ايلاف من لندن : اعلن في بغداد الجمعة عن رحيل الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب عن عمر ناهز 88 عاماً حيث توفي مدينة الشارقة الاماراتية ونعته الرئاسات الثلاث والادباء والمواطنين.
ونعى شعراء ومقربون رحيل النواب بعد معاناة مع المرض حيث توف في مستشفى الجامعة التعليمي بامارة الشارقة في دولة الإمارات.
والنواب سليل عائلة أدبية ثرية تنتمي إلى البيت الهاشمي وكان جده لوالده يقرض الشعر بالعربية والفارسية كما اشتهر بقصائده باللهجة العراقية حيث قارع النظم السياسية العراقية والعربية ما ارغمه على العيش في المنافي حتى وافته المنية اليوم.
الشاعر العراقي الكبير الراحل مظفر النواب
الكاظمي : ابن بار ومبدع لايتكرر
وقد نعى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الشاعر مظفر النواب وقال في تغريدة على تويتر ان "الراحل الكبير مظفر النواب، العراق الذي طالما تغنّيت باسمه أينما حللت، وأفنيت عمرك لإعلاء مكانته، يكتسيه الحزن وهو يودّعك الى مثواك الأخير مُثقلاً بأسى خسارة ابنٍ بار ومبدعٍ لا يتكرر".
كما امر الكاظمي بنقل "جثمان شاعر العراق الكبير مظفر النوّاب بالطائرة الرئاسية ليوارى الثرى في أرض الوطن" العراق كما قال مكتبه الاعلامي.
من جانبه، عزى الرئيس برهم صالح بوفاة النواب وقال في تغريده له "يبقى حيّاً في ذاكرة الشعب مَن زرع مواقفه السياسية والوجدانية بشكل صادق ولهذا فإن الشاعر العراقي الكبير #مظفر_النواب لا يمضي إلى العدم. فهو حيّ في ذهن كل مَن ترنم بقصائده الخالدات. لروح المبدع الفذ المغفرة والرحمة، ولأسرته ومحبيه وقرّائه الصبر والسلوان".
كما أكد رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي أن الشاعر مظفر النوّاب قدَّم درساً عظيماً في الشجاعة السياسية والأدبية، مبيناً أنه برحيله فقدت الساحة الأدبية رمزاً.
وقال الحلبوسي في بيان "ننعى القامة الأدبية والشعرية العراقية الكبيرة الشاعر مظفر النوّاب، الذي برحيله فقدت الساحة الأدبية رمزاً ومثالاً ومناضلاً مخلصاً ومحبّاً ومنتمياً إلى قضايا وطنه وأمته".
وأضاف أن "النواب قدَّم درساً عظيماً في الشجاعة السياسية والأدبية، وأثرى المشهد الشعري العراقي والعربي بسفر خالد من العطاء، وحمل اسم العراق في منفاه طوال سنوات الهجرة بسبب الظلم، لروح الراحل الفقيد الرحمة، ولذويه ومحبيه ولجميع الأدباء والشعراء الصبر والسلوان".
شاعر يساري معارض
مظفر النوّاب شاعر يساري عراقي اشتهر بشعره السياسي المنتقد بقوة للأنظمة العربية وكذلك بكتابته الشعر العامي، عاش تجربة الاعتقال وقضى معظم عمره في المنافي وذاع صيته من خلال الأمسيات الشعرية المسجلة.
تعرّض للملاحقة وسجن في العراق عاش بعدها في عدة عواصم منها بيروت ودمشق ومدن أوربية أخرى ووصف بأنه "أحد أشهر شعراء العراق في العصر الحديث».
مسيرة شاعر ثوري
ولد النواب في بغداد عام 1934لعائلة شيعية أرستقراطية من أصل هندي تقدر الفن والشعر والموسيقى وهو ينتمي بأصوله القديمة إلى عائلة النواب التي ينتهي نسبها إلى الإمام موسى بن الكاظم بحسب موسوعة المعرفة ويكيبيديا وقد أظهر موهبة شعرية منذ سن مبكرة وأكمل دراسته الجامعية في جامعة بغداد وأصبح مدرسًا، لكنه طرد لأسباب سياسية عام 1955 بتهمة الانتماء الى الحزب الشيوعي وظل عاطلًا عن العمل لمدة ثلاث سنوات في وقت صعب على أسرته التي كانت تعاني من ضائقة مالية.
