كييف: أعلن الجيش الروسي وقف إطلاق نار جديداً بغرض إجلاء مدنيين في أوكرانيا الأربعاء بعد تفعيل ممرات إنسانية الثلاثاء في حين أعربت بولندا عن استعدادها لوضع مقاتلاتها من طراز ميغ-29 السوفياتية الصنع "في تصرّف" الولايات المتّحدة التي تسعى لتوفير طائرات حربية للأوكرانيين.

وقالت وزارة الخارجية البولندية في بيان إنّ "سلطات جمهورية بولندا وبعد مشاورات بين الرئيس والحكومة مستعدّة لنقل كلّ طائراتها من طراز ميغ-29 إلى قاعدة رامشتاين ووضعها في تصرّف حكومة الولايات المتحدة".

إعلان مفاجِئ

إلا ان الولايات المتحدة أعربت عن "استغرابها" لهذا الاقتراح. وقالت المسؤولة الثالثة في الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند "على حدّ علمي لم يستشيرونا مسبقاً. أظنّ أنّه إعلان مفاجئ من جانب البولنديين".

من ناحيتها أعلنت روسيا وقفاً لإطلاق النار في التاسع من آذار/مارس اعتباراً من الساعة العاشرة بتوقيت موسكو.

وأوضحت موسكو أنّ هذا الاقتراح سيحال إلى السلطات الأوكرانية التي عليها التأكيد بحلول منتصف الليل بتوقيت غرينتش موقع الممرات الإنسانية والتوقيت الذي يمكن تفعيلها فيه.

وأقيمت صباح الثلاثاء أولى ممرات إجلاء المدنيين خصوصا في سومي في شمال شرق أوكرانيا. ووصلت الدفعة الأولى من هؤلاء المدنيين "بأمان" بحسب الرئاسة الأوكرانية.

ويفرّ آلاف المقيمين في المدن التي تتعرض للقصف والتطويق أمام هجوم القوات الروسية.

ودفع الغزو الذي شنّته موسكو في 24 شباط/فبراير أكثر من مليوني شخص إلى مغادرة أوكرانيا واللجوء إلى الخارج بغالبيتهم إلى بولندا بحسب الأمم المتحدة. وتتوقع أوروبا وصول خمسة ملايين لاجئ.

وأعلنت الولايات المتحدة الثلاثاء تعليق واردتها من النفط والغاز الروسيين في ما يشكل مرحلة جديدة من العقوبات المفروضة على موسكو منذ بدء غزوها لأوكرانيا.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إنّ هذا الإجراء اتّخذ "بالتنسيق الوثيق" مع حلفاء واشنطن بهدف "توجيه ضربة قوية جديدة إلى (فلاديمير) بوتين".

أما المملكة المتحدة فستوقف بحلول نهاية السنة الحالية شراء النفط الخام والمنتجات البترولية من روسيا.

أوروبا تتحفظ عن حظر المحروقات

في المقابل امتنع الأوروبيون باستثناء بريطانيا عن اتخاذ إجراءات إضافية في هذا المجال خصوصا أنهم يعتمدون بنسبة 30% على المحروقات الروسية.

وفي دليل آخر على تكثيف العقوبات الغربية على موسكو أعلنت منظمة السياحة العالمية أنها تريد تعليق عضوية روسيا.

وأعلنت شركة "شل" البريطانية العملاقة للنفط الثلاثاء نيّتها الانسحاب من مشاريع النفط والغاز الروسيين "تدريجا، تماشيا مع التوجيهات الجديدة للحكومة البريطانية" فيما أعلنت سلسلتا المطاعم والمقاهي الأميركيتان ماكدونالدز وستاربكس إغلاق مؤسساتهما موقتا في روسيا.

كذلك علقت شركة "كوكا كولا" الأميركية للمشروبات الغازية نشاطها في روسيا، في حين أعلنت منافستها بيبسيكو عزمها على تعليق بيع المشروبات في روسيا والاستمرار بالمقابل في بيع الأغذية فيها.

وغداة قرار موسكو مساء الاثنين إقامة ممرات إنسانية في خمس مدن معرضة جدا للقصف ومن بينها العاصمة كييف وثاني مدن البلاد خاركيف، بدأ مدنيون بمغادرة مدينة سومي في شمال شرق البلاد حيث قتل 21 شخصا على الأقل بينهم طفلان مساء الإثنين في غارات جوية روسية.

وبعد قافلة أولى صباحاً، انطلقت قافلة ثانية خلال النهار باتجاه بولتافا إلى الجنوب وفق حاكم المنطقة دميتري لونين.

وتتواصل عمليات الإجلاء عن منطقة كييف رغم استهداف ممرات إنسانية بالقصف على ما قال رئيس الإدارة المحلية أوليكسي كوليبا.

