إيلاف من نواكشوط: في كتابه الجديد "شهود زمن .. صداقات في دروب الصحافة"، يقدم الكاتب الصحفي الموريتاني عبد الله ولد محمدي شهادات عن صداقات ربطته ب16 صحافيا من بلدان متفرقة عبر العالم.
يتضمن الكتاب، الذي صدر أخيرا ضمن منشورات المركز الثقافي للكتاب (بيروت - الدار البيضاء)، وقدم له الكاتب الصحفي إياد أبو شقرا، شهادات عن صداقات ربطت ولد محمدي بثلة من الصحافيين هم : روبرت فيسك، وعثمان العمير، وساداموري دايجي، وقصي صالح الدرويش، وكيم أمور، وبشير البكر، ودومينيك دِردا، وعبد الوهاب بدرخان، وسيدي الأمين، وسامي كليب، وحبيب محفوظ، ومحمد بوخزار، ومِدير بلاندوليت، ومحمد الأشهب، وعبد العزيز الدحماني، وحاتم البطيوي.

عصارة تجربة
مما جاء في مقدمة هذا الكتاب، بخط إياد أبو شقرا: "في هذا الكتاب الشيّق الذي يضعه عبد الله ولد محمدي، يجد القارئ عصارة تجربة متميزة، وحكايات عن 16 صحافياً عرفهم عن كثب. فيه يحكي المؤلف عن صداقات في حقل الصحافة امتدت منذ عقد التسعينيات واستمرت حتى الآن. وفي هذا المشوار ، التقت دروبه مع كثيرين من روّاد الصحافة ونجومها، في الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية والالكترونية.


ويضيف أبو شقرا قائلا: "في هذه المحطة، يبرز اسم عثمان العمير، الذي شكل في رأي المؤلف ليس فقط "حالة ريادية" عربية في عالم الإعلام الإلكتروني (الأونلاين) مع "إيلاف"، بل قاد "ثورة" في الصحافة العربية بنقله أخبار دول "الهامش العربي" إلى قلب الحدث من موريتانيا إلى المغرب والسودان. وهناك سامي كليب الذي التقط له صورة غلاف كتابه، وهو يختم تقريره التلفزيوني من على ظهر جمل في العاصمة الموريتانية نواكشوط، والإعلامي الياباني ساداموري دايجي، المراسل اللامع لصحيفة "أساهي شيمبون"، ثاني كبريات صحف اليابان، وهو يبحث عن رأي طلاب المحظرة الموريتانية في أسامة بن لادن. ولا تنتهي رحلة المؤلف هنا، فبجانب هؤلاء يذكر الكاتب مجموعة صحافيين ومراسلين آخرين من أفريقيا وأوروبا، وطبعا العالم العربي، من دون أن ينسى طموح صحافي مستعرب من السنغال أسس أكبر مجموعة إعلامية في البلد".

كتاب – وثيقة
كتب أبو شقرا، متحدثا عن علاقته بولد محمدي قائلا : "عندما يمرّ في بالي تعريف بسيط للصحافة، لكنه لا يخلو من الصدق، أتذكر فوراً كلمات الإعلامي الأميركي اللامع توم بروكو الذي قال "إنها سرد رواية... في نهاية المطاف هذه هي الصحافة. أنا اليوم تقريباً شاهد على نصف قرن من الصحافة. إذ دخلت عبر بوابتها في بيروت عام 1973. هذه التجربة الفردية جمعتني بزملاء من مختلف الأقطار العربية وسرعان ما أصبحوا أصدقاء. من هؤلاء الأصدقاء فارس شاب أتى من "بلد المليون شاعر".. من شنقيط ..من شموخ الصحراء التي تقبّل أقدامها أمواج المحيط الأطلسي. عبد الله ولد محمدي، كان ذلك الفارس الذي تعرّفت عليه في برد لندن عندما تولّى موقع مراسل "الشرق الأوسط" في موريتانيا والغرب الأفريقي. ومنذ ذلك الحين، دفعه طموحه والتزامه وتوقد ذهنه إلى السير نحو البعيد ... البعيد. ما عاد العمل الصحافي بتعريفه التقليدي قادراً - في حينه - على احتواء تلك الطاقة، فحمل ولد محمدي زاده الشهي من الكياسة الإنسانية والخبرة المهنية وشبكة الصلات الاجتماعية ليغدو مرجعاً خبيراً في شؤون غرب أفريقيا، بل أفريقيا عموماً".
وختم أبو شقرا تقديمه بالتشديد على أن هذا "الكتاب – الوثيقة" هو "حقا رحلة ممتعة مع عالم الصحافة" و"سجلّ توثيقي وشخصي ثمين لمسيرة مهنية تستحق التوثيق... والإعجاب".

