ايلاف من لندن: اعتبر الكاظمي السبت ان الحوار السعودي الايراني الذي يحتضه العراق يقترب من تحقيق نتائجه مؤكدا نجاح بلاده في العودة لوضعها المميز عربياً وإقليمياً وعالمياً متحدثا عن الاصلاح الاقتصادي والامني ولقاءاته بالمواطنين.

وأشار رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في تصريحات لصحيفة "الصباح" العراقية شبه الرسمية اليوم لمناسبة مرور عامين على توليه رئاسة الحكومة وتابعتها "ايلاف" الى آخر التطورات في الوساطة العراقية بين السعودية وأيران قائلا ان العراق لديه مصلحة مباشرة في تحقيق تفاهمات بين دول المنطقة وتحقيق الاستقرار الإقليمي. واضاف "ولأننا نمتلك علاقات جيدة مع الطرفين ومع أطراف إقليمية ودولية متباينة تمكنّا من إيجاد أجواء حوار إيجابية على أرض العراق الكثير منها لم يعلن عنه".

واوضح ان "الاخوة" المسؤولين في البلدين يتعاملون مع ملفِّ الحوار بمسؤولية عالية ومتطلبات الوضع الحالي للمنطقة "ونحن واثقون بأنَّ التفاهم بات قريباً إنْ شاء الله، وهناك انفراجة حقيقية واسعة في العلاقات بين كلِّ دول المنطقة مدعومة بقناعة راسخة ونيّات سليـمة بأنَّ مستقبل المنطقة يعتمد على البدء بالنظر إليها كمنظومة مصالح متلاقية وليست متقاطعة وأنَّ هذه المنظومة لا يمكنها التفرغ للبناء الاقتصادي واللحاق بالتطور العالمي من دون أنْ تحلَّ مشكلاتها وتصفّر أزماتها.

واحتضنت بغداد الاسبوع الماضي جولة خامسة من الحوار السعودي الايراني حضر جانبا منها الكاظمي فيما ينتظر البلدان جولة سادسة قريبة يعتقد انها سترسم عودة لعلاقاتها الدبوماسية المقطوعة.

كلمة السرّ
وعن كلمة السر التي استطاع العراق من خلالها إعادة العراق إلى وضعه المميز عربياً وإقليمياً وعالمياً بين الكاظمي قائلا "إذا جاز لي أنْ استخدم مصطلح (كلمة السرِّ) فإنَّ هذه الكلمة هي التي أستخدمها على المستوى الداخلي، وهي الثقة والمصداقية أيضاً والبعض كان يفهم السياسة على أنها مشـروع انتهازيّ، وهذا مفهوم خاطئ تماماً وأعتقد أنَّ للسياسة جوانب أخلاقية كثيرة وأهمّ هذه الجوانب هي البناء على المشتركات وصناعة الثقة".

واضاف انه لا يمكن لدولة أنْ تنمو بشكل طبيعي بعيداً عن جيرانها، وكلّ دول العالم لا بد لها من أنْ تمتلك علاقات جيدة وسليمة مع الجميع والعراق حباه الله بموقع جيوستراتيجي مهمّ في المنطقة والعالم، وهذا الموقع يوجب علينا أنْ نكون نقطة التقاء وليس نقطة تقاطع ولكن للأسف كنّا نقطة تقاطع لعقود طويلة قبل عام 2003، ووصلنا إلى حدود خطيرة بتهديد العراق بأنْ يكون ساحة لحرب مباشرة بين دول مختلفة، لذلك حاولنا تكريس مفهوم التلاقي.

وزاد "حاولنا أنْ نبني تلك العلاقات بطريقة دولة مع دولة وبأسلوب مؤسساتي لا فردي، والحمد لله تمكنّا من تحقيق علاقات متميزة مع كلِّ الدول التي تلمَّست جدية ما يطرحه العراق من رؤى ومشاريع تقوم على الشراكة في المصالح ورفض تحويل العراق إلى ساحة صراعات، بل حاولنا خلق أجواء إيجابية صحية مع الجميع تؤدي في المحصلة إلى خلق فرص الاستثمار والتكامل الاقتصادي".. موضحا ان العمل لا يزال مستمراً في ملفِّ العلاقات الخارجية وهو يحتاج إلى المزيد من الجهد لإكمال ما بدأنا به.

