نيقوسيا: دعا البابا فرنسيس الجمعة في نيقوسيا العالم إلى عدم التغاضي عن ممارسات "العبودية" و"التعذيب" التي يتعرض لها المهاجرون في المخيمات، مقارنا بينها وبين ما حصل خلال الحرب العالمية الثانية.

وقال البابا في كلمة طويلة خلال صلاة بحضور المهاجرين في العاصمة القبرصية "هذا يذكرنا بتاريخ القرن الماضي وتاريخ النازيين وستالين، ونتساءل كيف أمكن لهذا أن يحدث. ولكن ما حدث ذات مرة يحدث اليوم على السواحل المجاورة... هناك أماكن للتعذيب، وأشخاص يباعون. أقول هذا لأن من مسؤوليتي أن أنشر الوعي".

وكان البابا فرنسيس يتحدث في كنيسة الصليب المقدس قرب المنطقة العازلة التي تخضع لإدارة الأمم المتحدة والتي تقسم الجزيرة المتوسطية.

وقال أمام تجمّع يضم قرابة 250 شخصا معظمهم مهاجرون "نشاهد ما يحدث، والأسوأ من ذلك أننا اعتدنا عليه. التعود عليه مرض خطير جدا".

ومن المتوقع أن يصطحب البابا الذي استمع إلى شهادات مهاجرين من دول بينها العراق وسريلانكا والكاميرون، 50 مهاجرا معه إلى الفاتيكان.

وكان البابا تحدث في وقت سابق عن "الحلم بأن تتحرر البشرية من جدران الانقسام، التحرر من العداء" مشيرا إلى أن التنوع والفردية هما من "عطايا الله".

وقالت وزارة الداخلية إن كاميرونيين اثنين "عالقين في المنطقة العازلة" التي تفصل شطري الجزيرة، من بين المهاجرين الذين سيغادرون مع البابا.

وفي الكنيسة، قالت مارينا نوو وهي كاميرونية تبلغ 33 عاما عن مقابلة البابا "إنها نعمة يمنحنا الله إياها".

وروى رجل من جنوب آسيا تحدث شرط عدم كشف هويته "هربت من العنف والقنابل والجوع والألم. اضطررت للاختباء في صناديق سيارات. وألقيت في زوارق كانت تغرق في المياه. خائب، مستغل، منسي، متجاهَل... أجبرت على الهجرة".

وفي وقت سابق الجمعة، جدّد البابا فرنسيس في قداس أحياه في الهواء الطلق في الملعب البلدي في نيقوسيا الدعوة الى "تجديد الأخوة" و"لحوار" لمواجهة التحديات وحلّ المشاكل، في اليوم الثاني من زيارته الى قبرص في حضور آلاف المؤمنين من جنسيات مختلفة.

وقال البابا في عظته "نحن مدعوّون، أمام كلّ ظلمة شخصةّ وأمام التحّدات التي نواجا في الكنسة والمجتمع، إلى تجدد الأخوّة. إن بقنا منقسمن في ما بننا، وإن فكّر كلّ واحدٍ في نفسه فقط أو في مجموعته، وإن لم نجتمع معاً، ولم نتحاور، ولم نسِرْ سويا، لا مكننا أن نتعافى تمامًا مِن كلّ ما و عَمّى فنا".

وتابع "أتي الشّفاء عندما نحمل جراحنا معاً، وعندما نواجه مشاكلنا معاً، وعندما نستمع ونتكلمّ بعضنا مع بعض".

وركّز البابا منذ وصوله الخميس الى قبرص على أهمية الحوار في جزيرة منقسمة منذ العام 1974 بسبب اجتياح تركي لثلثها، وعلى قبول الآخر والتنوع واستقبال المهاجرين، وسط أزمة مهاجرين تواجهها أوروبا، وبينها قبرص.

شارك في القداس الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس. وامتلأت المدرجات بأكثر من سبعة آلاف شخص، وفق المنظمين. واستُقبل البابا الأرجنتيني بالتصفيق لدى دخوله ولدى مغادرته أرض الملعب، بينما لوّح كثيرون بأعلام بلادهم، فكانت هناك أعلام قبرصية ولبنانية وفيليبينية وأرجنتينية. وكان بين الحضور فوج كبير من القوات الأرجنتينية العاملة ضمن القوات الدولية المنتشرة بين شطري قبرص.

وخدمت القداس جوقة مؤلفة من 130 شخصا، وفق المنظمين، من جنسيات ومذاهب كاثوليكية مختلفة، وأُديت تراتيل باللغات اليونانية والانكليزية والعربية. وكانت وقائع القداس تنقل في الوقت نفسه على شاشتين عملاقتين نصبتا الى جانبي المذبح.