قصص تروى
بالنسبة لولد محمدي، فإن من قدم شهادات عنهم، في كتابه الجديد، ليسوا هم كل الصحفيين الذين عرفهم ولن يكونوا الوحيدين، "ما دام نهر الحياة جاريا ففي كل يوم يضيف المرء صداقة جديدة ويتعلم درسا آخر". يقول: "كل الذين كتبت عنهم تقاطعت معهم سبلي، فعرفتهم عن قرب، وأردت أن أقدم مزيجا، يجمع بين البورتريه والملاحظات العابرة، لكنه يقرب للقارئ نموذجا للصحافة في أوج مجدها. نقلت بدايات وتجارب صغيرة أفضت إلى نجاحات كبرى، وإلى قصص تروي لحظات إنسانية عميقة الدلالة".

عمق إنساني
لا ينسى ولد محمدي أن يؤكد على العمق الإنساني للعلاقة التي جمعته بمن كتب شهادات عنهم، ضمن خيط ناظم يؤكد على أن الوفاء والاعتراف بالفضل يبقى من أسس الصداقة الطيبة. يقول: "كانت "الشرق الأوسط" بلا شك مدرستي الكبرى، فيها تعلمت على عثمان العمير وغسان شربل وإياد أبي شقرا وبكر عويضة وعثمان ميرغني وغيرهم. كانت الجريدة العربية الأكثر انتشارا. وقد أتاحت لي أن أنقل أخبار أفريقيا إلى القراء العرب، فسمعوا عن انقلاب عريف صغير، اسمه يحيى جامع، على رئيسه "السير داوودا جاورا" في غامبيا الصغيرة، وعن غينيا ما بعد الحاج أحمد شيخو توري. وعن التغيير الديمقراطي في السنغال. أطلق عثمان العمير، ومن بعده عبد الرحمن الراشد، يدي لأروي قصصا إفريقية لا تنتهي. لكن دروبي انتقلت إلى آفاق أخرى. فقد خضت التجربة التلفزيونية الجديدة كليا على الصحافة العربية، فكانت الــ"إم بي سي" فاتحة الطريق، ثم قناة "الجزيرة" التي أوكلت إلي تغطية أجزاء كثيرة من القارة السمراء. توسعت معرفتي بالكثيرين من قبيلة الصحفيين، كل من موقعه. فتعلمت من مدرسة الميدان أمورا لم أكن لأعرفها لو بقيت حبيس وطني. تعلمت الاختصار من مراسلي الــ"سي إن إن" وقت الحاجة إلى ذلك، وملء الفضاء لإشغال المشاهد وشده بقصة واحدة على مدى أيام، كما لو أن الأمر يتعلق بمسلسل أميركي . وتعلمت من مراسلي الــ"بي بي سي" الإثراء والعمق في رواية القصة دون إنفاق موارد كثيرة في الميدان".

روح الصحافة
يقدم ولد محمدي لقطات كتابه "للجيل الجديد من الصحفيين"، مشددا على أنها "تنتمي لجيل آيل للاندثار، ولو أن الروح التي تحركه يجبُ أن تبقى لأنها روح الصحافة، لا يمكنُ أن تغيرها سرعة التكنولوجيا ولا تدفقها العالي، فالقصة هي القصة مهما كان القالب الذي تأتي فيه"، لمن سماهم "الجيل الجديد من الصحفيين". ثم يستدرك مخاطبا الصحفيين الشباب، ومن يعشقون مهنة الصحافة ويحلمون بممارستها: "قطعًا ستجدون في مسيرة هذا الجيل من الصحفيين الأفذاذ نموذجا يحتذى، وقيمة مضافة ستساعدكم في الإمساك بجوهر الصحافة، برسالتها الحقيقية، وكيف تتحول من مجرد تقنيات فنية ميكانيكية إلى مهمة نبيلة ذات طابع إنساني، قادرة على سرد قصة الإنسان، إنها كما يقول روبرت فيسك (وقوف على حافة التاريخ لتقديم شهادة غير متحيزة). تلك هي الصحافة التي يمكن أن نلمسها في سيرة بعض من التقيت بهم طيلة مسيرتي المهنية، أحكي قصة بعضهم في هذا الكتاب".
يختصر ولد محمدي في كتابه تجربة تواصلت على مدى سنوات، نتعرف من خلال الأسماء التي قدم لعلاقته بها، على أحداث وتحولات هزت العالم، تنقلنا من حروب الشرق الأوسط إلى أكثر البؤر سخونة في إفريقيا وغيرها.