العودة الى الناس
وحول ما اذا كان تزايد النشاطات الاجتماعية له يُؤشر لدور سياسي جديد اجاب الكاظمي " في الحقيقة أعترف، أنني أُكثر منها لسبب شخصي، فأنا أحياناً أعالج الضغوطات الشخصية التي أواجهها في العمل الحكومي سواء السياسي أو الأمني، بالعودة إلى الناس من خلال دعوتهم أو زيارتهم في أماكنهم وهذا يمثل لي استقراراً شخصياً وإذا سُمح لي القول إنه أشبه بالعلاج فناسنا وأهلنا طيبون ووطنيون ويعانون الكثير، ولكنهم أذكياء أيضاً بكلِّ معنى الكلمة، وهم صادقون، ولهذا يعرفون من هو صادق معهم ومن هو غير صادق".


الكاظمي مشاركا عائلات شهداء القوات المسلحة افطارا رمضانيا في 13 نيسان ابريل 2022 (مكتبه)

عدم تطوير العملية السياسية
وعن تقييمه لظروف الانسداد السياسي وتعقيدات ما بعد الانتخابات بين الكاظمي قائلا "علينا أنْ نفرِّق أولاً بين السياق الدستوري وأزمة العملية السياسية وأتصور أنَّ الانسداد الحقيقي هو في عدم تطوير العملية السياسية التي تشكّلت على أساس توازنات ورؤى ليست بالضرورة صالحة لكلِّ وقت، لكنَّ بعضها خلقته ظروف البلد والأزمة الحالية هي في جوهرها (أزمة ثقة) لأنَّ القوى السياسية بإمكانها الخروج من الانسداد السياسي الحالي وتقديم تضحيات أو تنازلات هنا أو هناك، لو كانت هناك ثقة مشتركة تؤطر الوضع السياسي العراقي".
وأضاف "أنَّ الحلَّ لا يكون في الخطابات السياسية، وإنما في محاولة استعادة الثقة والثقة، هنا، لا تعني ضرورة المشاركة أو تشكيل الحكومة من عدمها، بل إنَّ استعادة الثقة تعني أنَّ كلَّ من في الحكومة أو في المعارضة يعدّ أنَّ الدستور والقوانين والثوابت الوطنية ومؤسسات الدولة هي المرتكزات الأساسية التي يستند إليها".

واكد الحاجة الى أجواء جديدة ومناقشات عميقة تخصّ مجمل الوضع السياسي، ومن بين ذلك الاتفاق على تعديلات دستورية جوهرية لكي نبدأ خطوات استعادة الثقة، ومن ثم إنهاء الانسدادات السياسية سواء اليوم أو في المستقبل.

الورقة البيضاء
وفيما يخص الورقة البيضاء التي طرحتها حكومته للاصلاح الاقتصادي وتتولى تطبيقها فقد اوضح الكاظمي ان حكومته جاءت في وضع استثنائي، وكانت أمامها مهمة أساسية ورئيسة هي الوصول إلى انتخابات حرّة ونزيهة، ولم تكن (الحكومة الحالية) مطالبة بإجراء تحوّلات اقتصادية في بنية اقتصادية تراكم الخلل فيها أو اقتراح إصلاحات اقتصادية كبيرة.

وبين ان الظروف الاستثنائية التي جاءت في ظلّها الحكومة: أزمة اقتصادية خانقة وانخفاض أسعار النفط، وتفشّـي وباء كورونا "وقد كنت منذ الشهر الأول من عمر الحكومة مطالباً بتوفير الأموال اللازمة لدفع مرتّبات الموظفين والمتقاعدين ومستحقي مخصّصات الرعاية الاجتماعية ومصروفات الدولة الأساسية وإجراءات مكافحة وباء كورونا ومستلزمات الأمن الأساسية وهي تبلغ حواي 8 مليارات دولار شهريا وفي المقابل، لم تتجاوز موارد الدولة في حينها، لا سيما في القطاع النفطي، المليار دولار فقط بسبب انهيار أسعار النفط ولكن تجاوزنا هذا الواقع المرير بكلِّ السبل الممكنة ولكن لا أستطيع أن أكون شاهد زور أمام أبناء شعبنا، ولست من النوع الذي يراهن على خداع الناس وتضليل الرأي العام. لذا قلت وأقول دائماً إنَّ البنية الاقتصادية في العراق تحتاج إلى إصلاح شامل حتى نواجه المستقبل ونستعدّ لكل الأزمات والمعوّقات إن تكرّرت.".

