الخرطوم: تؤكّد التظاهرات الحاشدة في السودان الدعم القوي لحكم مدني، لكن محلّلين يحذّرون من أنّ تأثيرها قد يكون ضئيلاً على أطراف قوية تسعى لعودة العسكر إلى الحكم.

في 2019، وبعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير، وقّع العسكريون والمدنيون الذين كانوا يقودون الحركة الإحتجاجية، اتفاقًا لتقاسم السلطة نصّ على فترة انتقالية من ثلاث سنوات تم تمديدها لاحقاً.

وبموجب الإتفاق، تم تشكيل سلطة تنفيذية من الطرفين، على أن يتم تسليم الحكم لسلطة مدنية إثر انتخابات حرة في نهاية المرحلة الإنتقالية.

لكن شروخاً في القيادة بدأت تتّسع.

مؤيِّدة ومعارِضة

الخميس نزل عشرات آلاف السودانيين إلى شوارع العديد من المدن، دعماً لانتقال كامل للحكم إلى المدنيين، فيما كان أنصار العسكر يواصلون اعتصاماً أمام القصر الجمهوري في وسط العاصمة منذ السبت الماضي.

ويقف الجانبان على طرفي نقيض في "قوى الحرية والتغيير"، المظلّة المدنية التي قادت التظاهرات وصولاً إلى إطاحة الجيش بالبشير وسجنه.

وقال المحلّل السوداني عثمان ميرغني لوكالة فرانس برس إنّ "التظاهرات كانت للتعبير عن رفض واضح لاحتمال عودة حكم العسكر، والتأكيد على أنّ الهدف لا يزال الإنتقال إلى حكم مدني".

لكن "رغم حجمها (التظاهرات)، فإنّ تأثيرها ضئيل على الواقع السياسي القائم".

يقول منتقدون إنّ الاعتصام المؤيّد للعسكر أمام القصر الرئاسي، خطّطت له شخصيّات بارزة في قوات الأمن وأنصار للبشير وغيرهم من "المناهضين للثورة".

لكنّها حصلت على دعم من بعض الذين تلقّوا ضربة قوية من جرّاء تدابير تقشّفية وضعتها حكومة عبد الله حمدوك بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

انقسامات سياسية

وتشهد الفترة الإنتقالية في السودان انقسامات سياسية وصراعاً على النفوذ بين مكوّنات القيادة للمرحلة.

وقال يوناس هورنر من المجموعة الدولية للأزمات إنّ "الإنقسامات داخل قوى الحرية والتغيير نفسها، تضعف قدرتها على الحكم، وتجعل من السهل للجيش وأنصاره من قوى الحرية والتغيير الحديث عن سوء أداء، سبباً لحل الحكومة".

وعبّر وزراء من حكومة حمدوك عن دعمهم للجانبين المنقسمين.

وانضم وزير الصناعة إبراهيم الشيخ الخميس إلى التظاهرات الحاشدة الداعمة لحكم مدني.

وشارك وزير المال جبريل إبراهيم وهو قيادي سابق في حركة التمرّد من دارفور والذي انضم للحكومة عقب اتفاق سلام تاريخي عام 2020، في صلاة الجمعة التي أقامها أنصار العسكر في موقع الإعتصام.

الشراكة الدستورية

وشدّد ممثل الأمم المتحدة الخاص إلى السودان فولكر بيرثس على "الحاجة للحفاظ على الشراكة الدستورية بين المكوّنين العسكري والمدني"، وذلك عقب إجتماع الخميس مع رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

وحضّ بيرثس على "العودة إلى حوار والبناء على إنجازات الفترة الإنتقالية".

التوتّرات بين الطرفين قائمة منذ مدة طويلة، لكن الإنقسامات تصاعدت في أعقاب انقلاب فاشل في 21 أيلول/سبتمبر.

والدعم الشعبي لحكومة حمدوك، الذي اختارته قوى الحرية والتغيّر في 2019 عندما كانت لا تزال موحّدة، تلاشى على خلفية تدابير إقتصادية أنهكت بالمواطن العادي.

والتأخّر في إحقاق العدالة لعائلات الذين قُتلوا في عهد البشير، وحتى خلال تظاهرات 2019 في أعقاب إطاحته، تركت حمدوك عرضة للإنتقاد.

انتقادات للحكومة

ومنذ منتصف أيلول/سبتمبر، تواجه الحكومة انتقادات على خلفية تعاطيها مع التظاهرات المناهضة للحكومة في شرق البلاد، ما تسبّب في وقف حركة التجارة في مرفأ بورتسودان ونقص في السلع على مستوى البلاد.

وقال ميرغني إنّ "حمدوك وقوى الحرية والتغيير فشلا في تحقيق توقّعات الشعب".

أضاف "تظاهرات الخميس لم تكن داعمة لهم بشكل خاص، بمقدار ما هي ببساطة تأكيد على أهداف الثورة".

وقوات الأمن ومن بينها القوات المسلّحة النظامية، وقوات التدخّل السريع التي يخشى جانبها، تواصل إحكام قبضتها ومنخرطة بشكل كبير في كل شي من رسم السياسات الخارجية إلى إدارة شركات مربحة.

وقال هورنر إنّ "الجيش، بما في ذلك القوات المسلّحة السودانية وقوات التدخّل السريع، تعتزم مؤخّراً عدم التخلّي عن نفوذها السياسي والإقتصادي" مضيفاً بأنّ التظاهرات الكبيرة يمكن أن تظل ثقلاً موازناً لقوّتهم.

وأكّد بأنّ "على المعارضة الشعبية، أن تبقي العسكر بعيدين، ويمكنها مواصلة ذلك".