يرفض جنود روس العودة إلى القتال في أوكرانيا بسبب التجارب التي مروا بها على الخطوط الأمامية في بداية الغزو، وذلك بحسب ناشطي حقوق إنسان ومحامين.

يقول سيرغي، وهذا ليس اسمه الحقيقي، والذي قضى خمسة أسابيع في القتال في وقت سابق من هذا العام في أوكرانيا: "لا أريد أن أعود - أي إلى أوكرانيا - لكي أقتل أو أُقتل".

وهو الآن في روسيا، وقد حصل على مشورة قانونية من أجل تجنب العودة ثانية لخط المواجهة، وسيرغي واحد من مئات الجنود الروس الذين يُعتقد أنهم حصلوا على المشورة القانونية ذاتها.

ويعاني سيرغي من الصدمة جراء تجربته في أوكرانيا.

ويقول الجندي صغير السن بمرارة: "كنت أعتقد أننا الجيش الروسي الأقوى في العالم"، لقد كان يُنتظر منا القتال حتى بدون معدات رئيسية، مثل أجهزة الرؤية الليلية كما يروي.

وأضاف سيرغي: "كنا مثل القطط الصغيرة العمياء، أنا مصدوم من جيشنا، لن يكلف الأمر كثيرا لكي نُزود باللازم. لماذا لم يفعلوا ذلك؟"

وانضم سيرغي للجيش كمجند، ومعظم الرجال ما بين 18-27 عاما لابد أن يكملوا عاما في الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش الروسي.

قافلة روسية
Getty Images
توجهت قوافل عسكرية روسية قرب حدود أوكرانيا في 23 فبراير/شباط 2022

ولكن، بعد عدة أشهر من الالتحاق كمجند، قرر سيرغي أن يوقع عقدا لعامين للعمل في صفوف الجيش، والذي يمنحه راتبا شهريا.

وفي يناير/كانون الثاني، أُرسل سيرغي بالقرب من حدود أوكرانيا للمشاركة فيما قيل إنه مناورات عسكرية. وبعد شهر، وتحديدا في 24 فبراير/شباط شن الجيش الروسي الحرب، وطُلب منه أن يعبر الحدود، ولكن سرعان ما وجدت وحدته نفسها تتعرض للهجوم.

وعندما توقفت الوحدة ليلا في مزرعة مهجورة، قال لهم قائدهم: "حسنا، لقد تدربتم حتى الآن بما يكفي، هذه ليست مزحة".

ويقول سيرغي إنه صُدم تماما، وأضاف: "أول ما قلته لنفسي هل ما يحدث لي حقيقي فعلا؟"

كما قال إن وحدته قُصفت بشكل متواصل، أثناء التحرك أو التوقف ليلا. وقُتل عشرة أفراد من وحدته المؤلفة من 50 شخصا، كما أُصيب عشرة آخرين. وغالبية من كان في الوحدة لم يتجاوز عمره الخامسة والعشرين.

وسمع سيرغي عن مجندين روس لا يتمتعون بالخبرة إلى درجة أنهم "لم يعرفوا كيف يطلقون النيران ولا يعرفون بداية مدفع الهاون من نهايته".

وتابع المجند الروسي أن قافلته - التي كانت تتحرك شمالي أوكرانيا - انفصلت بعد أربعة أيام فقط، عندما تفجر جسر كانوا على وشك العبور من خلاله، وتسبب ذلك في مقتل زملائه المجندين أمامه.

وفي حادثة أخرى، قال سيرغي إنه كان عليه أن يتجاوز زملاءه المحاصرين في مركبة محترقة أمامه، مضيفا: "احترقت تلك المركبة بسبب قاذفة قنابل يدوية أو شيء آخر، وكان هناك جنود داخل المركبة. قدنا مركبتنا وتجاوزناها ونحن نطلق النيران. لم أنظر للخلف".

دبابة روسية في تشيرنيهيف
Getty Images
يقول أحد الجنود الروس إن عدم وجود مهمات استطلاع واستكشاف للألغام تسبب في خسائر كان يمكن تفاديها

وأردف سيرغي أن وحدته واصلت طريقها في الريف الأوكراني ولكن لم تكن لدينا أي استراتيجية واضحة. وفشل الجيش في إيصال تعزيزات لنا، وكانت معدات الجنود متواضعة من أجل إنجاز مهمة السيطرة على مدينة كبيرة.

وقال: "ذهبنا بدون دعم من المروحيات، تحركنا في شكل عمودي وكأننا في طريقنا للمشاركة في موكب".

ويعتقد سيرغي أن قادته خططوا للسيطرة على المعاقل والمدن الرئيسية بصورة سريعة، وتوقعوا بحسب حساباتهم أن يستسلم الأوكرانيون ببساطة.

يقول سيرغي: " تقدمنا بسرعة في ظل استراحات ليلية قصيرة وبدون خنادق أو استطلاع. لم نضع أي شخص في المؤخرة، حتى نتعامل مع أي شخص يتحرك لمهاجمتنا من الخلف، لم تكن هناك أي حماية. أعتقد أن العديد من زملائي ماتوا بسبب ذلك. إذا ما كنا تحركنا تدريجيا، وإذا ما كنا تحققنا من الألغام، لتفادينا الكثير من الخسائر في الأرواح".

