إيلاف من الرباط : عد العاهل المغربي الملك محمد السادس، الثلاثاء، تحالف الحضارات ركيزة قوية للسلام، مشددا على ضرورة إعلاء كلمة الحوار الذي يضطلع به تحالف الحضارات، وضمان سبل نجاحه.

وقال الملك محمد السادس ، في رسالة وجهها إلى المشاركين في الدورة التاسعة للمنتدى العالمي لتحالف الحضارات، الذي ينعقد على مدى يومين بمدينة فاس المغربية،وتلاها مستشاره اندريه أزولاي إنه "لا سبيل إلى الخلاص إلا بالحوار، لكن بشرط ، أن يكون حوارا بين الحضارات، وحوارا بين الأجيال، وحوارا بين القارات"، داعيا للعودة إلى ما هو جوهري وأساسي في هذا الشأن، ألا وهو "العيش المشترك".

أنطونيو غوتيريش الامين العام للامم المتحدة يتوسط المشاركين في منتدى فاس


وأوضح ملك المغرب قائلا "لا خير يرجى من إطلاق مشاريع كبرى إذا كنا لا نستطيع تجاوز هذه الحلقة الأولى على درب تحقيق العيش المشترك، من أجل إنسانية واحدة تعيد وضع الكائن الإنساني في صلبها".

وأبرز الملك محمد السادس أن تحالف الأمم المتحدة للحضارات يعقد الدورة التاسعة لمنتداه العالمي، على أرض إفريقية. وهو بذلك يعطي إشارة قوية لاستمراريته وبعده الكوني.

وذكر العاهل المغربي أن قيم تحالف الأمم المتحدة للحضارات والمثل العليا التي يدافع عنها والنموذج الذي يدعو إليه،هي نفسها منظومة القيم والمثل العليا التي يتبناها المغرب والنموذج نفسه الذي يعتمده.

وقال الملك محمد السادس إن بلاده باعتبارها من الأعضاء المؤسسين لتحالف الحضارت، انخرطت في جميع المعارك التي خاضتها المنظمة لأسباب جوهرية تخص هوية المغرب وأخرى ترتبط بالتزاماته.

وأوضح ملك المغرب ان هذه الاسباب نابعة من صميم هوية المغرب القائمة على الانفتاح والانسجام والتلاحم، والموحدة بانصهار مكوناتها العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.

واشار الى أن المغرب انخرط منذ البداية، في هذه المبادرة الرائدة وظل متشبثا بها بكل حرص وثبات، وذلك من خلال الدفاع عن الانفتاح وإشاعته، باعتباره ثقافة للسلام، وكذا من خلال العمل على تحقيق التنمية بمفهومها الواسع، باعتبارها ركيزة من ركائز السلام.

حصن ضد التطرف
وزاد عاهل المغرب قائلا "بصفتنا أميرا للمؤمنين كافة، من كل الديانات، فنحن الضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية في كل تراب المملكة المغربية، ونرى أن الدين يجب أن يكون حصنا ضد التطرف لا مطية له، حيث دأبنا على الدفاع عن هذه القناعة في كل المحافل، من خلال الديبلوماسية الدينية للمملكة".

وذكر الملك محمد السادس بدور مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، ومعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، وقال انه يتمثل في التصدي للتطرف المنتشر على مشارف إفريقيا، والتعريف بالإسلام باعتباره دين وسطية واعتدال، مبرزا أن المغرب ووعيا منه بهذا الدور، تقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار الذي اعتمدته تحت رقم 73/328 بشأن "النهوض بالحوار بين الديانات والثقافات وتعزيز التسامح من أجل مناهضة خطاب الكراهية"، وهو قرار دعمته 90 دولة.

المغرب رائد في التصدي للتطرف
في غضون ذلك ، قال انطونيو غوتيريش ،الأمين العام للأمم المتحدة ، ان المغرب كان دوما مناصرا للحوار بين الأديان ورائدا في التصدي للتطرف.

ولم يفت الأمين العام للأمم المتحدة التعبير عن امتنانه لعاهل المغرب على التزامه الشخصي والدائم "بالدفاع عن الحوار بين الأديان والثقافات والتسامح والتنوع بوصفها قيما تثري مجتمعاتنا وعالمنا".

غوتيريش يتحدث في منتدى فاس

وبخصوص السياق العالمي الراهن المتسم بأزمات الثقة وانهيار القيم، سجل غوتيريش أن "خطابات الكراهية والتضليل والعنف تزداد شيوعا، وتستهدف بالخصوص النساء والفئات الأكثر هشاشة".

وشدد غوتيريش على القول إن آفات التعصب واللاعقلانية أضحت أكثر تفشيا، حيث تنبعث مجددا الشرور القديمة المتمثلة في معاداة السامية والتعصب المعادي للمسلمين واضطهاد المسيحيين وكراهية الأجانب والعنصرية".

وأشار إلى أن "هذه الآفات البغيضة تذكي بعضها البعض وتثير الانقسام".

في سياق ذلك ، دعا الامين العام للامم المتحدة إلى مبادرة جماعية كفيلة ببناء تحالف للسلام على المستويين العالمي والمحلي من أجل الاستجابة لتحديات العصر،وشدد على ضرورة "العمل في هذه الوقت المحفوف بالمخاطر، كأسرة إنسانية واحدة غنية بتنوعها ومتساوية في ما تتمتع به من كرامة وحقوق ومتحدة بفضل تضامنها".

التحالف مبادرة تدرس
من جانبه ، قال ميغيل انخيل موراتينوس ، الممثل السامي لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، إنه يتعين أن يكون التحالف مبادرة تدرس وترصد أوجه التشابه والتآزر القائمة، فلسفيا ودينيا وعمليا، بين مختلف الثقافات والأديان.

