طرابلس: مجدداً دخلت العاصمة الليبية طرابلس دائرة الأضواء بعد أن كانت لساعات مسرحا لقتال عنيف بين جماعات متناحرة، بعد محاولة رئيس حكومة يؤيدها البرلمان والمشير خليفة حفتر شرق البلاد طرد السلطة التنفيذية المتمركزة في العاصمة.

وبالرغم من الانسحاب السريع بعد تصعيد عسكري كاد يدخل عاصمة ليبيا في دائرة الحرب مجدداً، يأتي القتال ليؤكد على أعراض الفوضى التي ابتليت بها ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 ولم تنجح في التخلص منها، في غياب حكومة منتخبة تقبل بها جميع الأطياف.

اندلعت الاشتباكات بين المجموعات المسلحة المتناحرة إثر وصول فتحي باشاغا رئيس الوزراء الذي اختاره مجلس النواب المنعقد في الشرق إلى طرابلس مع عدد من وزرائه.

تسببت الاشتباكات في أضرار جسيمة في قلب العاصمة كانت السيارات المتفحمة والمباني المتضررة شاهدًا عليها، بحسب مراسل وكالة فرانس برس.

قبل الظهيرة، وبعد عدة ساعات من القتال، أعلنت حكومة باشاغا أنه ووزراءه "غادروا طرابلس حفاظا على أمن المواطنين وحقناً للدماء".

كان باشاغا الذي عينه البرلمان في آذار/مارس الماضي، ينوي من خلال تحركه أن يتولى السلطة في طرابلس على الرغم من الرفض القاطع للسلطة التنفيذية المتمركزة فيها برئاسة عبد الحميد الدبيبة والتي استنكرت ما حدث بوصفه بأنه "محاولة يائسة لاثارة الرعب والفوضى بين سكان" العاصمة.

أعاد القتال الثلاثاء شبح المعارك التي شهدتها العاصمة قبل نحو عامين عندما فشلت محاولة المشير حفتر، رجل الشرق القوي، للاستيلاء عليها عسكريًا فانسحب منها في حزيران/يونيو 2020.

تحسن الوضع الأمني بالفعل بشكل كبير منذ توقيع وقف إطلاق النار بين المعسكرين المتنافسين في تشرين الأول/أكتوبر 2020 وإطلاق عملية المصالحة برعاية الأمم المتحدة.

بين عامي 2014 و2021، وجدت ليبيا نفسها بالفعل مع حكومتين متنافستين. لكن في ذلك الوقت، كانت الانقسامات إقليمية بين برقة في الشرق والحكومة المتمركزة في طرابلس.

لكن الآن، لم يعد النزاع بين الشرق والغرب، بل بين اللاعبين الرئيسيين في المنطقتين. باشاغا، على الرغم من ثقل وزن مؤيديه في غرب ليبيا، تحالف مع المشير حفتر ومع رئيس البرلمان المقيم في الشرق، عقيلة صالح.

في محاولته الفاشلة للقيام بواجباته انطلاقا من طرابلس، انضم باشاغا إلى ميليشيا كبيرة تسمى "النواصي" قاتلت من قبل الألوية الموالية للدبيبة. فبشكل عام، ما زالت الجماعات المسلحة ذات نفوذ كبير في غرب ليبيا.

"اللواء الذي ساعد باشاغا حقًا وعلناً على الدخول - النواصي- وجد نفسه وحيدًا ومحاطًا بميليشيات موالية للدبيبة، وهي في نهاية المطاف منظمة بشكل جيد للغاية، بما في ذلك اللواء 444 المعروف بقربه منه من حيث التنسيق والتدريب وقربه الشديد من تركيا"، يقول لفرانس برس جلال حرشاوي، الباحث المتخصص في ليبيا.

ويضيف "بمعزل عن أنقرة، هناك أيضا ولاء (للدبيبة) من جانب غالبية حكماء وصناع القرار ونخب مصراتة، المدينة الأصلية للرجلين (باشاغا والدبيبة) وهي تؤيد بشكل أساسي الأخير".

ما هو المتوقع الآن؟

يرى أنس القماطي، مدير مركز أبحاث "صادق"، أن إحباط دخوله إلى طرابلس "كارثة سياسية على باشاغا ... إنه يتعرض لضغوط لإثبات جدارته لحفتر ... لا أحد منهم قادر على الاستيلاء على العاصمة".

يوافقه حرشاوي قائلاً إن "هذا الاستسلام من جانب باشاغا سيضعفه بشكل كبير لأن الحجة التي طالما طرحها وهي أنه يحظى بتأييد شعبي (وكذلك بتأييد فصائل مسلحة) في الغرب الليبي ولا سيما في طرابلس قد تحولت ضده".

نتجت الأزمة المؤسساتية الأخيرة عن تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى بعد أن تعذر تنظيمها في كانون الأول/ديسمبر 2021.

على الرغم من إصرار المجتمع الدولي على أهمية إجراء هذه الانتخابات لتهدئة البلاد، لا يبدو أن اتفاقًا يلوح في الأفق بسبب الخلافات المستمرة بين المعسكرات المتنافسة والجهات الأجنبية المتورطة في النزاع.

وعلى الرغم من جهود الوساطة التي تبذلها الأمم المتحدة فإن الوضع مرشح للاستمرار على ما هو عليه.

يقول حرشاوي "ما سنراه اليوم هو الدبيبة يستمر في التماسك وتقوية النظام الذي نجح حتى الآن".

وبالرغم من حالة الهدوء والاستقرار الأمني وصمود وقف إطلاق النار في ليبيا منذ نهاية العام 2020، ما زالت البلاد تشهد أعمال عنف ونزاعات مسلحة بين الحين والآخر، خاصة في الغرب وتحديداً في طرابلس وضواحيها.