إيلاف من لندن: في خضم ما يحصل في ليبيا اليوم، ومع اشتداد الصراعات بين أطرافها، خصّ محمد الرضا السنوسي، ولي العهد الليبي، "إيلاف" بحوار لخص فيه مأساة الشعب الليبي قبل إطاحة معمر القذافي، الذي انقلب على الملك إدريس السنوسي، وبعده، ليصل إلى نتيجة مفادها أن العودة إلى الملكية الدستورية هي الحل الأفضل لبلاده.

يرى ولي العهد الليبي المستقبل حاملًا آمالًا وآلامًا، وهو يود العودة إلى بلده ليعيد إليه الدستور والقانون، وليعيد الحريات والكرامة الشخصية لأبناء ليبيا جميعًا، حاثًا على إنهاء دور المليشيات المسلحة، لتُحل كلها فتلتحق بالدولة، وبذلك يكون السلاح بيد الجيش الليبي وحده. هذا ممكن، برأيه، عندما يدرك الليبيون أن الدولة قادرة على منح الأمان والأمن لأبنائها الذين يأتمنون الدولة والملك على انفسهم، وأن الدستور وحده هو ما يضمن ذلك. فدستور ليبيا، بحسبه، ينص على أن يكون الملك هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة التي يجب أن تكون في خدمة كل الليبيين، من دون محسوبيات.

وفقًا له، تعاني ليبيا تشرذماً كبيرًا وصراعات لا تنتهي على السلطة، بين اشخاص وقبائل وقادة مليشيات، وهو يشبه الوضع بمن تاه في الصحراء، فعليه أن يتوقف عن السير نحو المجهول، وأن يعود إلى النقطة التي بدأ منها كي يحدد طريقه من جديد. نقطة البداية بحسب السنوسي هي دستور 1951 الذي ينص على أن النظام الليبي ملكي دستوري، وعلى أن يكون الملك شخصية مقبولة من الجميع، وأن يُعين رئيس الحكومة من برلمان منتخب من الشعب.

في استطلاع أجراه معهد كامبردج للبحوث، تبين أن نحو 40 في المئة من الليبيين يؤيدون فكرة العودة إلى دستور 1951 أي عودة الملكية بقيادة السنوسي. وتقوم جهات دولية في الفترة الاخيرة بإجراء بحوث واستطلاعات للوقوف عن كثب على امكانية نجاح الملكية في ليبيا، خصوصًا أن الانظمة الملكية والملكية الدستورية خرجت من الربيع العربي سالمةً، من دون أن تقوم مكانها ما سمي بالجمهوريات الدمقراطية.

من هو؟

تتحدر العائلة السنوسية من سلالة النبي محمد بحسب المراجع، ويعتبر أفرادها من الاشراف، لهم مكانة خاصة في نفوس القبائل والشعوب في شمال أفريقيا والجزيرة العربية. وتحظى العائلة السنوسية بقبول واحترام بين أطياف المجتمع الليبي.

بحسب ما يعرف محمد الحسن الرضا المھدي السنوسي نفسه، إنه مواطن لیبي، ولد في طرابلس في بدایة ستینیات القرن العشرین، والده ھو ولي العهد اللیبي من عام 1956 وحتى عام 1969. شهد عهد المملكة الأول وهو بعد طفل صغیر، "ولم أدرك بحلول نھایة الستینیات أنني سأرى التحول الذي أصاب البلاد والمسار المؤلم الذي سیأخذه الوطن بعد ذلك عقودًا طويلة، بسبب التعطیل الذي أصاب الحیاة الدستوریة وبسبب الانقلاب على الشرعية".

يضيف: "فهذا الوطن أراد له مؤسسوه أن یكون منارة للعلم والتقدم والبناء، ولم یدُر في خلدهم أن تحلّ فوھات البنادق محل لغة المنطق والعقل في تسویة الخلافات مھما كانت حدتها. وأنا لا أرى نفسي الآن أو في أي وقت مستقبلي إلا قائمًا على الحفاظ على الأمانة التي أولیت إیاھا من والدي رحمه الله ومن الآباء والأجداد والمخلصين من أبناء وطني، وخادمًا مخلصًا للأمة اللیبیة التي تستحق مستقبلًا أفضل".