صداقات قديمة
يتحدث ولد محمدي عن الصداقة التي جمعته بمن يقدم شهادات عنهم. يرسم بورتريهات لهؤلاء الذين قاسمهم دفء اللقاء، في لحظات الفرح أو مواقف التوتر والحروب التي يتعين نقل أهوالها، لكن مع كثير من المفارقة الهادفة والسخرية الجميلة. يقول، تحت عنوان "عثمان العمير .. الرائي": "بيني وبين عثمان العمير صداقة قديمة، تعود لأكثر من ثلث قرن. توطدت فصارت ثابتة وعميقة، قوامها قدرتنا معا على قبول الخلاف وتجاوز الاختلاف، وتلك سجية مغروسة في طبع عثمان اكتسبها من حياته الطويلة العريضة الصاخبة، في بلاد الإنجليز. وسواء حين يركب العمير ناقته البحرية الحديثة المسماة "ناقة لندن" ويبحر بها صيفا في المتوسط، جاعلا من هذا اليخت مركوبه الجوال على موانئ صغيرة، وحاله كحال الفيلسوف طاليس البحار الباحث عن الحقيقة، أو حين يعود إلى شقته الواسعة في لندن التي تقع غير بعيد من المبني العتيد "بوش هاوس" التي عرفت أكثر الإذاعات المسموعة في العالم العربي، أو حين يجلس وقت الغروب تحت ظلال النخيل في بيته بمدينة مراكش، فإنك تظل تواجه نفس الرجل الذي قاد أحد أكبر المغامرات الصحفية في العالم العربي وأكثرها نجاحا، وأطولها عمرا، وأعمقها غورا، وأشدها تأثيرا على صناع القرار وقادة الرأي، مدشنا بذلك العصر الذهبي للصناعة الصحفية حين كانت صحيفة "الشرق الأوسط" تطبع في كل من لندن وباريس ونيويورك والرياض والدار البيضاء والقاهرة وبيروت.. وعواصم أخرى، وتوزع وتقرأ في نفس الوقت في بقية العالم العربي وكبري عواصم العالم. قضى عثمان بمغامرته الشرق أوسطية، التي أطلق شرارتها من لندن، على صورة نمطية طالما جهد اليساريون العرب من أجل إلصاقها بالمثقف السعودي، وذلك باعتباره مثقفا هامشيا مستهلكا على الدوام لما ينتج في مركز الثقافة العربية، أي مثلث القاهرة - بيروت – دمشق".