وشدد موراتينوس على ضرورة تسوية هذه الاختلافات بشكل سلمي ومن خلال حوار مفتوح، بغية إيجاد الحلول وتفادي توظيفها كمصدر للتوترات.

واشار الى أن تحالف الحضارات يمكن أن يعمل، على الخصوص، كمنصة لتيسير الحوار والتفاهم والاحترام المتبادل بين مختلف الثقافات والحضارات التي تحتاج إلى بعضها البعض، في جميع الأحوال، للاستمرارية في المستقبل.

وأبرز موراتينوس أن منتدى فاس يشكل، أكثر من أي وقت مضى، فرصة للدفاع عن الحاجة إلى تحالف للسلام بين الحضارات، مشيدا بـ" الدعم الكامل للملك محمد السادس وريادته من أجل تنظيم هذا المنتدى".

وأضاف قائلا "نحن، مواطنو العالم، يجب أن نكون قادرين على التعبير عن أنفسنا بمستوى كاف من النضج والتطور وأن نرتقي في بناء المصطلحات والعمل السياسي الإيجابي"، مشيرا إلى أنه "في مواجهة المفاهيم والمواقف السلبية، يتعين أن ندافع عن مصطلحات إيجابية جديدة".

الى ذلك، أوضح موراتينوس أن العالم لا يشهد صراع حضارات، بل يعرف صراع مصالح والجهل بالآخر، وصدامات ونزاعات من أجل الهيمنة والنفوذ، "وهو ما ينبغي مواجهته بالحوار والتقاء الحضارات".

حوار الحضارات ليس مجرد فكرة جيدة

بدوره، قال مولود تشاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي ، إن تحالف الأمم المتحدة لحوار الحضارات ليس مجرد فكرة جيدة،بل هو خطة عمل صلبة مبنية على ركائز أساسية، تتمثل في الدبلوماسية الاستباقية، والوساطة، والتصدي للتطرف.

وشدد تشاووش أوغلو على ضرورة توفير الوسائل الكفيلة بتمكين هذا التحالف من الاضطلاع بدور مهم، وحتى تتسع وتصل مبادراته إلى أبعد مدى.
وأشار إلى أن الظرفية الحالية تشهد أزمات وحروب ناتجة عن المنافسة بين الدول، وأيضا التطرف والتعصب وممارسات الاضطهاد الاقتصادي والاجتماعي، وتنامي الجرائم، والإسلاموفوبيا، ومعاداة السامية.

وخلص وزير خارجية تركيا الى القول إنه "من الصعب اليوم أن يتجاوز الجيل الحالي كل مظاهر سوء الفهم وكل هذه الظواهر التي أصبحت تسم حضارتنا، لكن يجب علينا أن ننطلق من مكان معين".

الانضمام لمجموعة أصدقاء التحالف
دعا وزير الخارجية المغربي ، ناصر بوريطة، الثلاثاء، الدول الإفريقية إلى الانضمام لمجموعة أصدقاء تحالف الحضارات للأمم المتحدة.

وقال بوريطة، خلال افتتاح الاجتماع الوزاري للمنتدى التاسع لتحالف الحضارات للأمم المتحدة، أنه "في الوقت الذي ينعقد فيه هذا المنتدى، لأول مرة بالقارة الإفريقية، فإن أفضل رسالة يمكن أن تنبثق عن اجتماعنا هي دعوة الدول الإفريقية للانضمام إلى مجموعة الأصدقاء".

ناصر بوريطة وزير خارجية المغرب يتحدث في المنتدى

وبعدما أشار إلى ضعف تمثيلية القارة الإفريقية، ولاسيما إفريقيا جنوب الصحراء، في مجموعة الأصدقاء، أوضح أن القارة السمراء لا تمثل سوى 20 بالمائة من الأعضاء، وتمثل إفريقيا جنوب الصحراء 15 بالمائة فقط، بينما تمثل أوروبا قرابة 34 بالمائة من هذه الدول، مبرزا أن تقريبا كافة الدول العربية وأميركا اللاتينية هي أعضاء في المجموعة.

ودعا بوريطة إلى التفكير في نسخة إفريقية للمنتدى، من شأنها أن تركز على التحديات المشتركة للبلدان الإفريقية، مسجلا أن التحالف يمكن أن يستفيد من مكونه المتوسطي لتعزيز الحوار والتفاهم والسلام في المنطقة، والنهوض بالمشاريع المشتركة.

وتابع أن الاتحاد من أجل المتوسط، الذي من المقرر أن يعقد منتداه السابع، يوم الخميس المقبل في برشلونة، يمكن أن يشكل محفزا في هذا الاتجاه.

وقال بوريطة، أيضا، إنه ينبغي للتحالف أن يبرز كقوة اقتراحية، قادرة على الإسهام بأفكار من شأنها أن تعزز الحوار والسلم في العالم، داعيا إلى دراسة إمكانية بلورة مخطط عمل شامل للتحالف بالنسبة للسنوات القادمة، والذي سيمثل خارطة طريق، تضم إجراءات ومشاريع ملموسة كفيلة بتعزيز الحوار والتفاهم والسلام.

واعتبر الوزير بوريطة أن المغرب حظي بشرف استقبال حلفاء السلام والعيش المشترك بحاضرة فاس، لمناقشة هذا المصير المشترك للإنسانية، مشيرا الى أن "واجبنا يتمثل في تعزيز الحوار بين الأشخاص وإسكات صوت أسلحة العنف".

وخلص بوريطة إلى القول إن " الأمر متروك لنا للعمل معا لتجسيد هذا الطموح الذي نتقاسمه جميعا، والمتمثل في المساهمة في بناء ثقافة الانفتاح والحوار والتسامح والسلام على الصعيد العالمي".