحياء آلاف المدنيين، الذين يعانون ظروفا مأساوية بسبب الحصار المفروض عليهم، وسبق أن أبدت الأمم المتحدة تخوفها على مصيرهم، وكذلك الأمر من دول غربية، بينها الولايات المتحدة الأميركية.

وجاءت التطورات المذكورة عقب إعلان اللجان المركزية الممثلة عن الأهالي "انهيار المفاوضات"، التي كانوا يباشرونها مع ضباط روس، وآخرين من اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري.

وبينما قال الناطق باسم وفد اللجان، المحامي عدنان المسالمة، إن انهيار التفاوض حدث "بسبب التعنت المستمر والطلبات التعجيزية للنظام السوري، أشارت وكالة الأنباء السورية "سانا" إلى أن "المجموعات الإرهابية صعّدت من اعتداءاتها مؤخرا، بهدف تعطيل أي جهود للحل السلمي".

وبحسب "الحرة"، قالت "سانا"، الاثنين، نقلا عن مراسلها في درعا: "وحدات الجيش العربي السوري المنتشرة في محيط حي درعا البلد ترد على اعتداءات الإرهابيين على الأحياء السكنية ونقاط الجيش".

ماذا يجري على الأرض؟

انهيار المفاوضات تم الإعلان عنه عصر الأحد، وبشكل مفاجئ بدأت قوات النظام السوري المتمثلة بـ"الفرقة الرابعة" حملة قصف بالصواريخ والمدفعية الثقيلة، بالتزامن مع محاولات اقتحام برية من 4 محاور، بحسب ما يقول أبو علي المحاميد أحد وجهاء محافظة درعا، المطلع على مسار التفاوض السابق.

ويضيف المحاميد لموقع "الحرة": "هناك قصف مستمر وعنيف ومحاولات تقدم للفرقة الرابعة على أكثر من محور. الحصار مازال خانقا جدا. ليس لدينا طعام أو خبز أو أي شيء".

ويشير المحاميد، المقيم في درعا البلد: "نحن ندافع عن أهلنا وبيوتنا. مضطرين لذلك بأسلحة فردية قليلة جدا".

من جانبه تحدث الناطق باسم وفد اللجان المركزية، المحامي عدنان المسالمة عن قتلى من قوات النظام السوري، أثناء محاولتها التقدم داخل أحياء درعا البلد، مشيرا لموقع "الحرة": "لقد أصبح القصف والتدمير جنوني وبكافة أنواع الأسلحة الثقيلة، مما أدى إلى تدمير منازل المدنيين الآمنين والمساجد والمآذن".

وحتى اللحظة لم يعلن النظام السوري عن أي هجوم بري على أحياء درعا البلد، لكن وكالته الرسمية "سانا" كانت قد نشرت صورا لتعزيزات عسكرية ضخمة خلال الأيام الماضية، قالت إنها تمركزت في مواقع عدة لفرض "شروط الدولة السورية".

وكان لافتا بين التعزيزات "صواريخ جولان" كما يطلق عليها محليا. وهي سلاح يتم استخدامه في حملة القصف الحالية بكثافة، بحسب ما قالت شبكات محلية في درعا، بينها "شبكة نبأ".

وتتهم "الفرقة الرابعة" بالارتباط المباشر بإيران، ويقود عملياتها في الجنوب العقيد غياث دلا، الذي برز اسمه كأحد القادة العسكريين البارزين في سوريا، وباعتبار أنه يوازي بقوته العميد سهيل الحسن قائد "الفرقة 25" التابعة لـ"الفيلق الخامس" المدعوم روسيا.

وإلى جانبها، تشارك في الحملة العسكرية على أحياء درعا البلد تشكيلات محلية كانت محسوبة قبل اتفاق عام 2018 على فصائل "الجيش السوري الحر"، من بينها "مجموعات مصطفى المسالمة" الملقب بـ"الكسم".

لماذا انهارت المفاوضات؟

خلال الشهرين الماضيين شهدت درعا البلد عدة جلسات تفاوض، شاركت فيها اللجان المركزية الممثلة مع الأهالي وممثلون عن النظام السوري، بالإضافة إلى ضباط روس، ومؤخرا قادة من تشكيل "اللواء الثامن" التابع لـ"الفيلق الخامس" المدعوم من موسكو.

ولم تفض تلك الجلسات إلى أي اتفاق، بسبب تمسك كل طرف بشروطه، إذ يريد النظام السيطرة على الأحياء بالكامل وفرض "تسوية جديدة" بينما تطالب اللجان المركزية الممثلة عن الأهالي بانسحاب "الفرقة الرابعة" من المنطقة، وإجراء تسوية تتضمن تسليم السلاح وتعديل الوضع الأمني للمطلوبين.

وقبل 4 أيام، حدث تطور لافت بخصوص ملف "درعا البلد"، إذ تم تهجير عشرات الشبان مع عائلاتهم إلى الشمال السوري، بعد "اتفاق غير مكتمل" أعلن عنه كل من النظام السوري واللجان المركزية.