ثقافة الوفاء
في حالة ولد محمدي تبقى ثقافة الوفاء الاعتراف بالفضل مدخلا لمزيد من توضيح الرؤية وتقريب الشخصية موضوع الشهادة – البورتريه، ومن ذلك أن يكتب تحت عنوان "حاتم البطيوي .. الأصيلي": "كان عليه أن يتعلم الصحافة في الميدان، ليصبح مثل الذين رافقهم ذات يوم في دروب مواسم أصيلة منتدبين وضيوفا لتغطية مهرجانها الثقافي. يذكر أول كتاب يهدى له. كان كتابًا مهره الرسام المصري الشهير جورج بهجوري، بعبارة تختصر دفء العلاقة التي ربطت حاتم بعدد من زوار أصيلة من الإعلاميين والكتاب والمثقفين والسياسيين: "إلى صديقي الكبير حاتم البطيوي من صديقك الصغير بهجر". سيُكتب لحاتم أن يهاجر مبكرا إلى لندن، المدينة التي يعيش فيها دون أن ينسى المغرب الذي يصاحبه في وجدانه، أينما حل وارتحل. في تلك اللندن التي شهدت تجربة الجريدة العربية الأكثر ثراء، بدأ حاتم يتلمس خطاه في درب "صاحبة الجلالة"، متنقلا من التدقيق، للسكرتارية، لتغطية الشؤون المغاربية، ومنتدبا أحيانا كثيرة لتغطية أحداث في القارة السمراء. لبداية هذه التجربة الإعلامية قصة تحيل على أهم شخصيتين كان لهما عميق التأثير في حياة حاتم المهنية: محمد بن عيسى، وعثمان العمير رئيس التحرير الأسبق لجريدة "الشرق الأوسط" وصاحب موقع "إيلاف" الإلكتروني الرائد. تعود علاقة حاتم ببن عيسى إلى عام 1978، تاريخ انطلاق أول مواسم أصيلة الثقافية. مع السنوات، تطورت علاقتهما لتصبح أبوية. تعلم حاتم الكثير من بن عيسى، لذلك تجده يردد باعتزاز أنه "خريج مدرسة محمد بن عيسى الثقافية والفنية والإعلامية والوطنية"، الشيء الذي يفسر ترشحه وفوزه في الانتخابات الجماعية لعام 1992 ضمن لائحة بن عيسى في حي شعبي فقير. طبع العمير تجربة ومسار حاتم، الذي يقدِّر له دعمه الموصول ومحبته الدائمة. أكثر من ذلك، تجده يشدد على أنه مهما يقول عنه لن يوفيه حقه. كان حاتم محظوظا حين تعرف على العمير سنة 1987. يذكر يوم ذهب في أحد أيام أغسطس إلى أحد شواطئ أصيلة رفقة بن عيسى، وكان بمعيتهما مجموعة من الأصدقاء، بينهم حسونة المصباحي الكاتب والروائي التونسي. كان حاتم حينها يدرس في السنة الثالثة بشعبة الحقوق بجامعة الرباط. تركهم يتبادلون الحديث وتوجه للسباحة وبعد عودته للجلوس معهم، وشوش المصباحي في أذنه، قائلا: "حاتم. يجب أن تنجح في السنة المقبلة بقوة السيف والسلاح". سأله: "لماذا؟". قال له: "لقد تقرر أن تذهب لكي تقضي سنة تدريب في جريدة "الشرق الأوسط" بلندن بعد أن تحصل على الإجازة، ثم تعود إلى المغرب لكي تعمل مراسلا للجريدة". وقال له إن بن عيسى قال للعمير إنك تريد أن تكون صحفيًا، وسأله لماذا لا تدربونه لفترة في لندن ليعود وينضم لفريق مكتب المغرب. بعد شهر، عاد حاتم إلى الرباط لمتابعة دراسته. حين نجح وحصل على الإجازة، سارع إلى تحويل ورقة مائة درهم إلى قطع نقدية من فئة درهم واحد، وقصد أقرب مخدع هاتفي، ليكلم العمير. قال له: "لقد حصلت على الإجازة. متى تريدني أن أحل بلندن؟". أجابه: "الله يحييك. في أي وقت". ثم استدرك: "بعد يوم أو يومين، مُرّ على مكتب الجريدة في الرباط، ستجد تذكرة الطائرة". ذهب حاتم إلى لندن، وبدأ الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل الصحافية. سافر وفي عقله وأحلامه مشاريع صحافية لا تعد ولا تحصى".

مظاهر خادعة
يتناول ولد محمدي شهاداته من زوايا عدة، ترسم علاقة بمن يكتب عنهم وبعلاقة الجميع بمهنة المتابع. مما كتب، في سياق تناوله لشخصية حاتم البطيوي: "يحرص حاتم على مراعاة الجانب الإنساني في علاقته مع الآخرين. يهوى السفر. يعيش حياته ومهنته بما لها وعليها. يتذكر محادثة جرت بينه وبين شرطي سنغالي غرته المظاهر الخادعة وهو يطبع الختم على جواز حاتم الإنجليزي، وليقول له أنت قادم من لندن لا بد أنك ثري جدا. بادله حاتم الابتسامة، ولم يرو له عن مصاعب مدينة الضباب التي لا تترك لساكنيها درهما ليوم أغبر، لكن المال ليس هم حاتم، وإنما أن يتعلم من مدرسة مفتوحة جمعت كل أساطين الإعلام بقيادة ابن مدينة الزلفي، السعودي المتمرد عثمان العمير".
في حالة ولد محمدي، تبقى المفارقة مدخلا لمزيد من توضيح الرؤية وتقريب الشخصية، موضوع الشهادة – البورتريه، يقول تحت عنوان: "قصي صالح الدرويش .. المستكشف": "قلت له ذات يوم: يا قصي، ما أظنك قادرا على الكتابة بشكل واضح ومنطقي عن موريتانيا. ردّ علي: لماذا؟، قلت: لأنك لم تعد تتابع، وهذا البلد تصدق فيه مقولة أحد الصحفيين الأجانب الذي صعب عليه فك رموز الطبقة السياسية وتعقيدات علاقات بعضها بالبعض الآخر، إذ لخص الأمر أنه من الأفضل أن تكتب عن موريتانيا من خارجها، لأن الداخل في تفاصيلها مثل الداخل إلى السجن: مفقود".