محمد الرضا السنوسي (يسار) ومراسل إيلاف مجدي الحلبي

التقته "إيلاف" فكان هذا الحوار:

أي حل برأيك لھذه الحرب الدامیة في ليبيا؟

لا یوجد أي لیبي الیوم إلا ویشعر بالأسى لما وصلت الیه حال البلاد في ظل صراعات طاحنة بین أطراف وفصائل وجماعات تختلف أسماؤھا وصفاتھا ومبرراتها. نبھنا منذ سنوات إلى أن أي عملیة سیاسیة تطمح إلى إقامة حكم عادل ورشید في لیبیا لا یمكنھا إلا أن ترتكز على أسس قانونیة ودستوریة سلیمة. أدى غیاب المؤسسات الراسخة والثابتة التي تستمد شرعیتھا من القانون والدستور إلى تسابق محموم من أجل الاستیلاء على السلطة والمال، ونرى منذ سنوات الجھود التي تبذلھا مختلف الأطراف الدولیة من أجل الوصول إلى تسویة بین ھؤلاء المتصارعین. على الرغم من مرور سنوات عدة، وبعد عدد من الاتفاقات واللقاءات والحكومات، ما زالت لیبیا تعاني. قد ینظر البعض إلى أن من الأفضل التعاطي مع من یملك القوة على الأرض والتعامل بشكل "عملي" مع ھذه الأطراف للوصول إلى حلول دائمة، لكن ربما يغفلون أن للكلمة وقعًا أشد من صلیل السیوف، ولن یكون ھناك كلمة سواء قبل الاتفاق على الاحتكام إلى قوة الدستور والقانون.

دستوريًا، ھل لیبیا جاھزة للعودة إلى ما قبل القذافي؟

لیبیا كما حال الأمم لن تعود إلى الوراء، بل ستمضي بأمل وثقة نحو المستقبل متسلحة بقوة الحق الذي یضمنه الدستور والقانون. الدستور اللیبي لیس ماضیًا مُسح بانقلاب، بل ھو وثیقة قانونیة حافظت على الشكل الشرعي للدولة في لیبیا. ھذه الوثیقة لم تسقط بتقادم الزمن، بل ظلت محافظة على قوتھا، من الناحیة القانونیة أو التاریخیة، لكننا لا نسعى هنا إلى إعادة دولة الماضي بل نسعى إلى ملكیة دستوریة دیمقراطیة تواكب التطور وتمنح المظلة المناسبة لأبنائھا جمیعًا من دون استثناء، لتحقق آمالھم وتطلعاتھم. نطمح لاستكمال ما بدأه اللیبیون عندما ناضلوا من أجل استقلالھم الذي تحقق في ذلك الزمان، ونحن على ثقة بأننا نستطیع سویًا الوصول إلى ھذا المبتغى.

ھل يمكن القوى الفاعلة الیوم أن تنتظم في دستور ملكي دیمقراطي؟

أعتقد أن المخلصین من أبناء وطني، من كان منھم راغبًا في إطار ملكي للدولة أو من یختلف مع ھذا الطرح، لا یمكنھم إلا أن یتعاطوا بتعقل وتفھم مع ما تقتضیه مصلحة البلاد من جمع للكلمة ونبذ للتفرقة والوقوف على مسافة واحدة من بعضنا بعضًا، من دون أي أفكار أو مواقف مقررة سلفًا خلا ما یصب في مصلحة الوطن وأبنائه. كانت المملكة اللیبیة بدستورھا حاضنة للجمیع، وهكذا ستكون دائمًا، وتستطیع أن توفر لكل التوجھات السیاسیة الفرصة لممارسة حقھا في إطار القانون تحت مظلة الممارسة الدیمقراطیة التي لا تلغي أي طرف على حساب طرف آخر.

