باريس: يجتمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الأربعاء في باريس مع عدد من المسؤولين الأفارقة والأوروبيين، قبل الإعلان المنتظر عن انسحاب فرنسي من مالي بعد تسع سنوات من تدخل عسكري ضد الجهاديين، في خطوة أملتها العلاقات المتدهورة بين باريس والمجلس العسكري الحاكم في باماكو.

وقرابة الساعة 19,20 بتوقيت غرينتش، بدأ المسؤولون في الوصول الواحد تلو الآخر إلى قصر الإليزيه حيث كان إيمانويل ماكرون ينتظرهم في أسفل الدرج.

وهذا الاجتماع الذي يعقد عشية قمة الاتحاد الأوروبي/الاتحاد الافريقي في بروكسل يفترض أن يصادق على انسحاب القوات الفرنسية والأوروبية من مالي وإعادة انتشار اقليمية لمواصلة حملة مكافحة الارهاب في منطقة الساحل، لكن الإعلان يمكن ألا يكون رسميا قبل قمة بروكسل الخميس.

المشاركون

ويشارك في الاجتماع قادة النيجر وتشاد وموريتانيا وكذلك من دول غرب افريقيا (ساحل العاج وغانا وتوغو وبنين)، وهي التي تواجه تهديدا ارهابيا متزايدا. الغائب الأكبر عن الاجتماع ستكون مالي التي علقت عضويتها في هيئات الاتحاد الافريقي وكذلك بوركينا فاسو بسبب انقلاب.

من الجانب الأوروبي، يشارك رؤساء المجلس الأوروبي شارل ميشال والمفوضية أورسولا فون دير لايين ووزير الخارجية جوزيب بوريل وكذلك قادة الدول المشاركة او التي تدعم مختلف العمليات على الارض مثل تاكوبا (القوات الخاصة) او التدريب العسكري الاوروبي او بعثة الامم المتحدة (مينوسما).

وأعلن الاليزيه ان ماكرون سيعقد صباح الخميس مؤتمرا صحافيا يحتمل ان يكون مع قادة آخرين لعرض نتيجة المحادثات خلال القمة.

أزمة

ويأتي قرار الانسحاب في إطار أزمة حادة مع باماكو. كما يأتي في فترة حساسة للرئيس الفرنسي الذي يتوقع ان يعلن في وقت قريب جدا ترشّحه لولاية ثانية.

لكنّ الوضع القائم لم يعد يُحتمل فيما يرفض المجلس العسكري الحاكم في باماكو إثر انقلابين منذ 2020 تنظيم انتخابات قبل عدة سنوات، ولا يريد الوجود العسكري الغربي على أراضيها وبدأ يستدعي، بحسب الأوروبيين، مرتزقة روسا من شركة فاغنر.

وقال وزير الدفاع الإستوني كالي لانيت السبت للصحافيين "من المستحيل الاستمرار في ظل هذه الظروف، جميع الحلفاء الآخرين يشاطروننا الرأي"، في إشارة إلى العراقيل المتكررة التي تضعها حكومة مالي لعمل الشركاء الأجانب.

ينتشر حوالى 25 ألف رجل حاليا في منطقة الساحل بينهم حوالى 4300 فرنسي (2400 في مالي في إطار عملية مكافحة الجهاديين برخان) بحسب قصر الاليزيه.

وأضاف الثلاثاء "نحن بحاجة لاعادة تشكيل شراكتنا العسكرية مع هذه الدول" موضحا ان "الامر لن يكون نقل ما يحصل في مالي الى مكان آخر انما تعزيز ما نقوم به في النيجر ودعم الضفة الجنوبية بشكل إضافي".

تنسيق الانسحاب

بحسب مصدر فرنسي قريب من الاليزيه، فان فرنسا وعدت بتنسيق انسحابها مع بعثة الأمم المتحدة في مالي وبعثة التدريب التابعة للاتحاد الاوروبي في مالي واللتين ستواصلان الاستفادة من دعم جوي وطبي فرنسي في المكان قبل نقل هذه الامكانات في وقت لاحق.

لكن هذا الانسحاب يطرح السؤال حول مستقبل بعثة الأمم المتحدة البالغ عديدها 15 ألف عنصر والتي انشئت في 2013 لدعم العملية السياسية في مالي. رحيل بعثتي "تاكوبا" و"برخان" يمكن ان يؤدي الى رحيل وحدات أوروبية على المدى المتوسط- انكلترا، ألمانيا...- والتي تساهم حتى الآن في قوة الامم المتحدة بحسب دبلوماسيين في الأمم المتحدة.

فراغ

كما سيكون لهذا الانسحاب تأثير على دول المنطقة التي تهددها الحركات الجهادية.

وقال رئيس ساحل العاج الحسن واتارا في مقابلة مع "إذاعة فرنسا الدولية (ار اف اي)" وتلفزيون "فرانس 24" مساء الأربعاء إنّ "انسحاب برخان وتاكوبا يخلق فراغاً. سنضطر إلى شراء أسلحة والتمتّع بقدر أكبر من المهنية ولكن هذا واجبنا أيضًا. يتعيّن على الجيوش الوطنية معالجة المشاكل على أراضينا وهذه هي نظريتنا".

انسحابٌ اضطراري

والانسحاب الاضطراري لفرنسا وشركائها الأوروبيين الذين لطالما كانوا مترددين قبل قبول المشاركة في التدخل الفرنسي الذي بدأ في 2013، يشكل أيضا نكسة كبرى لا سيما وأن مالي لا تزال غارقة في أزمة أمنية خطيرة امتدت الى دول مجاورة.

لكن باريس تعتزم مواصلة مكافحة الجهاديين في المنطقة حيث احتفظت الحركات التابعة للقاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية بقدرة قوية على الإساءة رغم تصفية العديد من القادة.

زارت وزيرة القوات المسلحة الفرنسية فلورنس بارلي نيامي في أوائل شباط/فبراير لاجراء محادثات مع رئيس النيجر محمد البازوم فيما تؤوي النيجر قاعدة جوية فرنسية.

من جانب آخر، تطمح باريس لعرض خدماتها على دول أخرى في غرب افريقيا (ساحل العاج والسنغال وبنين ...) لمساعدتها على التصدي لانتشار الحركة الجهادية في خليج غينيا.

منذ 2013 ، قتل 53 جنديا فرنسيا في منطقة الساحل بينهم 48 جنديا في مالي.