الخرطوم: أُعيد رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك إلى منصبه الأحد، وأُلغي قرار إعفائه بموجب "اتفاق سياسي" وقّعه مع قائد الجيش السوداني الفريق أوّل عبد الفتاح البرهان في القصر الجمهوري بالخرطوم، لكنّ فتى قتل بالرصاص في التظاهرات المعارضة للانقلاب التي هتف خلالها المحتجّون ضدّ حمدوك.

وقالت لجنة الأطبّاء المركزية المعارضة للانقلاب وللاتّفاق بين البرهان وحمدوك، إنّ يوسف عبد الحميد (16 سنة) فارق الحياة "بعد إصابته برصاص حيّ في الرأس" من قبل "ميليشيات الانقلابيّين المتعدّدة الأسماء والمهام والأشكال".

وأضافت أنّه بذلك، يرتفع عدد القتلى منذ انقلاب الخامس والعشرين من تشرين الأوّل/أكتوبر إلى 41 شخصا، ويكون عبد الحميد "الشهيد الأوّل في مقاومة الاتّفاق الانقلابي المُداهِن المعلن اليوم".

وفي بيان شديد اللهجة، أعلن تجمّع المهنيّين السودانيّين الذي يؤدّي دورا محوريا في الانتفاضة التي أسقطت عمر البشير عام 2019، رفضه الاتّفاق.

وقال البيان إنّ "اتّفاق الخيانة الموقّع اليوم بين حمدوك والبرهان مرفوض جملة وتفصيلًا، ولا يخصّ سوى أطرافه، فهو مجرّد محاولة باطلة لشرعنة الانقلاب الأخير وسلطة المجلس العسكري".

واعتبر التجمّع أنّ الاتّفاق يُعدّ "انتحارا سياسيا" لحمدوك.

أشاد وزير الخارجيّة الأميركي أنتوني بلينكن الأحد بالاتّفاق الذي تمّ التوصّل إليه في السودان لإعادة المسار نحو الديموقراطيّة، محذّرًا في المقابل السلطات من الاستخدام المفرط للعنف ضدّ المتظاهرين.

وكتب بلينكن على تويتر "أنا متشجّع بالتقارير التي تُفيد بأنّ المحادثات في الخرطوم سوف تؤدّي إلى إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين وإعادة رئيس الوزراء حمدوك إلى منصبه ورفع حال الطوارئ واستئناف التنسيق".

وأضاف "أكرّر دعوتنا إلى القوّات الأمنيّة بالامتناع عن استخدام القوّة المفرطة ضدّ المتظاهرين السلميّين".

من جهتها، رحّبت الأمم المتحدة بالاتّفاق، لكنّها شدّدت على "الحاجة إلى حماية النظام الدستوري للمحافظة على الحرّيات الأساسيّة المتمثلة بالتحرّك السياسي وحرّية التعبير والتجمّع السلمي".

كما رحّبت به القاهرة و"أشادت بالحكمة والمسؤوليّة التي تحلّت بها الأطراف السودانيّة في التوصّل إلى توافق حول إنجاح الفترة الانتقاليّة، بما يخدم مصالح السودان العليا"، وفق بيان للخارجيّة المصريّة.

ورحّبت الرياض كذلك بالاتّفاق "لدفع العمليّة الانتقاليّة إلى الأمام وتحقيق تطلّعات الشعب السوداني"، وفق بيان للخارجيّة السعوديّة.

بدوره، رحّب الاتّحاد الإفريقي الذي علّق عضويّة السودان بعد الانقلاب، بما اعتبره "خطوة هامّة نحو العودة إلى النظام الدستوري".

و"أشادت" النروج، عضو الترويكا الدوليّة التي تساعد السودان على إنهاء نزاعاته الداخليّة، بـ "عودة حمدوك"، داعية إلى "إجراءات ملموسة لبناء الثقة".

وقبل مراسم التوقيع التي نقلها تلفزيون السودان، وصل حمدوك إلى القصر الجمهوري، في أوّل ظهور بعد ساعات على رفع الإقامة الجبريّة عنه منذ قرارات البرهان بحَلّ مؤسّسات الحكم الانتقالي الشهر الماضي.

وقاد البرهان انقلابًا في 25 تشرين الأوّل/أكتوبر خلال مرحلة انتقال هشّة في السودان. واعتقل معظم المدنيّين في السلطة وأنهى الاتّحاد الذي شكّله المدنيّون والعسكريّون وأعلن حال الطوارئ.

وبثّ التلفزيون تفاصيل الاتّفاق السياسي الذي شمل 14 نقطة في مقدّمها: تولّي حمدوك مجدّدًا رئاسة الحكومة و"إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيّين والعمل على بناء جيش قومي موحّد".

من جهته، جدّد البرهان "الثقة" بحمدوك، شاكرًا له "صبره وصموده" في الفترة الماضية.

