باريس: في الخامس من أيلول/سبتمبر 1972، اقتحم ثمانية مسلحين فلسطينيين مقر الفريق الإسرائيلي الرياضي في القرية الأولمبية وأطلقوا النار على اثنين من أفراده فقتلوهما، ثم احتجزوا تسعة إسرائيليين آخرين رهائن، مهددين بقتلهم ما لم يتم إطلاق سراح 232 أسيرًا فلسطينيًا.

وانتهت العملية بمقتل 11 رياضيًا إسرائيليًا وشرطي ألماني وخمسة من أفراد الكوماندوس، وكانت وكالة فرانس برس أول من أعلن الخبر.

كان يوم ثلاثاء، اليوم الحادي عشر لدورة الألعاب الأولمبية التي كانت تحمل شعار "ألعاب الفرح"، والهدف جعل الناس ينسون دورة أولمبياد برلين عام 1936 التي جرت في ظلّ الحكم النازي.

عند الفجر، تسلّق ثمانية رجال يرتدون ملابس رياضية ويحملون حقائب رياضية السياج حول القرية الأولمبية وتوجهوا إلى 31 شارع كونولي حيث كان يقيم الفريق الإسرائيلي.

اعتقد الذين التقوا بالرجال الثمانية أنهم رياضيون عائدون من "نزهة" ليلية في المدينة.

اقتحم الرجال الملثمون بأوشحة سوداء والمسلّحون شقة الإسرائيليين. قُتل المدرّب موشيه واينبرغ ورافع الأثقال يوسف رومانو. تمكّن البعض من الفرار، لكن تمّ احتجاز تسعة رياضيين في المكان وقُيّدت أيديهم خلف ظهورهم.

وأبلغت عاملتا تنظيف في المحيط بأنهما سمعتا إطلاق نار.

وروى شاهد كان يسكن في المبنى نفسه الذي كان يقيم فيه الفريق الإسرائيلي، لوكالة فرانس برس، "كانت الساعة بين الرابعة والخامسة صباحًا (...) عندما فتحت باب منزلي، رأيت على الدرج رجلًا في ثياب مدنية يعتمر قبّعة ويحمل سلاحا رشاشا".

وكتب يومها صحافيو وكالة فرانس برس "بُعيد الساعة السابعة صباحًا بتوقيت غرينتش (الثامنة صباحًا بالتوقيت المحلي)، انتشر ثلاثة آلاف شرطي في القرية الأولمبية وحولها. وصل القنّاصون وحاصروا المبنى".

صباحًا، تبنّت العملية منظمة "أيلول الأسود" الفلسطينية التي كانت نفّذت عمليات عدة في السابق. طالب الكوماندوس بالإفراج عن أكثر من 200 سجين فلسطيني في إسرائيل - الأمر الذي رفضته حكومة غولدا مئير - مقابل عدم إعدام الرهائن في ميونيخ.

وأُرجئ تنفيذ التهديد عدة مرات خلال النهار فيما كانت تجري مفاوضات بين سلطات ألمانيا الغربية ومحتجزي الرهائن.

استمرار المباريات

خلال هذا الوقت، تجمّع آلاف الأشخاص حول القرية الأولمبية.

واستمرت المباريات كالمعتاد من الصباح الباكر. عند الساعة 15,50 بالتوقيت المحلي، أوقفت السلطات الألعاب لمدة 34 ساعة في سابقة في تاريخ الألعاب الأولمبية.

بُعيد الساعة العاشرة مساءً، نُقل المسلحون الفلسطينيون والرهائن التسعة بباص إلى مروحيتين متجهتين إلى مطار فورستنفيلدبروك العسكري قرب ميونيخ. واستقل مسؤولون ألمان مروحية ثالثة.

أقنع المفاوضون الخاطفين بالذهاب إلى المطار للسفر إلى القاهرة على متن طائرة تمّ تأمينها لهم. في الحقيقة، كان من المخطط أن تتدخّل الشرطة في المطار حيث تمركز خمسة قناصين بهدف السيطرة على الكوماندوس وتحرير الرهائن.

وحصل إطلاق نار تواصل الى أن ألقى أحد الفدائيين قنبلة يدوية على مروحية انفجرت واشتعلت فيها نيران.

قرابة منتصف الليل، أكّد المتحدث باسم الحكومة الاتحادية كونراد أهليرس أن "عملية استعادة الرهائن تكلّلت بنجاح". وقالت الشرطة إن "جميع الرهائن سالمون".

غير أن الصحافيين المتواجدين في المكان لاحظوا في الوقت عينه أن "المعركة مستمرة".

وكتبت حينها وكالة فرانس برس "هناك رشقات من أسلحة رشاشة تُسمع من وقت لآخر وطلقات متفرقة أيضًا، ربما من القناصين".

محاولة للتمويه

وبينما أعلنت الشرطة عن مؤتمر صحافي في ميونيخ، قرّر أحد مراسلي وكالة فرنس برس المتواجدين في المطار شارل بييتري، البقاء في المكان مع صحافييْن يكتبان في جرائد فرنسية، إذ اشتبه في وجود محاولة للتمويه.

روى لاحقًا أنه رأى ليلًا "رجلًا يرتدي بزة وربطة عنق وعلى وجهه دموع". كان الرجل رئيس بلدية ميونيخ جورج كروناويتر الذي قال حينها بالألمانية "ضاع كلّ شيء، كل الرهائن ماتوا".

التقى بييتري بزوجيْن نقلاه بسيارتهما إلى كشك الهاتف حيث اتصل بوكالة فرانس برس. ويقول "الأفظع كان سماع أناشيد الفرح من إسرائيل" حيث كان يُعتقد أنه تمّ إنقاذ الرهائن.

عند الساعة 02,16 بالتوقيت المحلي، أعلنت وكالة فرانس برس لمشتركيها حول العالم أن "جميع الرهائن قُتلوا". ولم تؤكّد السلطات الألمانية هذه المعلومة الحصرية حينها إلّا بعد 56 دقيقة.

قُتل بذلك 11 إسرائيليًا هم الرهائن التسعة، والرياضيان اللذان قُتلا في بداية العملية. وسقط شرطي من ألمانيا الغربية في تبادل إطلاق النار. كما قُتل خمسة من أفراد الكوماندوس واعتقل الثلاثة الآخرون.

رغم الغضب الذي أثاره إخفاق الشرطة، أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية صباح السادس من أيلول/سبتمبر أن "الألعاب الأولمبية مستمرّة".

وقال رئيس اللجنة أفيري برونديج "لا يمكننا السماح لحفنة من الإرهابيين بتدمير جوهر التعاون الدولي هذا والإرادة الحسنة التي تجسدها الألعاب الأولمبية".