ويوضح أبو علي المحاميد أن النظام السوري فرض "شروطا تعجيزية" على وفد اللجان في اليومين الماضيين، من بينها "الاعتراف بعلم النظام كراية معترف بها لسوريا، والاعتراف بالجيش السوري باعتباره المسؤول عن أمن سورية، إضافة إلى الاعتراف ببشار الأسد رئيسا شرعيا منتخبا للبلاد".

ويقول المحاميد: "طُلب منا في الجولة الأخيرة من المفاوضات إصدار بيان بذلك، لكننا رفضنا هذا الطلب، ومن ثم تم الإعلان عن انهيار التفاوض".

وبحسب "الحرة"، لا توجد أي ملامح لعقد جلسة تفاوض على المدى القريب، بحسب المحاميد الذي يضيف: "النظام يفاوض بالنار الآن، والقصف المستمر على درعا البلد بكل أنواع السلاح المتوفر لديه".

في المقابل، وفقا لمصادر "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، المفاوضات بين ممثلي النظام ووجهاء أحياء درعا البلد كانت قد انهارت بسبب تمسك "الجناح الإيراني" ضمن النظام بالحل العسكري. ويضم "الجناح" المذكور، وفق المرصد، "الفرقة الرابعة" والميليشيات الإيرانية، بينما يحاول الروس والمخابرات العسكرية التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وفك الحصار عن أحياء درعا البلد المحاصرة.

جدل حول الموقف الروسي

تعتبر محافظة درعا في الجنوب السوري إحدى مناطق "خفض التصعيد"، ويحكمها اتفاق دولي منذ عام 2018، قضى حينها بإبعاد المقاتلين المعارضين إلى الشمال السوري، مع إعادة بسط نفوذ قوات الأسد وروسيا من جديد.

ومنذ أسابيع يدور جدل بشأن الموقف الفعلي لروسيا مما يحصل في المنطقة، والأهداف التي تريدها، وعما إذا كانت تؤيد أي اجتياح بري على الأرض.

المحلل العسكري، العميد إبراهيم جباوي، لا يعتقد أن روسيا "ستسمح بالعملية العسكرية البرية" على أحياء درعا البلد، ويقول إن عدم مشاركة طيرانها في حملات القصف يشير إلى ذلك.

ويضيف جباوي في حديث لموقع "الحرة": "روسيا تحاول الآن حفظ مكانتها في اتفاق عام 2018، لكن المشكلة بوجود الفرقة الرابعة التي تدعمها إيران، وتحاول عدم القبول بأي تسوية، سواء من قبل موسكو أو من جانب اللجان المركزية الممثلة عن الأهالي".

ويرى جباوي أن "إيران تحاول العبث بخلط الأوراق اليوم، وتسعى جاهدة إلى إبرام اتفاق إذعان من خلال الشروط التي تمليها على لجان التفاوض المركزية"، مستبعدا أن تحرز قوات "الفرقة الرابعة" أي تقدم في الأيام المقبلة، بسبب "عدم وجود الطيران الروسي".

خياران متوقعان

في سياق متصل اعتبر الكاتب والصحفي، محمد العويد أن موقف اللجان المركزية بإعلان انهيار المفاوضات "رسالة واضحة وبالغة للجانب الروسي، وليست لجانب النظام السوري".

ويقول العويد في حديث لموقع "الحرة": "الرسالة تعني أنه يفترض أن يتحرك الروس من أجل إعادة الأطراف إلى التفاوض الجدّي"، مشيرا: "ترك موسكو للحالة كما هي الآن في درعا قد ينذر بانفجار جديد شرقا وغربا، أي في الريفين".

وكانت منظمة العفو الدولية طالبت النظام السوري قبل يومين برفع الحصار عن مدينة درعا البلد، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون قيود إلى المنطقة التي يعيش فيها حوالي 20 ألف شخص في ظروف وصفتها بـ"المزرية".

وأخبر سكان من المنطقة "العفو الدولية" أنه لم يُسمح إلا للنساء والأطفال دون سن 15 عاما بالخروج من المنطقة المحاصرة سيرا على الأقدام بعد خضوعهم لفحوص أمنية، وطُلب منهم ترك بطاقات هويتهم.

ويتوقع الصحفي، محمد العويد، أن الجنوب السوري يتجه "إما لإطالة التصعيد حتى تصل الأطراف، بقناعة الجانب الروسي إلى مرحلة الاستنزاف، سواء جانب النظام أو جانب الأهالي في المنطقة. بعد ذلك سيتم إجبارهم على طاولة المفاوضات لتقديم تنازلات".

وهناك خيار آخر هو "الانتقال إلى تدويل المنطقة بتدخل غربي"، وبحسب الصحفي السوري فإن درعا دخلت "في المرحلة الأكثر حرجا في تداعيات الحالة المفروضة".