علاقاتنا بالسعودية وطيدة

كيف یمكن إخراج لیبیا من ھذا الوضع؟

أولًا، يجب أن تصل الأطراف المتصارعة في لیبیا الیوم إلى قناعة حقیقیة مفادها ألا طائل وراء الاستمرار في ھذا المسار العبثي الذي لن یزید البلاد إلا فرقةً ومقدراتھا إلا تبدیدًا. أشرنا في عدة مناسبات برسائل موجھة مباشرة إلى المواطنین اللیبیین بكل اتجاھاتھم إلى أن الشرعیة الدستوریة المتمثلة في المملكة اللیبیة ھي نقطة البدایة التي یجب أن یتفق علیھا الجمیع، حتى تستطیع البلاد أن تخطو نحو طریق یستعید من خلاله المواطنون الأمن والسلام. لیس ھناك خیارات أو حلول سھلة أو بسیطة للأزمة في بلادي. بالتأكید، المعالجات التي تمت تجربتھا من قبل لن تؤدي إلى نتیجة مختلفة لأنھا لم تضع نصب عینيھا الحاجة إلى حل ینسجم مع واقع لیبیا وتركیبتھا وتاریخھا وھویتھا الوطنیة، إنما حاولت تطبیق قوالب جاھزة، بینما نملك في لیبیا تجربة تاریخیة غنیة تتمثل في إنشاء الدولة والمملكة على أساس قانوني وشرعي سلیمين، وھذا ساھم في نجاحھا. مع اختلاف الظروف والواقع الذي نعیشه الیوم، نستطیع أن نستلھم تجارب الآباء والأجداد، وأن نرسم طریقًا للمستقبل.

ھل من قوى دولیة تدعم فكرة العودة إلى دستور 1951؟

لنا علاقات واتصالات طیبة بمختلف الدول والمنظمات والقوى الدولیة ونؤكد في نقاشاتنا مع الجمیع أنه لا بد من أن یساھم المجتمع الدولي في دعم الشعب اللیبي لیستطیع تحقیق التوافق والاستقرار اللازمین لبناء الدولة. وأكدت في رسالة مباشرة نشرت في صحیفة "وول ستریت جورنال" مؤخرًا ھذه المسألة الحیویة. لكنني أعتقد أن الدعم الحقیقي الذي ننشده ھو دعم الشعب اللیبي نفسه لمطلب إنھاء الاقتتال والصراع، ومكونات الأمة اللیبیة قادرة على أن تفرض كلمتھا، ان أعطیت لھا الفرصة لإعلاء صوتھا الذي كتم طویلًا.

كیف تصف علاقتكم بالدول العربیة؟

ننظر إلى دول العالم أجمع نظرة المودة والصداقة، ولا نتطلع في ھذا الزمان الذي أصبحت فیه شعوب العالم جزءًا من قریة عالمیة واحدة، إلا إلى علاقات مثمرة وبناءة تساھم في بناء بلادنا ومجتمعنا، والبلاد العربیة كافة ھم أشقاء لنا تجمعنا بهم روابط ووشائج عدة، دینیة أو اجتماعیة أو لغویة. ونؤمن بأننا نحتاج إلیھم كما یحتاجون إلینا، ونتطلع لتعاونھم ودعمھم كما یتطلعون إلى تعاوننا ودعمنا، لیصب ھذا كله في النھایة في مصلحة شعوبنا ومواطنینا الذین یطمحون للعیش بسلام ورخاء، وھذا ھو منھجنا من دون استعلاء أو تفریط.

