تحليل أوروبي يدعو إلى تجنب دعم انتخابات مبكرة في العراق، لمجرد أن مقتدى الصدر غير راضٍ عن نتيجة عملية تشكيل الحكومة، ويهدد باستخدام العنف.

إيلاف من بيروت: أمضى السياسيون العراقيون معظم العام الماضي يحاولون تشكيل حكومة. اشتد الإحباط العام من فشلهم في القيام بذلك، ما زاد من التحديات بوجه شرعية الدولة العراقية. انتقل الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر من قيادة جهود تشكيل الحكومة إلى الدعوة إلى إطاحة النظام السياسي منذ يوليو، دأب أنصاره على اقتحام البرلمان واحتلاله، ويطالبون الآن بانتخابات مبكرة جديدة. في المقابل، ينادي خصوم الصدر بالحوار على أمل منع المزيد من التصعيد بإقناعه بالعودة إلى العملية السياسية. نظرًا إلى خطورة المأزق الحالي، يبدو أن الانتخابات المبكرة هي النتيجة الأكثر ترجيحًا للنزاع. لكن هناك احتمال ضئيل أن يوفر مثل هذا التصويت طريقا حقيقيا للمضي قدما.

بالنظر إلى أن الانتخابات البرلمانية العراقية في أكتوبر 2021 شهدت نسبة إقبال منخفضة، فإن انتخابات أخرى قد تؤدي إلى تأكل ما تبقى من ديمقراطية البلاد – خصوصًا إذا تم إجراؤها لمجرد إرضاء الصدر. انخفض الإقبال بشكل مطرد منذ ظهور حركة المقاطعة في انتخابات 2018. في أكتوبر 2021، بلغ الإقبال 43.54 في المئة بشكل عام و 33.88 في المئة فقط في بغداد. لا سبب للاعتقاد أن انتخابات مبكرة أخرى ستعكس هذا الاتجاه. بدلًا من ذلك، ستزيد من ترسيخهيمنة الأحزاب التي يرتبط فسادها وشبكاتها المحسوبية بالسيطرة على الوزارات الحكومية. في بيئة تتسم بخيبة أمل واسعة، فإن أولئك الذين استفادوا من هذه الشبكات هم وحدهم من سيشعرون بأنهم مجبرون على التصويت.

يحدد الدستور العراقي الجدول الزمني لتشكيل الحكومة، لكن لا آلية لإجراء انتخابات أخرى عندما تفشل هذه العملية. حاول الصدر تحريض القضاء لحل البرلمان، من دون جدوى. ويبدو أنه نادم على إجبار النواب الذين يسيطر عليهم على الاستقالة. يهدف الآن إلى استعادة سلطته البرلمانية بينما يبدو أنه قام بتغييرات ثورية في النظام السياسي. لذلك، ستأتي انتخابات مبكرة أخرى استجابة لمكائده بدلًا من احتجاجات عضوية أكثر من النوع الذي أدى إلى تصويت 2021. إن الانصياع لضغوط الصدر وأتباعه بطريقة غير دستورية لن يؤدي إلا إلى الإضرار بالديمقراطية العراقية.

أمر محير

بالنسبة إلى المراقبين الذين ليسوا على دراية بالعراق أو الصدر، يجب أن يكون الأمر محيرًا لماذا يجبر زعيم سياسي فاز حزبه بمقاعد برلمانية أكثر من أي من منافسيه نوابه على الاستقالة والضغط من أجل انتخابات أخرى. مع ذلك، شعر على الأرجح أنه بحاجة إلى التصرف بناءً على تهديده بإخراج نوابه من البرلمان ويأمل الآن في الفوز بأغلبية مطلقة أو على الأقل استعادة ما تخلى عنه.

عادة ما يهدد الصدر بمقاطعة العملية السياسية، وغالبا ما يفعل ذلك قبل الانتخابات مباشرة، فيناشده القادة السياسيون الآخرون البقاء. لكن، هذه المرة، شرع أعضاء البرلمان الجدد من دونه في أداء اليمين وإعداد مرشح لرئاسة الوزراء. رفض عرضهم اللاحق للحوار، مدعيا أنه مخادع.

شملت إستراتيجية الصدر جعل خطابه الثوري يتردد صداه بين الشيعة العراقيين خلال موكب عاشوراء. كان يأمل في بدء حركة احتجاجية مماثلة لتلك التي أدت إلى انتخابات العام الماضي. لكن المحاولة باءت بالفشل لأن معظم العراقيين يدركون الطرق التي يستخدم بها الصدر وأتباعه المشاغبون الفساد والعنف لتحقيق أهدافهم السياسية. تُرك الصدر في موقف ادعى فيه أنه يتحدث نيابة عن العراقيين العاديين، لكنه في الواقع كان مجرد شخصية قوية تجرد شرعية الدولة في محاولة لتصبح الزعيم السياسي الأعلى للشيعة في العراق.

لا كتلة وازنة

إذا كان هناك انتخابات مبكرة أخرى، فإن مرشحًا توفيقيًا غير منتخب مثل مصطفى الكاظمي سيرأس حكومة مؤقتة أخرى تعمل على إطالة أمد الانقسام والاستقطاب السياسي في العراق. فالكاظمي يفتقر إلى الدعم البرلماني الذي يحتاجه لتنفيذ الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها. مع ذلك، لا توجد كتلة سياسية لديها حاليًا الوزن الكافي لفرض مرشحها على البرلمان.

هناك القليل مما يوحي بأن الصدر سيؤمن أغلبية برلمانية في اقتراع جديد. في الواقع، يمكن خصومه الحصول على المزيد من المقاعد إذا حلوا بعض المشاكل التنظيمية التي عانوها في عام 2021. في الوقت نفسه، مرجح أن يكون أداء المرشحين المستقلين غير الحزبيين والأحزاب السياسية الجديدة أسوأ مما فعلوا في العام الماضي، لأنهم سيفتقرون إلى زخم سياسي توفر في احتجاجات أكتوبر 2021.

لدى العديد من السياسيين والناخبين العراقيين انطباع خاطئ بأن المجتمع الدولي مستعد للتوسط في حل وسط. على سبيل المثال، انتقد الصدر علنًا بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق بعد أن تجاهلت طلبه لها الإشراف على حوار بين حركته وخصومها. مع ذلك، مهم للاستقرار طويل الأمد للعراق - وبالتالي المنطقة - أن يحقق العراقيون إجماعًا بأنفسهم، وليس من خلال تدخل أجنبي.

على الأوروبيين تجنب الإشارة إلى السياسيين العراقيين بأنهم سيدعمون إجراء انتخابات مبكرة لمجرد أن هذا الزعيم السياسي غير راض عن نتيجة عملية تشكيل الحكومة ويهدد بالعنف ردًا على ذلك. على الرغم من أن الانتخابات المبكرة آلية مناسبة لحل المأزق في العديد من الديمقراطيات، فإنها لا تستطيع معالجة نقاط الضعف الهيكلية في النظام السياسي العراقي. مع فقدان الشعب العراقي الثقة منذ فترة طويلة بالقادة السياسيين، ضروري أن يتجنب المجتمع الدولي التغاضي عن محاولاتهم الفاضحة لتقويض العملية الانتخابية.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"