اسطنبول: تظهر علامات التعب على وجوه ميشا واليكس ونيجينا الذين جاؤوا من روسيا وهم ينتظرون تسلم مفتاح شقة موقتة على درج مبنى في نيشانتاشي أحد أحياء اسطنبول العزيزة على قلب الكاتب التركي اورهان باموك.
تقول نيجينا بيروفا مخرجة الأفلام الوثائقية والصحافية البالغة من العمر 38 عامًا "ليس لدي اي خطة ولا مشروع حياة. كان قرار الرحيل عاطفيًا للغاية". وقد حزمت كل ذكريات حياتها في بضع ساعات في حقيبة صغيرة زرقاء اللون.
التاريخ يعيد نفسه على ضفاف البوسفور. هذا النزوح الجماعي الجديد لآلاف الروس يحاكي نزوح الروس البيض قبل قرن، حيث وصلوا بالآلاف الى لقسطنطينية في 1921 بعد هزيمة جيشهم أمام البلاشفة.
أتوا من موسكو أو سانت بطرسبرغ بعد أن غادروا المدينتين على عجل، وهم غالبا آلاف الشباب الروس - في غياب إحصاءات رسمية - الذين هرعوا خلال أسبوعين لشراء تذاكر سفر بأسعار مرتفعة للتوجه إلى تركيا. وهي إحدى آخر الوجهات التي لا تزال متاحة من الأراضي الروسية بسبب العقوبات الغربية التي تعزل البلاد.
غالبًا ما تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 40 عامًا ومن حملة الشهادات - مصممون ومطورون وصحافيون ووثائقيون وممثلون ومسؤولون عن علامات تجارية - لم يفروا من الحرب على عكس جيرانهم الأوكرانيين، ولكن من النظام الذي أشعل فتيلها.
"أخبار كاذبة"
روسيا في عهد فلاديمير بوتين تهدد معارضيها المتهمين بنشر "أخبار كاذبة" بالسجن خمسة عشر عامًا وقد تعمد إلى اغلاق الحدود في حال التعبئة.
وتتساءل نيجينا بيروفا "هل كانت الخطوة الصحيحة التي كان ينبغي الاقدام عليها".
لقد غادرت عائلتها طاجيكستان بسبب الحرب عندما كانت في العاشرة من عمرها. وتقول "أصبحت لاجئة للمرة الثانية".
لن تجرؤ أبدًا على التذمر - وتؤكد ان "وضعنا صعب لكن مقارنة مع من هم في أوكرانيا ستكون الأمور على ما يرام".
يقول أرتور الممثل البالغ من العمر 24 عامًا والذي كانت مسيرته المهنية تنطلق لتوها في سانت بطرسبرغ "يغادر الشباب من المدن الكبرى بشكل أساسي". ويرتدي قميصا كتبت عليه عبارة شهيرة لشكسبير "الجحيم فارغ فكل الشياطين هنا".
وهو ابن وحيد وأراد الهروب من تعبئة محتملة. في اسطنبول يتشارك مسكنا مع ثلاثة من أصدقائه تاتيانا وإيغور وأليكس - ممثلة ومخرج وعالم رياضيات.
فالتضامن ينظم في روسيا الصغيرة على وقع اللقاءات وعناوين السكن التي يتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتقول نيجينا "لقاء أصدقاء هنا أمر ايجابي. لم أكن أعرف حتى أنهم كانوا هنا والتقيتهم في الشارع".
في شارع بارد في كاديكوي على الضفة الآسيوية لاسطنبول ينتظر العشرات معتمرين قبعات لشراء تذكرة لحضور حفل نجم الراب الروسي Oxxxymiron.
جزء من جمهوره موجود هنا الآن وقد حرص مغني الراب على أن تكون خمسين تذكرة معروضة للبيع عند شباك التذاكر ويدفع ثمنها نقدًا بما أن مواطنيه لم يعودوا قادرين على استخدام بطاقاتهم الائتمانية بسبب العقوبات الغربية.
وهو نجم مشهور في روسيا ويحيي حفله الليلة ويذهب ريعه للاجئين الاوكرانيين.
كانوا في البداية يعبرون عن غضبهم من الرئيس بوتين والحرب، لكنهم يغيرون رأيهم ويفكرون بالأقارب الذين بقوا في روسيا.
يحصل في اسطنبول
يقول يوري طالبا عدم كشف اسمه الكامل انه جاء إلى اسطنبول لينتظر وصول زوجته وطفليه الذين ذهبوا لتمضية إجازة في موسكو.
الباحث البالغ من العمر 38 عامًا والذي يعيش ويعمل في المملكة المتحدة يتردد: فهو يخشى كما يقول النظرات العدائية للروس وبلادهم. واضاف "قرر صديق لي إعادة زوجته إلى روسيا. خوفًا من نزاع مع اللاجئين الأوكرانيين".
وتؤكد جولي ليديفيا الفرنسية الروسية البالغة من العمر 23 عامًا التي غادرت مع خطيبها الروسي راميل أن لا شيء من هذا القبيل يحصل في اسطنبول.
وتضيف "الناس يعرفون الروس جيدًا هنا. على العكس فهم ودودون: حتى أن البعض يأتون لتهنئتنا على الهجوم الذي شنه بوتين على أوكرانيا..".
التعليقات