يتجاوز عدد الكاثوليك في قبرص 25 ألفا، بينهم قرابة سبعة آلاف ماروني، بينما معظم الكاثوليك الآخرين من جنسيات آسيوية وإفريقية.

جرى القداس وسط تدابير أمنية مشددة، شاركت فيها طوافات. بينما تم التحقق من أن جميع الداخلين الى الملعب يحملون شهادة تلقيح ضد كوفيد-19، أو فحصا طبيا سلبيا.

على أرض الملعب، قالت جانين (39 عاما) القادمة من لبنان لوكالة فرانس برس "اشتريت بطاقة السفر رغم الصعوبات الاقتصادية، وجئت مع مجموعة من عشرين شخصا لأبلّغ البابا رسالة بضرورة مساعدة لبنان" الذي يعاني منذ أكثر من سنتين من أزمة سياسية واقتصادية حادة.

وارتدت الفيليبينية فو بولادو (31 عاما) قميصا عليه صورة البابا، وقالت لفرانس برس "نحن محظوظون. ننتظر رسالة حب وسلام بسيطة من البابا الذي بارك قبرص والعالم".

قبل القداس، زار البابا الكاتدرائية الأورثوذكسية في نيقوسيا القديمة حيث استقبله رئيس اساقفة قبرص خريسوستوموس الثاني، وأعضاء المجمع الأورثوذكسي.

وقال البابا خلال اللقاء "أتمنىّ من قلبي أن تزداد الفرص كي نلتقي، ونتعرّف بعضنا على بعض بشكل أفضل، فندم العدد من الأفكار المسبقة ونستمع إلى خبراتنا الإمانةّ. سكون ذلك إرشاداً مُحفِزًّا لكلّ واحدٍ مناّ، لكي نعمل بصورة أفضل، وسحمل إلى كِلَْناَ ثمرة تعزة روحةّ".

قرب الكاتدرائية، قالت إيلينا شينتوفا الأوكرانية الأورثوذكسية التي أفاقت باكرا لتأتي لمشاهدة البابا "إنه وجه تاريخي وستكون ربما هذه المرة الوحيدة في حياتي التي أراه" فيها. وعبرت عن أملها في أن يرسل رسالة حوار بين الأديان".

وقبرص ذات غالبية أرثوذكسية ومقسومة منذ 1974، تاريخ الغزو التركي لثلثها الشمالي الذي يقطنه قبارصة أتراك معظمهم مسلمون. والمفاوضات بين الجانبين حول إعادة توحيد الجزيرة متوقفة منذ عام 2014.

وكان البابا دعا الخميس الى "الحوار" لحل الأزمة القبرصية، قائلا في القصر الرئاسي "الجرح الذي تتألم منه هذه الأرض بصورة خاصة، ناتج عن التمزق الرهيب الذي عانت منه في العقود الأخيرة".

وأضاف "طريق السلام الذي يشفي النزاعات ويجدد جمال الأخوة، يتميز بكلمة واحدة هي الحوار".

في وقت لاحق بعد الظهر، يلتقي البابا مجموعة من المهاجرين وطالبي اللجوء في قبرص ليصلي معهم في كنيسة الصليب المقدس الكاثوليكية في نيقوسيا القديمة الواقعة قرب خط التماس مع الشطر الشمالي من الجزيرة.

ووصل الى الشواطئ القبرصية خلال السنوات الأخيرة عدد متزايد من المهاجرين.

وتقول السلطات إن قبرص التي تعدّ مليون نسمة، تضم اليوم العدد الأكبر من طلبات اللجوء التي يقدمها مهاجرون نسبة الى عدد سكانها، مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي الأخرى.

وفي مبادرة رمزية، سينقل البابا من قبرص خمسين مهاجرا، في إطار التشديد على أهمية هذه القضية، وتشجيع أوروبا على استقبال المهاجرين و"هدم الجدران".

وهو البابا الثاني الذي يزور قبرص بعد البابا بنديكتوس السادس عشر في 2010. وهذه الرحلة هي الـ35 للبابا الى الخارج منذ بدء حبريته عام 2013.

في نهاية القداس، قدمت هدايا تذكارية الى البابا فرنسيس الذي شكر "من كل قلبه" الجميع على "الاستقبال والمحبة".

وقال "يفرحني أن ألتقي مجموعات من المؤمنين يعيشون الحاضر برجاء، منفتحون على المستقبل، ويتقاسمون هذا الأفق مع الأكثر فقرا"، مضيفا أنه يعني "خصوصا المهاجرين الساعين الى حياة أفضل".