اعلى نمو اقتصادي
واضاف الكاظمي ان حكومته نجحت خلال عامين من عملها في تحقيق أعلى معدل نمو اقتصادي على مستوى الدول العربية بحسب تقارير صندوق النقد الدولي التي توقعت أن يصل معدل النمو الاقتصادي في العراق إلى نسبة 9,5% خلال عامي 2022 و2023.

واشار الى ان هذا النمو بناءً على بدايات إصلاحية "لا نقول إنها كانت بلا أخطاء، لكنها أسّست لمنهج إصلاحي علمي وضعت لبناته الورقة البيضاء والتي كان الكثير ممن انتقدوها لم يتكبّدوا عناء قراءتها ولم يحاولوا مناقشتها".

ونوه الى ان استمرار الاعتماد على النفط الذي يموِّل 95% من الموازنة العامة للبلاد جريمة كبيرة وإجحاف لا يمكن قبوله بحقِّ هذا الجيل في العراق والأجيال القادمة "لهذا حاولنا تقليص اعتماد الموازنة على النفط ونجحنا جزئياً، ويجب أن يستمرَّ هذا التقليص لتكون موارد النفط لصالح صندوق الأجيال وليس للاستهلاك الشهري غير الستراتيجي".

تغيير سعر صرف الدولار
وحول أثر تغيير سعر صرف الدولار في الإصلاحات الاقتصادية وتداعياته اوضح الكاظمي إنَّ الإصلاح الحقيقي لن يتحقق من دون معاناة وأضرارولذلك في موازنة عام 2021، على سبيل المثال، وبالتزامن مع تغيير سعر صرف الدولار قمنا برفع مخصصات الرعاية الاجتماعية في قانون الموازنة العامة إلى ملياري دولار وهذا الرقم خُصِّص للفئات التي توقعنا أن تكون الأكثر تضرراً بناءً على دراسات متخصصة كما عالجنا الآثار السلبية لهذا الارتفاع وتحسين الأوضاع المعاشية لمحدودي الدخل لكنَّ الإخوة في مجلس النواب السابق رفضوا الاستماع إلى دفوعاتنا بهذا الخصوص وقاموا بتقليص المبلغ إلى أقلّ من 500 مليون دولار كما خفضوا في الوقت نفسه الموازنة الاستثمارية التي كان هدفها إنعاش سوق العمل وتحريك المشاريع وتدوير عجلة الاقتصاد المحلي وتفعيل دور القطاع الخاص.

وشدد على ان العراق لا يمكن له أن تتقدَّم من دون بناء الثقة على جميع المستويات، ولا سيما في العلاقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية لتحقيق الانسجام في خطوات الإصلاح ومنع التصادمات أو الاجتهادات التي قد تكون لها نتائج سلبية.

السلاح المنفلت
وبشأن تصدي حكومته للسلاح المنفلت ووجود من يرى أنه لم يتحقق شيء في هذا الملفّ اشار الكاظمي الى ان "هذا اتهام تعوزه صفتان هما المصداقية والإنصاف.. المصداقية لأنَّ من يُطلقه عليه أولاً أنْ يراجع كلَّ الخطوات التي اتخذتها الحكومة في ملفِّ السلاح المنفلت، وأنْ يستحضر حقيقة أنَّ هذا ليس قراراً وقتياً وآنياً تتخذه السلطات، بل هو ملفٌّ شائك ومعقد ويحتوي على أبعاد سياسية واجتماعية ودينية، وعلى الحكومة مواجهته بمستويات عدَّة وبرؤية صبورة وتراكمية في الفعل الأمني.

واضاف ان من يراجع الظروف عام 2020 بمصداقية وبعيداً عن أجواء الانتهازية والاستعراض، لا بدَّ له أنْ يعترف بحصول تطور كبير في الملفِّ الأمني على كلِّ المستويات، ابتداءً من إعادة ضبط مخرجات الأزمة الاجتماعية التي أفرزتها التظاهرات الشعبية بين عامي 2019 و2020، ومن ثمَّ استعادة الثقة التي كانت مكسورة بين الشعب والمؤسسات الأمنية، وبتجفيف منابع الإرهاب وكسر شوكته ومحاصرة الخارجين عن القانون والعمل على تطبيق القانون على الجميع من دون استثناء.