أمّا حمدوك فقال إنّ من الأسباب الرئيسة التي احتكم إليها لتوقيع هذا الاتّفاق "حقن دماء السودانيّين"، مشيرا إلى أنّ هذا التوقيع "يفتح بابًا واسعًا لمعالجة كلّ قضايا الانتقال وتحدّياته"، حسب ما نقل عنه التلفزيون.

وأضاف "فلنترك خيار مَن يحكم السودان لهذا الشعب العظيم".

لكنّ قوى إعلان الحرّية والتغيير، الكتلة المدنيّة الرئيسة التي قادت الاحتجاجات المناهضة للبشير ووقّعت اتّفاق تقاسم السلطة عام 2019 مع الجيش، رفضت اتّفاق الأحد. وقالت في بيان "نؤكد موقفنا الواضح والمعلن سابقًا، أنّه لا مفاوضات ولا شراكة ولا شرعيّة للانقلاب".

كما طالبت المجموعة بمحاكمة قادة الانقلاب بتهمة تقويض شرعيّة العمليّة الانتقاليّة وقمع المتظاهرين وقتلهم.

في الخرطوم ومدينتَي كسلا وعطبرة في شرق البلاد وشمالها، واصل آلاف السودانيّين احتجاجاتهم ضدّ الانقلاب العسكري. وتحوّلت الاحتجاجات إلى تعبير عن رفض الاتّفاق السياسي الجديد، حسب ما أكّد شهود عيان لوكالة فرانس برس.

وقال مراسلو فرانس برس إنّ المتظاهرين في الخرطوم هتفوا "يا حمدوك يا نَيّ (نيء) الشارع حيّ".

في المقابل، أطلقت الشرطة السودانيّة الغاز المسيل للدموع ضدّ متظاهرين خرجوا مساندين للحكم المدني قرب القصر الجمهوري بوسط الخرطوم.

كانت عودة حمدوك، خبير الاقتصاد الذي تلقّى تعليمه في بريطانيا وعمل في الأمم المتحدة ومنظمات إفريقية، إلى رئاسة الحكومة مطلبًا رئيسًا للمجتمع الدولي.

وأورد بيان الوسطاء أنّ الاتّفاق تمّ التوصّل إليه بعد توافق بين فصائل سياسية وجماعات متمرّدة سابقة وشخصيّات عسكرية.

وأُعلن الاتّفاق قبل احتجاجات دعا إليها ناشطون مؤيّدون للديموقراطيّة ضد الانقلاب العسكري، هي الأحدث في سلسلة تظاهرات قُتل فيها 40 شخصا على الأقل، وفقا لمسعفين.

وشهد الأربعاء 17 تشرين الثاني/نوفمبر سقوط أكبر عدد من القتلى بلغ 16 شخصًا معظمهم في ضاحية شمال الخرطوم التي يربطها جسر بالعاصمة السودانية، حسب نقابة الأطباء المؤيدة للديموقراطية.

وتؤكّد الشرطة أنّها لا تفتح النار على المتظاهرين، وتَبلُغ حصيلتها وفاة واحدة فقط وثلاثين جريحا في صفوف المحتجّين بسبب الغاز المسيل للدموع، في مقابل إصابة 89 شرطيًا.

وتظاهر مئات في مدينة الخرطوم بحري، شمال شرق العاصمة السبت، ووضعوا حواجز على طرق وأضرموا النار في إطارات، وفق مراسل فرانس برس. كما هتفوا بشعارات ضد الحكم العسكري.

وخلال التظاهرات في شمال الخرطوم السبت، أحرق مركز للأمن في الخرطوم، ولم تتّضح على الفور هوية المسؤولين عن الواقعة، فيما تقاذفت الشرطة والمتظاهرون المسؤولية.

وأعلنت السلطات السبت أنّ تحقيقًا سيُفتح في حوادث القتل.

وللسودان تاريخ طويل من الانقلابات العسكريّة، وقد تمتع بفترات نادرة فقط من الحكم الديموقراطي منذ استقلاله عام 1956.

وأصبح البرهان الذي عمل في ظلّ البشير، حاكمًا للسودان بحكم الأمر الواقع بعدما أطاح الجيش الرئيس وسجنه عام 2019.

وترأس البرهان مجلس السيادة الذي ضمّ شخصيات عسكرية ومدنية، مع حمدوك.

لكنّ الانقسامات العميقة والتوترات المستمرة بين الجيش والمدنيين أثّرت سلبًا على المرحلة الانتقاليّة، وبلغت ذروتها بانقلاب البرهان الشهر الماضي.

ويؤكّد البرهان أنّه لم يقم إلا بـ"تصحيح مسار الثورة".

وشكّل البرهان مجلس سيادة انتقاليا جديدا استبعد منه أربعة ممثلين لقوى الحرية والتغيير (ائتلاف القوى المعارضة للعسكر)، واحتفظ بمنصبه رئيسا للمجلس.

كما احتفظ الفريق أوّل محمّد حمدان دقلو، قائد قوّات الدعم السريع المتّهمة بارتكاب تجاوزات إبّان الحرب في إقليم دارفور خلال عهد البشير وأثناء الانتفاضة ضدّ البشير، بموقعه نائبا لرئيس المجلس.