في مكالمات هاتفية مع الأصدقاء والأقارب في الداخل، قدم الجنود الروس روايات داخلية دامغة عن إخفاقات ساحة المعركة وإعدامات المدنيين، وانتقدوا قادتهم بعد أسابيع فقط من الحملة للسيطرة على كييف.
إيلاف من بيروت: كان من المفترض أن تسقط العاصمة الأوكرانية في غضون أيام. لكن بعد أن ابتلي الروس بالأخطاء التكتيكية والمقاومة الأوكرانية الشرسة، سرعان ما توقف تقدم الرئيس فلاديمير بوتين المدمر، وتعثرت قواته في مارس على مشارف المدينة. من الخنادق والحفر وفي المنازل المحتلة في المنطقة المحيطة ببوتشا، وهي ضاحية غربية من كييف، عصى الجنود الروس الأوامر بإجراء مكالمات غير مصرح بها من هواتفهم المحمولة إلى زوجاتهم وصديقاتهم وأصدقائهم وآبائهم على بعد مئات الأميال من خط المواجهة.
ثمة من كان يستمع إليهم.. إنها الحكومة الأوكرانية. وقد حصلت صحيفة "نيويورك تايمز" حصريا على تسجيلات لآلاف المكالمات التي أجريت طوال مارس واعترضتها وكالات إنفاذ القانون الأوكرانية. تحقق الصحفيون من صحة هذه المكالمات من خلال الرجوع إلى أرقام الهواتف الروسية مع تطبيقات المراسلة وملفات تعريف وسائل التواصل الاجتماعي لتحديد الجنود وأفراد الأسرة. أمضت الصحيفة شهرين في ترجمة التسجيلات.
أخطاء استراتيجية
لم يتم الإعلان عن الدعوات التي أطلقها عشرات المقاتلين من الوحدات المحمولة جوا والحرس الوطني الروسي من قبل وتعطي نظرة داخلية للجيش في حالة من الفوضى بعد أسابيع فقط من الحملة. ويصف الجنود أزمتهم في الروح المعنوية ونقص في المعدات، ويقولون إنهم كذبوا بشأن المهمة التي كانوا يقومون بها، وكلها ظروف ساهمت في الانتكاسات الأخيرة للحملة الروسية في شرق أوكرانيا.
تتراوح المحادثات بين الدنيوية والوحشية، وتشمل انتقادات حادة لبوتين والقادة العسكريين، وهي ملاحظات قد يعاقب عليها القانون الروسي إذا تم التعبير عنها علنا في الداخل. ويشكو الجنود من أخطاء استراتيجية ونقص حاد في الإمدادات. وهم يعترفون بأسر وقتل المدنيين الأوكرانيين، ويعترفون علنا بنهب المنازل والشركات الأوكرانية. ويقول كثيرون إنهم يريدون إنهاء عقودهم العسكرية، ويدحضون الدعاية التي تبثها وسائل الإعلام الروسية في الوطن بالحقائق الصارخة للحرب من حولهم.
إنه أحمق
في غضون أسبوعين من الغزو، يبدو أن الجنود يدركون أن كييف بعيدة المنال. بعد أن نصبت القوات الأوكرانية كمائن وقطعت طريق الوصول الرئيسي إلى العاصمة، أخبر الجنود الروس أقاربهم أن الاستراتيجية العسكرية تفشل. إنهم يعبرون عن دهشتهم من القوات الأوكرانية 'المحترفة' وغالبا ما يستخدمون مصطلح 'خوخول'، وهو افتراء موجه إلى الأوكرانيين. يقول شخص يدعى يفغيني بصراحة: 'نحن نخسر'. وقال جندي اسم أليكسندر: "بوتين أحمق، يريد أن يحتل كييف وهذا مستحيل". ويصف الجنود الأخطاء التكتيكية ويشكون من افتقارهم إلى الأسلحة والمعدات الأساسية، مثل أجهزة الرؤية الليلية والسترات الواقية من الرصاص الفعالة.
نيكيتا، جندي في الفوج 656 من الحرس الوطني، يخبر شريكه أن 90 رجلا قتلوا حوله عندما تعرضوا لكمين. على هاتف مشترك بين أعضاء الفوج 331 المحمول جوا، يقدر جندي يدعى سيميون أن ثلث فوجه قد أبيد. ويصف آخر صفوفا من التوابيت تحتوي على جثث 400 مظلي شاب ينتظرون في حظيرة المطار إعادتهم إلى ديارهم. كما أفاد جنود الفوج 331 المحمول جوا أن الكتيبة الثانية بأكملها المكونة من 600 جندي قد تم القضاء عليها. يخبر جندي يدعى أندريه والده أن أكثر من نصف فوجه قد 'رحل'. يقولون إن قائد الفوج، سيرغي سوخاريف، قتل أيضًا في القتال.
وفيات متزايدة
في روسيا تكشف المكالمات الهاتفية أن الوفيات المتزايدة بدأت تتردد أصداؤها في البلدات العسكرية، حيث تتبادل المجتمعات والعائلات المتماسكة أخبار الإصابات. ويصف الأقارب صفوفا من الجثث والتوابيت تصل إلى مدنهم، بينما يحذر الجنود من أن المزيد من الجثث ستعود قريبا. أخبرت إحدى النساء زوجها أن جنازة عسكرية كانت تقام كل يوم في ذلك الأسبوع. في حالة صدمة، تقول بعض العائلات إنها بدأت في رؤية علماء النفس. وأخبر جندي من الفوج 331 المحمول جوا يدعى أندريه زوجته أنه هدد بقتل رجل أوكراني مخمور وإلقاء جثته في الغابة حيث لن يجدها أحد. في وقت لاحق، يقول سيرجي إن قائدا أمرهم بأن يفعلوا الشيء نفسه.
ويشكو جنود آخرون من درجات الحرارة المتجمدة وقضمة الصقيع وظروف النوم القاسية والإخفاقات اللوجستية. ويقول جنود إنهم داهموا متجرا للجزارة وقتلوا دجاجا وخنازير صغيرة ونعامة للحصول على الطعام. ويخشى العديد من الجنود من العواقب، قائلين إنهم أخبروا – أحيانا من قبل قادتهم – أنهم قد يواجهون الملاحقة القضائية والسجن.
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية
التعليقات