القاهرة: رغم تصاعد العنف في الخرطوم حيث سقط ثمانية قتلى و170 جريحًا، يتمسّك عدد كبير من السودانيين برفض إنقلاب العسكر بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ويواصلون احتجاجاتهم في الشوارع عشية تظاهرة "مليونية" دعا إليها أنصار الحكم المدني.

وقال هيثم محمد الجمعة لوكالة فرانس برس "حصد أرواح المتظاهرين بالرصاص غير مقبول ولن يجعلنا نتراجع".

وانهمر أثناء اللّيل وابل من الرصاص والرصاص المطاطي والغازات المسيلة للدموع على المتظاهرين في إثنين على الأقل من أحياء الخرطوم، هما حي بري بشرق الخرطوم وبحري في شمالها.

لكن محمد قال "إنّ هذا لن يزيدنا إلّا تصميمًا".

تغيّر المشهد

ومنذ الإثنين، تغيّر المشهد تمامًا في السودان بعد سنتين من حكم انتقالي هش. ففي العام 2019، اتفق العسكريون الذين تولّوا السلطة بعد الإطاحة بالبشير إثر حركة احتجاجات شعبية عارمة غير مسبوقة، والمدينون الذين قادوا تلك الإحتجاجات، على تقاسم السلطة لمرحلة انتقالية يتم في نهايتها تسليم الحكم إلى حكومة مدنية منتخبة ديموقراطيًّا. لكن البرهان أعلن الإثنين حلّ مؤسّسات الحكم الإنتقالي، مطيحًا بشركائه المدنيين من السلطة، وأيضًا بآمال التحوّل الديموقراطي.

فجر الإثنين، اعتقل جنود رئيس الوزراء عبد الله حمدوك والعديد من أعضاء حكومته والأعضاء المدنيين في مجلس السيادة المسؤول عن قيادة المرحلة الإنتقالية.

وأُعيد حمدوك بعد أيام إلى منزله، ولكنّه "لا يتمتّع بحرية الحركة"، بحسب مسؤولين دوليين تمكّنوا من الحديث معه عبر الهاتف، لكن لم يتمكّن أحد من مقابلته.

وأصبح وزراء حكومة حمدوك الذين لم يعتقلوا، الناطقين باسم المطالبين بعودة "السلطات الشرعية"، ووضع حد لحكم العسكر الذي تواصل بشكل شبه مستمر في السودان منذ استقلاله قبل 65 عامًا.

وقال هيثم محمد "الجيش مثل النظام السابق تمامًا"، في إشارة إلى عمر البشير الذي وصل إلى السلطة عام 1989 بانقلاب أطاح آنذاك حكومة الصادق المهدي المنتخبة ديموقراطيًّا، واستمر ثلاثين عامًا.

مقاومة على الأرض

ويواجه الفريق أول البرهان مقاومة على الأرض. فرغم قطع الإنترنت في البلاد، ينظّم المتظاهرون أنفسهم للنزول إلى الشوارع في الخرطوم ومدن أخرى. ورغم إعلانه حل النقابات المهنية، إلّا أنّ هذه المؤسّسات التي دعت إلى "عصيان مدني"، ما زالت تحشد أعضاءها وقادرة على تنظيم "إضراب عام" حول العاصمة السودانية إلى مدينة أشباح منذ الإثنين.

ويحاول العسكريون إسكات المعارضة عبر اعتقال شخصيات سياسيّة وناشطين ومارّة بشكل عشوائي وكذلك بالسيطرة على وسائل الإعلام.

واقتحم جنود مقرّ التلفزيون الرسمي الذي أُقيل رئيسه الخميس، وقد كان مدافعًا شرسًا عن الحكم المدني. كما اقتحموا مقرّ وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا). وتتعرّض وسائل الإعلام الخاصة كذلك إلى الترهيب.

فقد استهدفت الجمعة صحيفة "الديموقراطي"، عندما جاء جنود وأرغموا حارس المبنى على الرحيل، وقالوا له "لا تعد"، وفق ما روى أحد الصحافيين في الوسيلة الإعلامية.

والخميس، تمّ وقف جميع المحطّات الإذاعية التي تبث على موجة "أف أم" ومن بينها راديو "هلا".

ليست انقلابًا

ويؤكّد البرهان أنّ قراراته "ليست انقلابًا"، إنما هي إجراءات "لتصحيح مسار الثورة".

في هذا الوقت، يصعّد المجتمع الدولي الضغوط على العسكريين.

وطالب مجلس الأمن الدولي في بيان صدر بإجماع أعضائه الخميس العسكريين في السودان "بعودة حكومة انتقالية يديرها مدنيّون"، مبديًا "قلقه البالغ حيال الإستيلاء العسكري على السلطة".

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن "رسالتنا معًا إلى السلطات العسكرية في السودان واضحة، ينبغي السماح للشعب السوداني بالتظاهر سلميًّا، وإعادة السلطة إلى الحكومة الإنتقالية التي يقودها مدنيّون"، مؤكّدًا أنّ "الولايات المتحدة ستواصل الوقوف إلى جانب الشعب السوداني ونضاله اللّاعنفي للمضي قدمًا نحو أهداف الثورة السودانية".