توفر نتائج الانتخابات في لبنان أملاً أكبر للتغيير مما قد يبدو للعيان، على الرغم من أن الفائزين فيها سيحتاجون إلى مساعدة دولية لمنع حزب الله من عرقلة الخطوات التالية.

إيلاف من بيروت: تقول حنين غدار، وهي زميلة زائرة في زمالة "فريدمان" الافتتاحية في معهد واشنطن ومديرة تحرير سابقة للنسخة الانكليزية لموقع NOW الإخباري في لبنان: "في 15 مايو، تكبّد حزب الله هزيمة كبيرة في الانتخابات النيابية اللبنانية، حيث لم يفقد الأغلبية في المجلس التشريعي فحسب، بل خسر أيضاً جميع حلفائه من غير الشيعة. وعلى الرغم من تدني نسبة الإقبال، والتهديدات بالعنف، والصعوبات المالية، واليأس الوطني المتزايد، صوّت الشعب لصالح التغيير، وآثر الإصلاحات على حزب الله وترسانته العسكرية المتنامية باستمرار".

4 تغييرات

بحسبها، قد يستنتج المرء من بعيد أن الأحزاب السياسية الرئيسية تمكنت من الاحتفاظ بكتل برلمانية كبيرة. لكن عند إلقاء نظرة عن كثب على التفاصيل، يتبين أن عدداً من التغيرات المهمة ستطبع المشهد السياسي الجديد في لبنان. تقول:

1- خسر حزب الله الغطاء المسيحي الذي مكّنه من التلاعب بمختلف أدوات السلطة والاستخفاف بالدستور، بما في ذلك الأسلحة التي تجعله أقوى قوة عسكرية في البلاد. في السابق، كان التيار الوطني الحر المتحالف مع حزب الله، برئاسة جبران باسيل، يتمتع بأغلبية التمثيل المسيحي في البرلمان، لكنّ حزب القوات اللبنانية الذي يرأسه سمير جعجع سيحمل الآن هذا الامتياز، بعد أن فاز بأكثر من عشرين مقعداً مقابل ثلاثة عشر مقعداً للتيار الوطني الحر. وستؤثر خسارة باسيل أيضاً على طموحاته في الفوز بالانتخابات الرئاسية المرتقبة هذا الخريف.

2- شهدت المناطق الدرزية في دائرة الشوف وعاليه اختراقات حقيقية من المعارضة، حيث فاز المستقلون بثلاثة مقاعد - وهم مارك ضو ونجاة عون صليبا وحليمة القعقور. في المقابل، حافظ الزعيم الدرزي وليد جنبلاط على تمثيله. والأكثر لافتاً للنظر هو خسارة وئام وهاب وطلال أرسلان، حليفان رئيسيان لحزب الله ونظام بشار الأسد في سوريا. وفي الواقع، خسر الأسد حلفاءه التقليديين في جميع أنحاء لبنان، أمثال أسعد حردان وإيلي الفرزلي وفيصل كرامي.

3- في دائرة بيروت الثانية، تحدّى الناخبون السُنة دعوات رئيس الوزراء السابق سعد الحريري إلى مقاطعة الانتخابات، وذهبت العديد من أصواتهم إلى مرشحين مستقلين جدد، من بينهم فوز كبير لابراهيم منيمنة وملحم خلف. وقد كانت أعين «حزب الله» شاخصة نحو هذه الدائرة، حيث عمل جاهداً على دعم مرشحيه السُنة، وأعرب عن أمله في أن تساعد نسبة الإقبال المتدنية بين هذا المجتمع على التعويض عن الخسارة المتوقعة لحلفائه المسيحيين. وفي نهاية المطاف، كان الحزب يهدف إلى تشكيل كتلة سنية مهمة من خلال الانتصارات في بيروت وطرابلس والبقاع الغربي وصيدا-جزين. لكن خطته لاختراق الشارع السني فشلت، ومُني غالبية مرشحيه السنة بالخسارة. أما بالنسبة للحريري، فقد أصبح خروجه من المشهد السياسي اللبناني نهائياً في الوقت الحالي.

4- جاءت المفاجأة الكبرى من الجنوب. فللمرة الأولى على الإطلاق، خسرت لائحة حزب الله المشتركة مع حركة أمل مقعدَين لمرشحين خارجيين هما الياس جرادة وفراس حمدان. وحدثت هذه الانتكاسة على الرغم من المخالفات العديدة التي ارتكبها ممثلو حزب الله وحركة أمل داخل مراكز الاقتراع وخارجها.

ما الذي يعنيه هذا كله؟

تقول غدار: "سجّل حزب الله خسائر في كل مكان تقريباً في لبنان، وعلى الرغم من أنه تمكّن من فرض الحفاظ على كتلته الشيعية المكونة من سبعة وعشرين نائباً، فإن قاعدة دعمه يبدو أنها تتقلص حتى بين ناخبيه الأساسيين. وبالمقارنة مع انتخابات 2018، شهدت جميع الدوائر الشيعية نسبة إقبال منخفضة، مما يشير إلى أن الأغلبية الصامتة الكبيرة غير راضية عن الحزب سياسياً".