وشكاوى سيرغي من نقص المعدات هذه ظهر مثيل لها في محادثات هاتفية يُزعم أنها جرت بين الجنود الروس وعائلاتهم، وقد رصدت أجهزة الأمن الأوكرانية هذه المحادثات ونشرتها على الإنترنت.

في بداية أبريل/نيسان، أعيد سيرغي عبر الحدود إلى معسكر على الجانب الروسي. وتم سحب القوات من شمالي أوكرانيا وبدا أنها تعيد تجميع صفوفها لشن هجوم في الشرق.

وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، تلقى سيرغي أمرًا بالعودة إلى أوكرانيا، لكنه أخبر قائده أنه غير مستعد للذهاب.

وقال إنه كان خياري، وأضاف لبي بي سي "إنهم لم (يحاولوا) أن يثنونا، لأننا لم نكن الأوائل". لكنه كان قلقًا جدا بشأن رد فعل وحدته على رفضه، لذلك قرر طلب المشورة القانونية.

وطلب محام لسيرغي واثنين من زملائه - يفكران بالطريقه ذاتها - تسليم أسلحتهم والعودة إلى مقر وحدتهم، حيث يجب عليهم تقديم خطاب يوضح أنهم "مرهقون معنويا ونفسياً"، ولا يمكنهم مواصلة القتال في أوكرانيا.

وقيل لسيرجي إن العودة إلى الوحدة مهمة لأن مجرد المغادرة يمكن تفسيرها على أنها هروب من الخدمة، مما قد يؤدي إلى عقوبة بالسجن لمدة عامين في كتيبة تأديبية.

ويحاول قادة الجيش ترهيب الجنود المتعاقدين للبقاء مع وحداتهم، وفقًا لمحامي حقوق الإنسان الروسي أليكسي تابالوف، لكنه يؤكد أن القانون العسكري الروسي يتضمن فقرات تسمح للجنود برفض القتال إذا لم يرغبوا في ذلك.

ويقول الناشط في مجال حقوق الإنسان، سيرغي كريفينكو، إنه ليس على علم بأي محاكمات لمن يرفضون العودة إلى الجبهة.

وهذا لا يعني أن الملاحقات القضائية لا تجري الآن.

دعاية للجيش الروسي
EPA
صورة على أحد المباني في موسكو لدعم الجيش الروسي

وطلب أحد القادة العسكريين في شمالي روسيا رفع قضية جنائية ضد مرؤوسه الذي لن يعود إلى أوكرانيا، لكن المدعي العسكري رفض المضي قدمًا، وفقًا لوثائق اطلعت عليها بي بي سي.

وقال المدعي العام إن مثل هذا الإجراء سيكون "سابقا لأوانه" دون تقييم الضرر اللاحق بالخدمة العسكرية التي كان مشتركا فيها.

وليس هناك ما يضمن عدم ظهور المزيد من المحاكمات في المستقبل.

والجنود مثل سيرغي - المترددون في العودة إلى خط المواجهة - ليسوا استثناءً، وفقًا لرسلان ليفيف، محرر فريق يعرف باسم Conflict Intelligence (أو معلومات الصراع)، وهو مشروع إعلامي يحقق في تجارب الجيش الروسي في أوكرانيا من خلال مقابلات سرية ومواد مفتوحة المصدر.

ويقول ليفيف إن فريقه يقدر أن أقلية كبيرة من الجنود الروس المتعاقدين الذين أرسلوا إلى أوكرانيا للقتال في الغزو الأولي رفضوا العودة مرة أخرى.

كما أبلغت وسائل إعلام روسية مستقلة عن مئات الحالات التي رفض فيها جنود إعادة نشرهم في أوكرانيا منذ بداية أبريل/ نيسان.

وقال العديد من المحامين ونشطاء حقوق الإنسان الذين تحدثت إليهم بي بي سي إنهم كانوا يقدمون بانتظام المشورة للرجال الذين يحاولون تجنب العودة إلى أوكرانيا.

بوتين في مشفى
EPA
زار الرئيس الروسي جنودا أصيبوا في المعارك في أحد المستشفيات في 25 مايو/آيار الماضي

وعلى الرغم من أن سيرغي لا يريد العودة إلى خط المواجهة، فإنه يريد إكمال خدمته العسكرية المتميزة في روسيا لتجنب أي عواقب غير متوقعة. لكن هذا يعني أنه - في حين تم قبول خطاب رفضه القتال - لا توجد ضمانات بعدم إعادته إلى أوكرانيا خلال فترة خدمته.

وقال لبي بي سي: "أستطيع أن أرى أن الحرب مستمرة، ولن تنتهي. في هذه الأشهر [من الخدمة العسكرية الإجبارية] التي تركتها، يمكن أن يحدث أي شيء، بما في ذلك الأسوأ".