بغداد: انسحب أنصار مقتدى الصدر الثلاثاء من المنطقة الخضراء في بغداد بعد أن أمهلهم زعيمهم ستين دقيقة لوقف كل الاحتجاجات، مندّداً باستخدامهم العنف بعد مواجهات بينهم وبين القوى الأمنية وأفراد الحشد الشعبي أسفرت عن مقتل 23 منهم خلال 24 ساعة.

وفور بدء الانسحاب، أعلن الجيش رفع حظر التجوّل الذي أعلنه الاثنين في البلاد الغارقة في أزمة حادة سياسية واقتصادية منذ الانتخابات النيابية التي جرت في 21 تشرين الاول/أكتوبر 2021.

بدأت المواجهات التي استخدمت فيها الأسلحة الآلية والقذائف الصاروخية الاثنين بعد نزول أنصار الصدر الى الشوارع غاضبين، إثر إعلانه اعتزاله السياسة "نهائياً". وتلت ذلك فوضى عارمة تطورت الى اشتباكات.

وقال الصدر في مؤتمر صحافي عقده في النجف "إذا لم ينسحب كل أعضاء التيار الصدري خلال ستين دقيقة من كل مكان، حتى من الاعتصام، أنا أبرأ منهم ... بغض النظر من كان البادىء أمس، أمشي مطأطأ الرأس وأعتذر للشعب العراقي الذي هو المتضرر الوحيد مما يحدث".

وأضاف "أنا أنتقد ثورة التيار الصدري. بئس الثورة هذه... بغض النظر عمن هو البادىء. هذه الثورة ما دام شابها العنف، ليست بثورة".

فور انتهاء ندائه، بدأ أنصاره ينسحبون من المنطقة الخضراء في العاصمة التي تضمّ المؤسسات الرسمية والسفارات وتعتبر محصنة أمنيا. وسكت صوت السلاح.

وقعت لمواجهات بين "سرايا السلام" التابعة لمقتدى الصدر من جهة وقوى أمنية وفصائل من الحشد الشعبي موالية لإيران تشكل جزءا من القوات العراقية الرسمية.

وقتل خلال المواجهات في المنطقة الخضراء 23 من أنصار الصدر بالرصاص، وفق مصدر طبي. وجرح 380 آخرون.

ضبط النفس

وندّد الإطار التنسيقي، القوة الثانية في البرلمان بعد التيار الصدري والذي يضم ممثلين عن فصائل في الحشد الشعبي وأحزاب أخرى بينها ائتلاف "دولة القانون" برئاسة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، بـ"مهاجمةِ عناوين الدولةِ المختلفة، بما فيها مجلس القضاء والقصر الحكومي ومقر مجلس الوزراء وغيره، وتعطيل ومهاجمة مؤسساتِ الدولةِ"، في إشارة الى اقتحام أنصار الصدر هذه المؤسسات في مناطق مختلفة.

وأكد الوقوف "مع الدولة ومؤسساتها"، ودعا "جميع الفعاليات دينيةً وسياسيةً واجتماعيةً الى التدخلِ والمبادرة من أجل درءِ الفتنة، وتغليب لغة العقلِ والحوار، وتجنيب البلد مزيداً من الفوضى وإراقة الدماء". كما دعا التيارِ الصدري "الى العودةِ الى طاولةِ الحوار والعمل مع اخوانهم من أجل الوصول الى تفاهماتٍ مشتركة".

ودعت الولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة الى ضبط النفس.

يشهد العراق أزمة سياسية حادة منذ انتخابات 2021 بعد فشل أقطاب السياسة العراقية في الاتفاق على اسم رئيس جديد للحكومة، كما فشل البرلمان في انتخاب رئيس جديد.

ويلتقي مقتدى الصدر والإطار التنسيقي على أن حلّ الأزمة يكمن في تنظيم انتخابات جديدة. لكن الصدر يريد حل البرلمان قبل كل شيء، بينما يريد أنصاره تشكيل حكومة أولا.

وتصدّر التيار الصدري نتائج الانتخابات الأخيرة ليشغل 73 مقعداً (من 329 هو مجموع مقاعد البرلمان)، لكن لم تكن لديه غالبية تمكنه من تشكيل حكومة. وبسبب الفشل في الاتفاق على صيغة حكومية، أعلن الصدر في حزيران/يونيو استقالة نوابه من البرلمان.

ومنذ قرابة الشهر، كان أنصاره يعتصمون قرب البرلمان مطالبين بحلّ مجلس النواب وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة من أجل السير بالبلاد على طريق الإصلاحات.

ويدعو الصدر إلى "إصلاح" أوضاع العراق من أعلى هرم السلطة إلى أسفله وإنهاء "الفساد" الذي تعاني منه مؤسسات البلاد.

اعتزال العمل السياسي

وغالباً ما يعلن الصدر الذي يتمتع بنفوذ كبير في العراق مواقف مفاجئة يعود ويتراجع عنها أحياناً. وهو لم يتوقف عن التصعيد في الأسابيع الأخيرة؛ فقد خيم أنصاره خارج البرلمان وأغلقوا لفترة وجيزة المنافذ إلى مجلس القضاء الأعلى.

وقال الصدر في بيان مقتضب الاثنين "إنني الآن أعلن الاعتزال النهائي" للعمل السياسي. كما أعلن إغلاق كافة المؤسسات المرتبطة بالتيار الصدري "باستثناء المرقد الشريف (لوالده محمد الصدر المتوفى عام 1999)، والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر".

ورداً على سؤال طرح عليه خلال المؤتمر الصحافي الثلاثاء عما سيحصل لاحقاً، رفض الصدر الرد قائلاً إنه "لا يتعاطى السياسة".

وتشوب علاقة الصدر بإيران التي تتمتع بنفوذ كبير في العراق، الضبابية. فهو عاش لفترة طويلة في إيران، لكنه يتمسك في الوقت نفسه بشيء من الاستقلالية على الصعيد الوطني الداخلي.