السليمانية (العراق): بينما تعصف التظاهرات بإيران، قصفت طهران إقليم كردستان العراق مستهدفةً المعارضة الكردية الإيرانية المنفيّة منذ عقود والتي تكافح ضدّ تهميش الأقلية الكردية في بلدها والتمييز الذي تواجهه.

وتصنّف الجمهورية الاسلامية التنظيمات المسلّحة الكردية التي تتواجد في العراق منذ ثمانينات القرن العشرين، بأنّها "إرهابية" وتتهمها بشنّ هجمات على أراضيها.

ووصل الأمر إلى حد أن مسؤولاً عسكرياً إيرانياً اتهم تلك التنظيمات المعارضة بالتواطؤ في "أعمال شغب" خلال الحركة الاحتجاجية الضخمة التي تشهدها إيران منذ منتصف أيلول/سبتمبر بعد وفاة الشابة الكردية مهسا أميني خلال توقيفها من قبل شرطة الأخلاق.

ويرى عادل بكوان مدير المركز الفرنسي للأبحاث حول العراق، أنه كان لا بدّ من "إيجاد عدو"، مشيراً إلى أن "الحلقة الضعيفة التي يمكن ضربها دون عواقب أو ضوابط، هم الأكراد".

وفي 28 أيلول/سبتمبر، تعرّض إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي في شمال العراق، لوابل من الصواريخ الإيرانية التي استهدفت مواقع للتنظيمات الكردية الإيرانية، أسفرت عن 14 قتيلاً و58 جريحاً، بينهم مدنيون وأطفال.

وكرّر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني الاثنين الاتهامات ضدّ "مجموعات مسلّحة، انفصالية وإرهابية" موجودة في كردستان العراق "منذ سنوات وتهدد (...) أمننا القومي".

وتحتفظ هذه التنظيمات ومعظمها ذات توجه يساري وحظيت بمباركة صدام حسين خلال الحرب العراقية الإيرانية، حتى الآن بمقاتلين هم أشبه بـ"احتياط" يجري تدريبهم على حمل السلاح، لكنها أوقفت بشكل شبه تام أي نشاط عسكري منذ التسعينات بعدما كانت، لعقود، تشنّ تمرداً عسكرياً، وفق خبراء.

وهي تركّز حالياً عملها على النشاط السياسي.

لغة ممنوعة

منذ التسعينات، يحمي "تفاهم" بين هذه التنظيمات وحكومة إقليم كردستان، وجودها "مقابل عدم انخراطها في عمل عسكري لتفادي زعزعة علاقة (الإقليم) مع إيران"، وفق الصحافي الكردي الايراني رضا منوجري الذي يعيش في العراق منذ ثماني سنوات.

وتجمع روابط تاريخية بين إقليم كردستان العراق وكردستان إيران في شمال غرب البلاد إذ يتحدّث سكان المنطقتين اللهجة الكردية نفسها وكثر من بينهم لديهم أهل وأقرباء من طرفي الحدود.

كما أنّ مسعود بارزاني أحد أهم مؤسسي إقليم كردستان العراق، ولد في أوّل "دولة كردية" نشأت في إيران في العام 1946، حيث قدّم والده الدعم لجمهورية مهاباد التي لم تدم سوى عام واحد قبل أن تسقطها القوات الإيرانية حينها.

ولا تزال الأقلية الكردية التي تعدّ نحو 10 ملايين نسمة من 83 مليون إيراني، تعاني من التهميش، كما يقول خبراء.

ويشرح شيفان فاضل الباحث في معهد ستوكهولم الدولي للسلام "في إيران، الأكراد محرومون من الحقوق السياسية والثقافية الأساسية". ويضيف "لا يزال حقّهم في التعلم بلغتهم الأمّ أمر ممنوع قانونياً".

وتبدو الصورة قاتمة لأكراد إيران بالمقارنة مع الأكراد في دول أخرى في الشرق الأوسط: في تركيا، دخل الأكراد البرلمان في العام 2015، وفي سوريا، يتمتعون باستقلال ذاتي بحكم الأمر الواقع في شمال شرق البلاد، ولديهم حكم ذاتي في شمال العراق.

مواطنون من الدرجة الثانية

يؤكد آسو صالح العضو في اللجنة التنفيذية في الخارج للحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني أن حزبه، الذي تعرّض للقصف في 28 أيلول/سبتمبر "لم يستخدم أبداً الأراضي العراقية"، لشنّ هجمات على القوات الإيرانية.

ويقول هذا المسؤول الذي يعيش في السويد إن الحزب متواجد "بشكل رئيسي" في كردستان إيران ويقوم بأنشطة ينبغي أن تبقى "سرية"، فيما تتمركز في العراق فقط "الإدارة والجهاز البيروقراطي" للمجموعة.

ويضيف أن حزبه، أقدم حزب كردي في إيران تأسس العام 1945، يطالب "بالديموقراطية والفدرالية في إيران"، مشددًا على أن "كردستان إيران كانت دائماً في طليعة النضال من أجل الديموقراطية والحرية".

من السليمانية، يقول إدريس العبادي المسؤول في حزب "كومله - كادحون" الكردي الإيراني إنه "ليس لدينا نشاط عسكري".

ويلخّص الرجل سبب وجود هذه المعارضة الكردية بالقول إنه في إيران "الأكراد مواطنون من الدرجة الثانية".

أزمة اقتصادية

ويشير الباحث في جامعة السليمانية هردي مهدي ميكه إلى التمييز ضد الأقلية الكردية في إيران كذلك، موضحاً أنه حتى في المحافظات التي يشكلون فيها غالبية "لا يشارك الأكراد في السلطات المحلية".

ويشرح أن "المناطق الكردية هي الأكثر فقراً من حيث النمو الاقتصادي والبطالة". ويؤكد أن "فرص العمل قليلة جداً في المناطق الكردية و السبب الأول هو أن الحكومة لا تهتم بهذه المناطق".

وبعبر عمال أكراد إيرانيون بشكل يومي الحدود بحثاً عن عمل بأجر يومي أعلى مما يتقاضونه في بلدهم الذي يعيش أزمة اقتصادية فاقمتها العقوبات الأميركية.

و بعد موجة التظاهرات الأخيرة يتأمل هردي مهدي ميكه بالتغيير ولو كان نسبياً، ويقول "فيما يتعلق بالحقوق المدنية لن تتمكن إيران من العودة إلى ما قبل" وفاة مهسا أميني.