وفي إربين بضاحية كييف، رأى مراسلو وكالة فرانس برس مئات الأشخاص ينتظرون ليعبروا مشياً نهرا يحمل الاسم نفسه على جسور متداعية صنعت من الواح خشبية وهياكل حديد باتجاه كييف من خلال محور الطرقات الوحيد الذي لم يحتله الجيش الروسي بعد. وقالت الشرطة الأوكرانية إن نحو ألفي شخص تمكنوا من مغادرة هذه المدينة.

وقالت لاريسا بروكوبيتس (43 عاما) "لم أكن أريد الرحيل، لكن لم يعد هناك أحد في البيوت من حولي، ولا ماء ولا غاز ولا كهرباء" وهي صممت على المغادرة بعدما امضت عدة أيام مختبئة في الطابق السفلي من منزلها الذي كان يرتج بانتظام على وقع القصف.

وفي بوشا عند أبواب كييف يحاول السكان الرحيل يائسين وروت آنا لفرانس برس "هناك أشخاص في كل شقة وفي كل منزل. الأهم هو إخراج الأطفال، هناك العديد من الأطفال والنساء".

وأضافت "المدينة على شفير الكارثة الإنسانية. لم يعد هناك غاز أو مياه أو كهرباء كما بدأت المواد الغذائية تنفد أيضا".

في مدينة ماريوبول الساحلية الاستراتيجية الواقعة على بحر آزوف في جنوب شرق البلاد لا يزال نحو 300 ألف مدني عالقين، على ما اكدت الحكومة الأوكرانية.

وقالت وزارة الدفاع الأوكرانية "شنّ العدو هجوماً في اتجاه الممر الإنساني بالتحديد".

وفي ميكولاييف (جنوب) قرب أوديسا، امتدّت صفوف السيارات المدنية الفارة من المعارك على كيلومترات عدّة، فيما كان يُسمع دوي إطلاق النار من خط الجبهة في الشطر الغربي من المدينة، بحسب صحافية في وكالة فرانس برس.

ويستقبل المستشفى المحلّي ضحايا عمليات القصف. وقال دميتري سيكورسكي رئيس قسم الجراحة "تلقينا في اليومين الأولين 160 جنديا مصابا، لكن منذ بضعة أيام يصل مدنيون، بعضهم إصاباتهم بالغة".

واستمرت القوات الروسية بالانتشار حول المدن الكبيرة وبتكثيف عمليات القصف في اليوم الثالث عشر من الهجوم على ما أفاد مسؤولون أوكرانيون.

وقالت الولايات المتحدة الثلاثاء إن رتلاً روسياً جديداً يتقدم نحو كييف من شمال شرق العاصمة الأوكرانية، مشيرة إلى أن الرتل الرئيسي لقوات موسكو الآتي من الشمال متوقف منذ عدة أيام.

وقتل ثلاثة بالغين مساء الاثنين وجرح ثلاثة أطفال في انفجار لغم مضاد للأفراد في منطقة تشيرنيهيف شمال كييف، على ما قالت لودميلا دينيسوفا المكلفة حقوق الإنسان في البرلمان الأوكراني.

ودارت معارك عنيفة في مدينة إيزيوم (شرق) لكنّ القوات الروسية تراجعت بعدما تمّ صدّها، بحسب هيئة الأركان العامة الأوكرانية، فيما دمّر المستشفى المركزي كليا على ما أفادت رئيس البلدية.

من جانبها، أكدت وزارة الدفاع الأوكرانية أن الجنرال الروسي فيتالي غيراسيموف قتل قرب خاركيف، وهي معلومات لم تؤكدها موسكو ولا يمكن التحقق منها على الفور من مصدر مستقل.

قدر مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الثلاثاء أن "ألفين إلى 4 آلاف" جندي روسي قتلوا في أوكرانيا منذ بدء الغزو.

وأعلن المتحدث باسم الجيش الروسي إيغور كوناشنكوف أن القوات الروسية خربت الإثنين مطارا عسكريا إلى جنوب جيتومير على مسافة 150 كلم غرب كييف.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام البرلمان البريطاني الثلاثاء "سنقاتل حتى النهاية".

وتحدث الرئيس الأوكراني وإلى جانبه علم بلاده عبر الفيديو خلال مداخلة غير مسبوقة تهدف إلى الحصول على مزيد من الدعم لبلاده بعد الغزو الروسي، وسط تصفيق حار من قبل النواب البريطانيين.

وقال بايدن الثلاثاء "قد تستمر روسيا في تحقيق التقدم بثمن مروع. لكن يتضح من الآن أن أوكرانيا لن تشكل أبدًا انتصارًا لبوتين. قد يتمكن بوتين من السيطرة على مدينة لكنه لن يتمكن من الاستيلاء على البلد" برمته.

وفي مقابلة مع محطة "إيه بي سي" التلفزيونية الأميركية قال زيلنسكي إنّه تخلّى عن الإصرار على انضمام بلاده إلى حلف شمال الأطلسي وهي من المسائل التي تحجّجت بها موسكو لتبرير غزوها.

وأعرب زيلينسكي عن استعداده "لتسوية" حول وضع المناطق الانفصالية في شرق أوكرانيا التي اعترف بوتين باستقلالها من جانب واحد.