الجزائر: كانت المناضلة الجزائرية السابقة مريم مختاري معتقلة لدى الجيش الفرنسي في الجزائر، وأفرج عنها قبل أسبوعين من توقيع اتفاقات إيفيان التي أنهت الحرب. بعد ستين عاما، تتحدث عن رفاق لها قتلوا قبل دقائق من دخول وقف النار حيز التنفيذ.
انضمت مريم مختاري البالغة 84 سنة اليوم إلى النضال من أجل استقلال الجزائر في منطقتها تيارت في جنوب غرب الجزائر سنة 1956. وبعد أن تدربت على "السلاح و حرب العصابات"، تم توجيهها للعمل كممرضة للتكفل بجرحى المعارك بين الجزائريين الذين أعلنوا الحرب على قوات الاستعمار والفرنسيين في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 1954.
ناجية
ونجت آنذاك من الموت مرات عدة خلال المعارك، حتى ألقي عليها القبض بينما كانت مصابة بمرض السلّ في كانون الثاني/يناير 1961 في "خيمة" في قصر الشلالة حاليا، وهي منطقة صحراوية جنوب تيارت.
ونجت "ثورية"، وكان هذا اسمها الحربي، من الموت في آذار/مارس 1962 خلال تواجدها بعيادة تابعة للجيش الفرنسي في بوسماعيل في غرب العاصمة الجزائرية، بعدما حاول عناصر من منظمة الجيش السري (فرنسيون عارضوا استقلال الجزائر)، تفجير المبنى الذي كانت محتجزة فيه.
وتروي مختاري التي وضعت كتابا عن حياتها، لفرانس برس، "أطلقت السلطات الاستعمارية سراحي مع زميلتي فضيلة بن عمارة التي توفيت قبل بضع سنين، في الثالث من آذار/مارس 1962، وعدت الى منطقتي (...). هناك، سمعت إعلان وقف إطلاق النار من خلال مكبّرات الصوت في المدينة. في الجبال، كانت الطائرات تلقي المناشير لإعلام السكان".
وتضيف "رغم ذلك، لم يسمع بعض السكان في الجبال والصحارى خبر نهاية الحرب"، كما "لم يسمع بعض المجاهدين (مقاتلو جيش التحرير). لذلك كان هناك شهداء بعد وقف إطلاق النار"، وفق قولها.
في يوم 19 آذار/مارس 1962 عند الساعة 11,50 دقيقة، قتل مناد جلولي، المسؤول في جيش التحرير الجزائري، في قصف طائرة فرنسية... وتقول مختاري "كان ذلك قبل عشر دقائق من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ".
وتضيف أن جلولي كان "مسؤول قطاع (...)، أعرفه شخصيا"، مشيرة الى مقتل "جندي جزائري لا أتذكر اسمه كان فرّ من الجيش الفرنسي قبل 24 ساعة للالتحاق بالثورة"، معه.
قصف في الدقائق الأخيرة
وتتابع "كان يفترض أن يتوقف القتال في 19 آذار/مارس الساعة 12,00، فيبقى جيش التحرير في مواقعه والجيش الفرنسي أيضا لا يتقدّم الى الجبال حيث مخابئ الثوار. واعتقد جلولي أن الدقائق لن تشكل فارقا في التوقيت، فترك موقعا للثوار مع الجندي الهارب الذي كان يريد تسليمه مع أسلحته، فقصفتهم طائرة في جبل بوقدام (قرب تلمسان)، وكانت الساعة 11,50".
وكان محمد مقراني من جهته يتابع مفاوضات إيفيان لحظة بلحظة من موقعه في قيادة الأركان العامة بمنطقة غار الدماء في تونس. وكانت المعلومات تصله عن طريق الوفد المفاوض وكذلك من وسائل الإعلام، كما يروي لوكالة فرانس برس.
ويقول مقراني "لم أر أي فرحة في قيادة الأركان بعد توقيع اتفاقية ايفيان، لأن القلب لم يكن مطمئنا".
ويتابع الدبلوماسي السابق أنه بالنسبة لقيادة جيش التحرير الوطني "لم يغير قرار وقف إطلاق النار شيئا من تموقع قواتنا التي بقيت في حالة تأهب قصوى. لم نكن نثق في العدو واستمر هذا الوضع حتى إعلان الاستقلال".
رسالة إلى فرنسا
ويروي أنه في 20 آذار/مارس، أمر رئيس قيادة الأركان هواري بومدين (رئيس الجزائر من 1965 الى 1978) بإطلاق النار بشكل كثيف من كل المدافع من عيار 105 ملم على طول الحدود التونسية الجزائرية"، مضيفا "كانت رسالة إلى فرنسا للتحذير من الغدر والعودة عن قرار استفتاء تقرير المصير "الذي جرى فعلا في الأول من تموز/يوليو"، وكانت نتيجته تصويت الجزائريين بشكل ساحق على الاستقلال.
ويتحدث عن مخاوف آنذاك لدى "الحكومة المؤقتة" التي كانت أنشأتها جبهة التحرير الوطني في الخارج، "من العودة الى الجزائر لأن منظمة الجيش السري كانت تزرع الرعب وتهدد المناضلين".
وتلقّت قيادة الأركان معلومات عن "شخص قُتل بعد وقف إطلاق النار في العاصمة بسبب تشابه اسمه مع عيسى مسعودي"، المناضل والصحافي في الإذاعة السرية الذي توفي في 1994.
ضحايا مدنيين
وشهدت العاصمة الجزائرية التي كانت مقسمة بين الأحياء الأوروبية حيث يسكن الفرنسيون لكن أيضا إسبان ومالطيون وإيطاليون، وأحياء الجزائريين، اغتيالات استهدفت "المدنيين بصفة خاصة"، وفق ما يروي علي ضيف (82 سنة)، عضو جيش التحرير سابقا.
ويؤكد ضيف لوكالة فرانس برس أن "أغلب الذين قتلوا بعد وقف إطلاق النار كانوا من المدنيين، مثل العاملات في بيوت المُعمّرين" الأوروبيين.
ويضيف أنه تابع عبر التلفزيون إعلان الجنرال شارل ديغول حول وقف إطلاق النار مساء 18 آذار/مارس، ونجا بنفسه في اليوم التالي من اعتداء من منظمة الجيش السري، عندما كان "يتفقد الأوضاع في شوارع العاصمة".
ويقول "الخوف والحذر كانا باديين على الجزائريين، ولم يُظهروا أي فرحة، إذ كانوا يخشون اعتداءات من أنصار الجزائر الفرنسية".
التعليقات