إيلاف من بيروت: تلك الكلمات المسموعة لدى الوصول إلى مدينة درعا البلد للاطلاع على واقع المدينة ولقاء المعنيين بها، تستحق وقفة. كان أبو غسان ينادي على ولديه وهما ذاهبان للعب مع أصدقائهما في يوم عيد الأضحى بمدينة درعا البلد، ويطالبهما بالذهاب نصف ساعة وعدم التأخر، واللعب بجانب الجدران، والعودة بسرعة إلى البيت.
بحسب تقرير نشرته "الشرق الأوسط"، من المعروف أن العيد فرحة للأطفال، لكنّ جولة في درعا وأحيائها المحاصرة، تكشف كماً هائلاً من الخوف والتوتر في كلمات عبر عنها «أبو غسان» لولديه الاثنين. أبو غسان وغيره من سكان المدينة يرون أن الأوضاع الأمنية غير مطمئنة في مدينة درعا البلد، والخوف من اندلاع اشتباكات أو بداية التصعيد العسكري على المدينة هاجس يرافقهم في كل لحظة، خاصة بعد التهديدات التي وصلت مؤخراً للمدينة باقتحامها وقصفها.
مفاوضات وتهديدات
وكانت سرت معلومات عن اتفاق، إذ قال قائد شرطة محافظة درعا ضرار دندل: «لا يزال طريق درعا البلد مفتوحاً، ولا معلومات رسمية إلى الآن حول التوصل لاتفاق كامل بخصوص ملف درعا البلد، وما زالت القوات العسكرية تصل تباعاً إلى محافظة درعا، لتكون رهن إشارة القيادة الأمنية والعسكرية»، فيما أفاد محافظ درعا مروان شربك بأنه «يتم تحقيق تقدم في المباحثات الجارية حالياً حول تسوية جديدة في درعا البلد، ولا اتفاق نهائياً حتى اللحظة. وأفاد مصدر خاص من اللجنة المركزية في درعا البلد لـ«الشرق الأوسط» بأنه حتى مساء الجمعة «لم نتوصل إلى اتفاق نهائي مع النظام السوري فيما يخص قضية درعا البلد، النظام السوري أرسل للجنة عدة بنود، منها إجراء تسوية شاملة في المدينة، وتسليم عدد من السلاح الخفيف، وإنشاء ثلاث نقاط عسكرية للنظام السوري من القوات المحلية داخل المدينة يتم الاتفاق عليها لاحقاً»، مضيفاً: «نقلت اللجنة مطالب النظام الأخيرة إلى مجلس عشائر مدينة درعا البلد، ولا تزال المشاورات جارية، وسط استقدام قوات النظام السوري لتعزيزات عسكرية إلى حي سجنة في مدينة درعا البلد وإلى محيط الأحياء المحاصرة في المدينة، بنية اقتحام المدينة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي في المدينة خلال الأيام القليلة المقبلة».
عثمان المسالمة، وهو ناشط معروف في المدينة، تحدث لـ«الشرق الأوسط» خلال الذهاب للقاء أحد أعضاء اللجنة المركزية للتفاوض بشأن استقدام قوات النظام السوري تعزيزات عسكرية إلى محافظة درعا جنوب سوريا. وخلال الحديث مع عثمان، كانت تسمع صرخات وتهديدات بين مجموعتين من جهة حي سجنة الذي تسيطر عليه مجموعات محلية تابعة للأجهزة الأمنية للنظام، تبين أن عناصر محلية تابعة لـ«الفرقة الرابعة» التي يقودها ماهر شقيق الرئيس بشار الأسد، حاولت إنشاء نقطة متقدمة في مدينة درعا البلد قريبة من الأحياء المحاصرة، أرغموا على الانسحاب من النقطة التي حاولوا إنشاءها بعد تدخل شبان وأهالي الأحياء المحاصرة ومنعهم من ذلك، وفقًا لـ "الشرق الأوسط".