مآسي العالم وكوارثه
يقترب ولد محمدي، في شهاداته، أكثر من شخصياته، في علاقة بما يميز مهنة تجمع بين المتعة والتعب. تختلط المشاعر، فلا يملك القارئ إلا أن يتجاوب، حزنا أو فرحا، مع الكاتب، حسب طبيعة المواقف التي تتجاور فيها العلاقات الخاصة وطبيعة التعاطي مع عدد من القضايا التي يجد كل واحد نفسه وسطها. ومن ذلك أن يكتب، تحت عنوان "عبد الوهاب بدرخان .. تجربة في "الحياة"": "يذكر بدر خان أنه كان يقصد دائما، مع المصور، المكان الذي يعرف مسبقا أنه تعرض لقصف ليعاين الأضرار ويسأل سكانه إذا كان هناك جرحى أو قتلى. وازداد الوضع صعوبة يوما عن يوم، وأصبح الخطر كبيرا، إلى درجة أن قذيفة سقطت خلال متابعته لأحد المؤتمرات الصحفية، من دون أن يعرف كيف بقي بعدها حيا، في وقت أصيب المصور وقُتل السائق الذي كان معهما"؛ أو تحت عنوان: "مِدير بلاندوليت .. المحظوظ": "قد يرى البعضُ أن الصحفيين يقتاتون على مآسي العالم وكوارثه، ولكن على العكس، إنهم يدفعون من عمرهم وعرقهم، لرصد جوانب غائبة من المأساة الإنسانية، يقدمونها للمتلقي، فتكون تلك هي شهادتهم على حافة التاريخ. ذلك ما فعله بلاندوليت. بدأ المغامرة من الرباط إلى نواكشوط، فقادته عملية التقصي بعد ذلك من موريتانيا حيث اختطف الرهائن، إلى مالي التي يفترض أنهم نقلوا إليها، وصولًا إلى بوركينا فاسو حيث جرت المفاوضات. بعلاقاته الواسعة استطاع بلاندوليت أن يبرز من بين جيش الصحفيين الاسبان الذي ظل يلاحق هذه القصة. خلال عمله مراسلا في الرباط، التقى بعدد كبير من الشخصيات ومن المهنيين الذين ساعدوه على أداء عمله بشكل جيد، والتخلي عن أحكامه المسبقة كغربي، وفهم المنطقة بشكل أفضل وأعمق، ولا سيما منطقة الساحل. كنت أحد هؤلاء المهنيين الذين تعرف عليهم وتعامل معهم بلاندوليت. ساعدته في أعقد تغطية إعلامية قام بها على الإطلاق، فليس من السهل أن تتقصى قضية اختطاف الرهائن في الصحراء الكبرى. إذ أنه لدخول الصحراء لا بد لكَ من أهلها العارفين بمسالكها وأمزجتها المتقلبة".

وقوف على حافة التاريخ
يحرص ولد محمدي، في تناوله للشخصيات، موضوع الشهادة - البورتريه، على أن يجعل "الإنساني" منطلقا ومحركا للشهادة. نقرأ له، تحت عنوان "روبرت فيسك .. رجل لا يتكرر": "اقتنع فيسك بأن أقصى ما يستطيع الصحفيون عمله هو "الوقوف على حافة التاريخ، كما يفعل علماء البراكين الذين يصعدون إلى فوهة البركان الذي يتصاعد منه الدخان، محاولين الرؤية من فوق حافته، فتشرئب أعناقهم وهم يحدقون من فوق الحافة المنهارة، ليشاهدوا عبر الدخان والرماد ما يجري في داخله"؛ لذلك رأى أن الصحافة، أو على الأقل ما ينبغي أن تكون عليه الصحافة، هو "أن تراقب التاريخ وأن تشهد عليه، وأن تعمد إلى تسجيله بقدر ما تستطيع من الأمانة على الرغم من المخاطر والضغوط ونواقصنا كبشر".

سيرة كاتب صحفي
سبق لولد محمدي أن أصدر مؤلفات متنوعة المواضيع تتراوح بين الكتابة الإبداعية والتوثيق لتجربة غنية على مستوى مهنة المتاعب، بينها "تومبكتو وأخواتها ،، أطلال مدن الملح ومخطوطات" (2015)، ورواية "طيور النبع" (2017)، و"يوميات صحفي بإفريقيا ،، وجوه وانقلابات وحروب" (2017)، و"المغرب وأفريقيا: رؤية ملك" (2019). كما كانت لولد محمدي مشاركات في كتب جماعية، على غرار "الرسائل المغربية" (2016) و"الرسائل الخليجية" (2021)، فضلا عن مساهمات في حقل الترجمة، على علاقة بتجربته الإعلامية التي حاور وجاور خلالها عددا من قادة الدول، ومن ذلك اشرافه على مراجعة وترجمة مذكرات الرئيس السنغالي ماكي سال "السنغال في القلب"، من الفرنسية إلى العربية (2021).