تونس: احتجّ آلاف التونسيين الأحد بعد ساعات على توقيع الرئيس التونسي قيس سعيّد مرسوما لاستبدال المجلس الأعلى للقضاء الذي حلّه الأسبوع الماضي وأعطى فيه لنفسه صلاحيات إقالة القضاة فضلًا عن منعهم من الإضراب.

وبعد ساعات على نشر المرسوم صباح الأحد، تجمّع أكثر من ألفي متظاهر في وسط العاصمة التونسية، حاملين أعلاما تونسية ورددوا هتافات مناهضة للرئيس.

وردد متظاهرون شعار "الشعب يريد ما لا تريد" في استعادة لهتافات أطلقت قبل أكثر من عقد إبان الثورة ضد نظام الرئيس زين العابدين بن علي، كما هتف البعض "الشعب يريد إسقاط النظام".

ورفع متظاهرون لافتات كُتب عليها "أنقذوا ديموقراطيتنا" وأخرى تطالب بعدم المس بالقضاء.

وجاء توقيع قيس سعيّد المرسوم بعد أسبوع على إعلانه حلّ المجلس الأعلى للقضاء بعد أشهر على إقالته الحكومة في البلد الذي ينظر إليه على أّنه الوحيد الناجي من تداعيات ما سمّي "الربيع العربي" في دول شهدت انتفاضات منذ عام 2011.

غير أنّ قراره حل المجلس الأعلى للقضاء، الذي أنشئ في 2016 لحماية القضاة من نفوذ الحكومة، أثار مجددا غضب منتقدين قالوا إنه يؤسس لعودة الدكتاتورية بعد 11 عاما على سقوط نظام بن علي.

وما أجّج تلك المخاوف هو الاستخدام المتزايد لمحاكم عسكرية لمحاكمة مدنيين.

ويمنح مرسوم إنشاء "المجلس الأعلى المؤقت للقضاء" - الذي يُسمّي الرئيس قسمًا من أعضائه - صلاحية لسعيّد بـ"طلب إعفاء كل قاض يخلّ بواجباته المهنية".

وورد في المرسوم أيضًا أنه يمنع "على القضاة من مختلف الأصناف الإضراب وكلّ عمل جماعي منظم من شأنه إدخال اضطراب أو تعطيل في سير العمل العادي بالمحاكم".

وكان سعيّد أصدر في 25 تموز/يوليو 2021 قرارات احتكر بموجبها السلطات إذ علّق عمل البرلمان وأقال الحكومة، وهو مذاك يمارس الحكم عبر إصدار مراسيم وتعليق أجزاء من دستور 2014، الذي كان قد وعد بتعديله.

وكان تونسيون كثر قد رحّبوا بالخطوات التي اتّخذها بعدما ضاقوا ذرعا بأحزاب سياسية يعتبرونها فاسدة وتسعى لتحقيق مصالحها الخاصة، لكن معارضين له يتّهمونه بإعادة البلاد إلى زمن النظام المتسلّط.

وأشار عز الدين الحزقي الناشط في حركة "مواطنون ضد الانقلاب" إلى الحشد الكبير المشارك في التظاهرة، وتحدّث عن تزايد المعارضة في وجه الرئيس.

وقال الحزقي إن الشعب كان وراء سعيّد في 25 تموز/يوليو، لكنّه الآن "لوحده".

من جهته اعتبر مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اللجنة الدولية للحقوقيين سعيد بن عربية في تصريح لوكالة فرانس برس أن المرسوم "يكرّس خضوع القضاء للسلطة التنفيذية".

وتابع "بتنفيذ هذا المرسوم، تنتهي فعليا سيادة القانون وفصل السلطات واستقلالية القضاء في تونس".

وأضاف أن "هذا المرسوم يعطي سلطة مطلقة للرئيس للاعتراض على تعيين وترقية ونقل القضاة، وسلطات واسعة لايقاف وعزل القضاة، بما يتعارض مع مبادئ سيادة القانون وفصل السلطات واستقلال القضاء".

تأسس المجلس الأعلى للقضاء في تونس العام 2016 وكانت له الكلمة الفصل في التعيينات القضائية.

ورفض المجلس بشدة المراسيم التي اعتبر أنها تشكل تعديا على الهيكلية الدستورية للقضاء، معتبرا أن "لا أسس قانونية" لأي بديل له.

وشارك مناصرون لحركة النهضة في الاحتجاجات التي شهدتها تونس الأحد ورفع بعضهم لافتات تطالب بإطلاق سراح وزير العدل السابق نور الدين البحيري والمسؤول السابق في وزارة الداخلية فتحي البلدي.

وكان عناصر شرطة بلباس مدني قد أوقفوا الرجلين في 31 كانون الأول/ديسمبر وتم لاحقا اتّهامهما بارتكاب مخالفات "إرهابية".

ويعاني البحيري البالغ 63 عاما من أمراض مزمنة عدة بينها السكرّي وضغط الدم، وبدأ منذ توقيفه إضرابا عن الطعام ما اقتضى لاحقا نقله إلى المستشفى.