ومع الأنباء المتضاربة عن حقيقة حجم التعزيزات الأخيرة، تزامنت مع التهديدات التي نسبت مؤخراً لأحد ضباط النظام السوري في درعا باقتحام مدينة درعا البلد، وقصف المسجد العمري أحد رموز المدينة. ويقول عضو من اللجنة المركزية للتفاوض في مدينة درعا البلد، لـ«الشرق الأوسط»، إنه سبق استقدام النظام السوري للتعزيزات الأخيرة بلاغ وصل للجان المركزية من أحد أعضاء لجنة المصالحة التابعة للنظام السوري في مدينة درعا المحطة، بأن العميد لؤي العلي، الضابط المسؤول عن جهاز الأمن العسكري في درعا هدّد باقتحام مدينة درعا البلد وقصف المسجد العمري، أحد أهم رموز المدينة، إذا استمر رفض تسليم السلاح الخفيف الفردي الموجود في درعا البلد مع تسليم عدد من المطلوبين، مبيناً أن اللجنة المركزية أصدرت بياناً للرد على التهديدات التي وصلت على لسان العميد لؤي العلي، برفض سياسة الترهيب والتهديد.
صرح أحد أعضاء مجلس عشائر مدينة درعا، رفض الكشف عن اسمه الصريح، بأنهم قدموا للجهات المسؤولة والمعنيين لدى النظام السوري من خلال اللجنة المركزية للتفاوض «الحلول المثلى التي تحافظ على أمن وكرامة الوطن والمُواطن، وتثبت الاستقرار الذي يسعى إليه الجميع»، مضيفاً: «تجريد أبناء المدينة من سلاحهم الخاص الذي حصّنه اتفاق التسوية واستلزمته الضرورة القصوى للدفاع عن النفس، نحن قادرون على ضبْطه ليكون عامل أمان واستقرار، والهدف من طلب تسليمه ما هو إلا إثارة الشر والفتنة في المدينة». وتابع: «طالبنا في مجلس عشائر مدينة درعا البلد بتحمل الضامن الروسي مسؤوليته تجاه المنطقة واتفاق التسوية الذي حدث بعام 2018 بضماناته».
حصار ودمار
من جهته، قال الناشط أبو محمود الحوراني، أحد الموقعين على «بيان ناشطي جنوب سوريا بالداخل والخارج»: «نندد بالحصار الذي يمارسه النظام السوري على أحياء مدينة درعا البلد منذ 24 يونيو (حزيران) الماضي».
في مدينة درعا البلد، حيث ركام الحرب القديم لا يزال يذكّر أهلها بمعاناة كبيرة عاشوها لمدة 8 سنوات، اختفت أجواء عيد الأضحى، وكان الخوف سيد الموقف من التصعيد العسكري على المدينة التي تحوي 30 ألف نسمة، والخوف على الصعيدين الصحي والغذائي الذي فرضه الحصار الذي تعيشه المدينة منذ قرابة الشهر، ولا يُسمح لهم بالدخول والخروج إلى مدينة درعا المحطة وغيرها من المناطق، فقد أغلقت قوات النظام السوري جميع الطرق المؤدية للمدينة، وفقًا لـ "الشرق الأوسط".
وفي مناطق سيطرة «الفيلق الخامس» المدعوم من روسيا والمشكل من فصائل التسويات عام 2018، قال مصدر إن جنرالاً روسياً رفيع المستوى برفقة عدد من السيارات والعناصر الروسية حضروا إلى مدينة بصرى الشام، المعقل الرئيسي لقوات «الفيلق الخامس»، خلال الأيام الماضية، واجتمع مع قادته في بصرى الشام وعلى رأسهم قائد «اللواء الثامن» أحمد العودة.
وتابع المصدر أن الاجتماع كان وفق ترتيبات أمنية مشددة في مدينة بصرى الشام وانتشار لقوات الفيلق في معظم مناطق الريف الشرقي، وأن الجنرال الروسي سمح بزيادة قوات «الفيلق الخامس» جنوب سوريا بـ2000 عنصر، وتسليم عناصر الفيلق في درعا لأجورهم الشهرية التي انقطعت منذ 3 أشهر والمقدرة بـ200 دولار أميركي للعنصر الواحد عن كل شهر، إضافة إلى بحث وضع المنطقة أمنياً، ومواجهة خلايا «داعش»، والميليشيات الإيرانية جنوب سوريا.
وقالت مصادر محلية من مدينة درعا المحطة إن «خلافاً حصل بين عناصر محلية من الفرقة الرابعة وعناصر تابعين لجهاز أمن الدولة، مساء الخميس، في مدينة درعا المحطة عند كازية الشعب، ما أدى إلى مقتل كل من خالد ناصر المصري وعمران أدهم قراطي، وإصابة اثنين آخرين من عناصر الفرقة الرابعة».
التعليقات