تضيف: "لا يلتزم النواب المستقلون الجدد عموماً بالهويات الطائفية أو الانتماءات السياسية، وفي هذا ابتعادٌ كبير عن ائتلاف المعارضة السابق المعروف بقوى 14 آذار الذي كان أكبر حجماً لكنه بالتأكيد أكثر طائفية. وإلى جانب النواب الجدد من المجتمع المدني، تتوافر أمام مجموعة من الأحزاب الفائزة، أي حزب الكتائب بزعامة سامي الجميل، والمرشحين المستقلين التقليديين، والكتلة السنية الجديدة المناهضة لحزب الله، والقوات اللبنانية التي حصلت على أكبر تكتلاتها النيابية حتى الآن، فرصةٌ حقيقية بأخذ لبنان في اتجاه جديد. ومن شأن تشكيل الحكومة المقبلة، ونتيجة الانتخابات الرئاسية، والأهم من ذلك اختيار رئيس جديد لمجلس النواب، أن تؤدي دوراً كبيراً في تحديد آفاق هذا التغيير المحتمل".

بحسبها، لم يعد بإمكان رئيس مجلس النواب الحالي وزعيم حركة أمل نبيه بري أن يضمن توليه هذا المنصب للمرة الثامنة، إلا إذا كان، على الأقل، مستعداً للمساومة مع جنبلاط وجعجع، "ويبقى التحدي قائماً حول التوافق على مرشح شيعي آخر عندما يكون جميع النواب الشيعة أعضاء في حزب الله أو حركة أمل. فبعد الإعلان عن فوزهم بالانتخابات، وعد جعجع والجميل والسياسي السني من طرابلس أشرف ريفي، ناخبيهم بأنهم لن يكرروا الخطأ السابق المتمثل في السماح لبري بالبقاء رئيساً لمجلس النواب. وإذا قررت جميع قوى المعارضة رفض بري واتخذت الخطوة الجريئة بالاتفاق على مرشح واحد، قد يرى مجلس النواب أخيراً رئيساً جديداً، وهو تطور قد يؤثر بشكل كبير على السياسة الداخلية والدعم الشعبي لحركة أمل وعلى علاقتها مع حزب الله".

مشرذمة ولكن!

الأكثرية الجديدة مشرذمة، إلا أنها تتشارك في العديد من وجهات النظر نفسها في ما يتعلق بالإصلاحات وسلاح حزب الله، وإذا تمكنت من التنسيق في ما بينها، فقد تنجح في إثارة نقاش جديد حول الاستراتيجية الدفاعية الوطنية، مع التركيز على ترسانة حزب الله، وفي الوقت نفسه مناقشة دور الجيش اللبناني، وتعيين كبار المسؤولين الأمنيين والماليين، والأهم من ذلك تحديد أي نوع من القادة تريده من الانتخابات الرئاسية. إلّا أن حزب الله المُهان والقلِق، بحسب غدار، سيشكل العقبة الرئيسية أمام هذا الزخم، "فبعد أن خسر الحزب هذه الجولة من الانتخابات، سيستخدم بلا شك جميع أدواته للتأثير على الخطوات التالية، ومن بينها التهديدات بالعنف. مع ذلك، فإن صيغته السابقة القائمة على الرصاص مقابل الأصوات، التي أجدت نفعها بعد انتخابات 2005 و 2009، قد لا تكون ناجحة هذه المرة، وذلك ببساطة لأنه لم يعد بإمكان الحلفاء السياسيين للحزب توفير الغطاء اللازم".

ختمت غدار مقالتها في موقع معهد واشنطن بالقول: "من الممكن أيضاً أن يمارس حزب الله لعبة أخرى يتقنها منذ فترة طويلة، وهي تأخير العمليات الرئيسية من خلال عرقلة القرارات والتسبب بالفراغ في المؤسسات الحكومية. فقد سبق له أن لجأ عدة مرات إلى استخدام مثل هذه الحالات من الجمود للتأثير على تشكيلة الحكومة والانتخابات الرئاسية. وقد يحاول هذه المرة الربط بين هذين الاستحقاقين لفرض حل وسط يضمن وصول مرشحه المفضل إلى رئاسة الجمهورية. وللأسف، قد يعرقل هذا السيناريو الإصلاحات والتغيير السياسي، وبذلك لن تنعكس النتائج الانتخابية الواعدة في مؤسسات الدولة على النحو المناسب. لذلك، تدعو الحاجة فوراً إلى المزيد من الضغوط الدولية لمنع حصول فراغ دستوري والثني عن أي حلول وسط تهدد بإعاقة الحركة نحو التغيير".