التحق بالحزب الشيوعي العراقي وهو لا يزال في الكلية وتعرض للتعذيب على يد النظام الملكي السابق وبعد ثورة عام 1958 التي اطاحت بالملكية واعلنت الجمهورية في البلاد تم تعيينه مفتشًا في وزارة التربية والتعليم. في عام 1963لكنه اضطر لمغادرة العراق إلى إيران المجاورة (الأهواز بالتحديد وعن طريق البصرة) بعد اشتداد المنافسة بين القوميين والشيوعيين الذين تعرضوا للملاحقة من قبل النظام الحاكم وتم اعتقاله وتعذيبه من قبل المخابرات الايرانية السافاك.
في طريقه إلى روسيا، قبل إعادته قسرًا إلى الحكومة العراقية. أصدرت محكمة عراقية حكمًا بالإعدام بحقه بسبب إحدى قصائده وخفف فيما بعد إلى السجن المؤبد. وفي سجنه الصحراوي واسمه نقرة السلمان القريب من الحدود السعودية العراقية، أمضى وراء القضبان مدة من الزمن ثم نُقل إلى سجن الحلة جنوب بغداد.
هرب من السجن بحفر نفق وبعد الهروب المثير من السجن توارى عن الأنظار في بغداد وظل مختفيًا فيها ثم سافر إلى جنوب العراق وسكن (الأهوار) وعاش مع الفلاحين والبسطاء حوالي سنة وانضم إلى فصيل شيوعي سعى إلى قلب نظام الحكم.
وفي عام 1969 صدر بيان عفو عن المعارضين فرجع إلى سلك التعليم مرة ثانية فشغل منصب مدرس في إحدى المدارس ثم غادر بغداد إلى بيروت في البداية، وبعدها انتقل إلى دمشق وظل يسافر بين العواصم العربية والأوروبية واستقر بهِ المقام أخيرًا في دمشق ثم بيروت.
كما تعرض النواب لمحاولة اغتيال في اليونان في عام 1981واشتهر بقصائده الثورية القوية والنداءات اللاذعة ضد الطغاة العرب عاش في المنفى في العديد من البلدان بما في ذلك سوريا ولبنان وارتيريا حيث أقام مع الثوار الإريتريين، قبل أن يعود إلى العراق في عام 2011.
قبل عودته إلى العراق، كان عديم الجنسية ولم يكن قادرًا على السفر سوى بوثائق السفر الليبية (إذ كان قد حل على العقيد معمر القذافي كشاعر كبير، وأقام في ليبيا لسنوات، واتخذ من جواز سفرها هوية رسمية). صدرت أول طبعة كاملة باللغة العربية لأعماله في لندن عام 1996 وهوغالبا ما يلقب باسم "الشاعر الثوري" لان شعره حافل بالرموز الثورية العربية والعالمية.
استخدم شعره في إثارة المشاعر العامة ضد الأنظمة القمعية والفساد السياسي والظلم. كما أن لغته الشعرية وصفت بالقاسية وتستخدم الألفاظ النابية من حين لآخر.. كما استخدمت كتاباته الأولى لهجة جنوب العراق لأنه كان يعتقد أن تلك المنطقة أكثر ثورية ومع ذلك، فشل استخدام تلك اللهجة في جذب جمهور كبير، وتحول في النهاية إلى اللغة الكلاسيكية في أعماله اللاحقة.
الدراسة والتكوين
واصل النواب تعليمه النظامي حتى أكمل دراسته في كلية الآداب بجامعة بغداد وفي فترة لاحقة، انتسب إلى جامعة فانسان الفرنسية وسجل رسالة ماجستير كان موضوعها "باراسايكولوجي" أو القوى الخفية في الإنسان.