كیف ترى دور السعودیة في إخراج لیبیا من مأزقھا؟

للمملكة العربیة السعودیة المكانة المتمیزة في العالم، ونحمل لھا ولشعبھا وقیادتھا كل التقدیر والمحبة. نتطلع بكل أمل وثقة إلى الدور الإیجابي الذي تؤديه المملكة في مساعدة بلادنا وشعبنا على التخلص من المحنة التي حلت بنا خلال السنوات القلیلة الماضیة، وھذه الثقة مردودة إلى العلاقات الطیبة التي تعود إلى زمن الملك المؤسس عبد العزیز آل سعود رحمه الله، كما تعززت ھذه العلاقة مع بدایة عھد الاستقلال وتأسیس المملكة اللیبیة، وما زلنا نتذكر زیارة الملك سعود بن العزیز آل سعود رحمه الله إلى لیبیا في منتصف خمسینيات القرن الماضي، والاستقبال الذي تقدمه الملك ادریس السنوسي رحمه الله آنذاك، فالعلاقة قدیمة ومتمیزة، ونتابع ما وصلت إلیه المملكة الآن من تقدم وتطور ورخاء في ظل القیادة السعودیة الرشیدة.

التعويل على الليبيين أنفسهم

أتعولون على القوى الخارجیة أم على اللیبیین والعرب؟

نرى دائمًا أن التعویل لا یكون إلا على الشعب اللیبي وإرادته الحرة. فھو الذي یستطیع إن أعطیت له الفرصة أن یحدد ما یرتضیه لنفسه، ونحن على ثقة من صواب ھذا التوجه. الشعب اللیبي كبقية شعوب العالم یرید التقدم لبلاده والخیر والنماء لأجیاله القادمة، لكن یقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولیة دعم ھذا القرار اللیبي وتوفیر الظروف الملائمة لأبنائه كي یعبروا عن إرادتھم بحریة بعیدًا عن التأثیرات والتدخلات السلبیة. وكان للمجتمع الدولي والأمم المتحدة في الماضي الدور البناء إبان عھد الاستقلال، وترك للیبین آنذاك المجال لأن یرسموا الطریق الذي یرتضونه لبلادھم.

ھل لدیكم اتصالات بالأطراف الفاعلة في لیبیا؟

لنا اتصالات مستمرة لم تتوقف مع جمیع شرائح ومكونات المجتمع اللیبي من دون استثناء. نحن لا نفرق بین المواطنین على أساس التوجه أو الأفكار أو الأصول أو الأعراق. فالجمیع لیبیون. وتركنا منذ البدایة بابنا مفتوحًا أمام الجمیع، من أراد بوطنه وأخواته واخوانه خیرًا فنحن معه، لكننا لسنا طرفًا في الصراع الدائر على السلطة والمال، ونسعى مه المخلصین من أبناء بلادنا إلى إنھائه ووقف العبث الذي حول حیاة مواطنینا إلى جحیم، والانطلاق بالدستور والقانون اللذين یمثلان بدایة الطریق نحو الدولة التي ننشد.

كیف یمكن استغلال أزمة النفط العالمیة لخلق استقرار في لیبیا والنھوض بالبلد؟

لیس ھناك أسوأ مما یعانیه المواطنون في لیبیا من أزمات طالت جمیع مناحي الحیاة. إنه وضع لا یطاق، وقد تحمله اللیبیون سنوات، وآن الأوان أن ینتھي. عندما نصل إلى نھایة مرضیة وفعالة لأزمات وطننا، ستكون لیبیا عاملًا مساعدًا وقادرًا، برفقة جیراننا وأشقائنا وأصدقائنا في كل مكان، للمساعدة في جعل العالم مكانًا أكثر استقرا ًر وأمنًا.

ماذا ترید ان تقول للیبیین؟

أتوجه دائمًا إلى المواطنین في بلادنا في كل مناسبة بالدعوة إلى أن یمدوا أیدیھم بعضھم إلى بعض، وأن ینفضوا عنھم وعن بلادھم ألم ومعاناة السنوات الماضیة، وأن یكونوا دائمًا على ثقة بأن المستقبل سیكون أفضل، متسلحین في ھذا بإیمان عمیق. للشعب اللیبي القدرة والإرادة التي تمكنه من أن یقول كلمته التي تعبر عن تاریخه ومبادئه وعراقته وتطلعه لأن یمھد الطریق لأن تكون بلادنا في مصاف الأمم المتقدمة، وأن تعیش أجیالنا المستقبلیة في أرض یسودھا السلام والوئام.