وزاد ان هذا الاتهام يعوزه الإنصاف أيضاً لأنَّ كلَّ منصفٍ عليه أن يستعرض نشاطات القتل والإرهاب والجريمة المنظّمة والاضطراب الأمني عامي 2019 و2020 ويقارنها بالواقع الذي نعيشه الآن.
وقال "لا نملك العصا السحرية لتغيير الواقع بضربة واحدة، لكننا وضعنا أسس الحياة الطبيعية، وهذه الأسس تحققت بعد خطوات كثيرة ومحاسبات قانونية عدَّة وهنالك اليوم ضباط ومنتسبون وموظفون محكومون بالإعدام أو المؤبد بعد أن طبِّق عليهم القانون، وهنالك مجرمون تجري محاكمتهم بسبب تجاوزهم على القانون كما هي الحال مع فرق الموت في محافظة البصرة وقتلة هشام الهاشمي وعصابات الجريمة المنظمة وغيرهم كثير، ناهيك عن الإرهاب المتربّص".

وتساءل الكاظمي قائلا " هل كلُّ هذا يكفي؟ الإجابة: لا. بالتأكيد نحتاج إلى المزيد من العمل لإعادة الأمور إلى نصابها بالكامل وإخضاع الجميع لسلطة القانون".

تغريدة الوداع
وفيما يخص التغريدة التي اطلقها بعد الانتخابات الاخيرة واشار فيها الى انه انجز ماعليه وعما اذا كانت تغريدة وداع اجاب الكاظمي "أقول بصـراحة إنني شخصياً، وأتحمل المسؤولية، عارضت ورفضت كلَّ الطلبات التي كانت تريد مني المشاركة في الانتخابات، وبعضها كان من فريق العمل الخاص بي، ومن قوى سياسية ونواب وكان الجميع يعتقد أنَّ السياق الطبيعي هو مشاركة رئيس الحكومة في الانتخابات وتحقيق فارق في مقاعد البرلمان".

وأوضح بالقول "لكن قلت في حينها وأكرِّر ذلك اليوم، إنني كُلّفت بتشكيل حكومة في ظلِّ أزمة اجتماعية وسياسية واقتصادية طاحنة هدَّدت كلَّ العراق، وكان الهدف الوصول إلى خارطة طريق خاصة تقود إلى انتخابات عادلة وشفافة وتقود البلد إلى برِّ الأمان".

وبين ان "لقرار الذي اتخذته في لحظة التكليف بأنْ تكون هذه الحكومة منظمة للانتخابات وليست طرفاً فيها ولو كنت شاركت في الانتخابات، لكنت قد نكثت العهد أمام الشعب، وأزعم أنني لا أنكث العهود والتغريدة التي أطلقتها تترجم المبادئ الأساسية لأيِّ نظام ديمقراطي، وهي أنَّ الانتخابات تمثل المخرج الطبيعي للأزمات السياسية، وأنَّ آليات تشكيل الحكومة يجب أنْ تستكمل كما حددها الدستور".

وشدد بالقول "ترأست حكومة لمرحلة انتقالية وقمت بما يُرضي ضميري في أداء مهامّي في هذه المرحلة، أما على المستوى السياسي فإنَّ الحديث لا يزال مبكراً بهذا الخصوص".

موازنة 2022 وقانون الامن الغذائي
وعن إعداد موازنة 2022 اوضح الكاظمي ان الأمر يعتمد على سرعة تشكيل الحكومة الجديدة منوها الى ان هناك حلول قانونية آنية يمكن من خلالها تجاوز الأضرار التي تحصل بسبب غياب الموازنة.

واشار الى ان قانون الامن الغذائي تم تقديمه إلى مجلس النواب بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي افرزتها الحرب بين روسيا وأوكرانيا وارتفاع أسعار النفط، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع والخدمات عالمياً وعدم القدرة على تشريع الموازنة في الوقت الراهن، ولهذا فإنَّ هذا القانون سيـمكن الحكومة من تجاوز معوّقات الأزمة الحالية وتوفير الغطاء لدعم الطبقات الفقيرة ودعم البطاقة التموينية وتمويل العديد من المشاريع الستراتيجية المهدَّدة بالإيقاف بسبب نقص التمويل.

يشار الى ان الكاظمي كان قد تولى رئاسة الحكومة العراقية الحالية في الثامن من أيار مايو عام 2020 اثر أزمة سياسية حادة افرزتها تظاهرات الاحتجاج الشعبية التي اجتاحت العراق اواخر عام 2019 وارغمت رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي على الاستقالة وتكليف الكاظمي بتشكيل حكومة تتولى اجراء انتخابات مبكرة استجابة لمطالب المتظاهرين والتي انجزتها في العاشر من تشرين الاول اكتوبر الماضي.