ونمت موهبة النواب الشعرية بفضل ما كان ينشده إياه جده الشاعر في منزلهم من قصائد ومختارات أدبية، وفي الصف الثالث الابتدائي بدأ نظم الشعر حين كلفه أحد أساتذته بإكمال بيت أعطاه شطره الأول، وكان -وهو في المرحلة الإعدادية والثانوية- ينشر قصائده في المجلات الجدارية المدرسية.
التجربة الشعرية
لفت النواب الأنظار إليه منذ عام 1969 بقصيدته "قراءة في دفتر المطر"، وقد عرفه الجمهور العربي من خلال ملحمته الشعرية "وتريات ليلية" التي كتبها خلال 1972-1975، وظهر فيها ملتزما بقضايا العرب القومية السياسية والاجتماعية وأصبح تغنيه بها سمة ظاهرة في شعره.
اشتهر منذ أوائل السبعينيات بشعره السياسي المعارض والموغل في نقد الأنظمة العربية الحاكمة نقدا لاذعا يصل أحيانا مستوى "الوقاحة"، حتى لقبه بعضهم بـ"الشاعر الأخطر في حركة الشعر العربي".
فرضت على النواب قصائده السياسية الهجائية أن يكون "شاعر الغربة والضياع" فعاش أربعة عقود طريدابين المنافي العربية والأجنبية. دأب النواب على تنظيم أمسيات شعرية للجاليات العربية بالعواصم الغربية -ولا سيما لندن– ألقى فيها قصائده الكثيرة التي خصصها للقضية الفلسطينية وانتفاضتيْها (1987 و2000) والحث على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة قصيدته "القدس عروس عروبتكم".
ويرى البعض أنه تنبأ بـ"الربيع العربي" وما أعقبه من تداعيات دامية بقوله في مجموعته "وتريات ليلية": "سيكون خراباً.. سيكون خراباً.. سيكون خراباً.. هذي الأمةُ لا بد لها أن تأخذ درساً في التخريب".
أبدى تأييده لإسقاط نظام صدام حسين عام 2003 حيث أقام عدة أمسيات ابتهاجا بذلك كانت إحداها في مدينة أبو ظبي في عام 2005 كما ظهر على شاشات الفضائيات العراقية والعالمية .
وفي مايو 2011، عاد النواب -المريض بمرض الشلل الرعاشي (باركنسون)- إلى بلده العراق بعد أربعين عاما من الغياب قضاها في المنافي وقد استقبله الرئيس العراقي حينها جلال الطالباني في مكتبه بقصر السلام في العاصمة بغداد.
الأعمال الشعرية
اشتهر النواب بقصائده المسجلة بصوته على أشرطة (كاسيتات) خلال أمسياته الشعرية نظرا لطريقته الخاصة في أداء أشعاره، بحيث تتحول أبيات قصائده إلى ما يشبه المسرحية، لكنه رغم جماهيريته الواسعة لم يطبع شعره في ديوان يجمعه ما عدا شعره الشعبي الذي جُمع في ديوان "الريل وحمد"ويقال إنه طبِع دون علمه.
ويعزو النواب سبب ذلك إلى أسفاره الكثيرة وإحجام دور النشر عن التعامل معه لما يحمله شعره من نقد لاذع للحكام العرب. وهو يرى أن شعره أكثر بكثير مما ألقاه على المسارح وسُجل في الأشرطة، كما يتحدث عن ضياع عشرات القصائد الطويلة بسبب عدم تدوينها ولفقدها في حادثة غرق باخرة ليبية كانت تحمل مكتبته وأشعاره.
رفض النواب على الدوام تخليد سيرة حياته في فيلم سينمائي حيث لم يلبّ رغبة الشاعر والمخرج السوري علي سفر والكاتب السوري إبراهيم الجبين في إنتاج شريط وثائقي حول تجربته كما رفض عرضا مماثلا من القناة الفرنسية الخامسة قدمته له بداية عقد التسعينيات.
التعليقات