إيلاف من الرياض: إننا ندخل عصرًا نحاسيًا جديدًا، فبينما يتجه العالم نحو تحقيق أهداف طموحة تتمثل في صفر انبعاثات كربونية، سيحتل النحاس مركز الصدارة باعتباره المعدن الرئيسي لصنع مستقبلنا الكهربائي. هكذا يفتتح أفشين مولافي، الكاتب السياسي الأميركي من اصل إيراني والزميل في معهد السياسة الخارجية بجامعة جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة بواشنطن، مقالةً له نشرتها صحيفة "أراب نيوز" السعودية الناطقة بالإنكليزية.

وبحسب مولافي، انطلاقًا من طاقة الرياح إلى الطاقة الشمسية إلى البطاريات الكهربائية وأكثر، "تتطلب ثورة الطاقة المتجددة المقبلة كميات هائلة من النحاس. وببساطة، لا انتقال فعالًا للطاقة من دون هذا المعدن الثمين الذي اكتشف في الشرق الأوسط واستخدم منذ عصور غابرة".

معدن الكهربة

مع اجتماع كبار الشركات العالمية في التعدين والمعادن في منتدى Future Minerals Forum بالرياض بين 10 و12 يناير الجاري، "يجدر بنا أن نتذكر الدعوة التي أطلقها روبرت فريدلاند، مؤسس Ivanhoe Mines، في العام الماضي، إذ ذكّر الجمهور بأن العالم قد استخرج نحو 700 مليون طن من النحاس منذ فجر الحضارة الإنسانية، وسيحتاج إلى تعدين الكمية نفسها تقريبًا في 22 عامًا مقبلة، لمواكبة التحول إلى الطاقة الخضراء"، كما يقول مولافي، مضيفًا أن فريدلاند نفسه قد حذر قائلًا إننا نتجه نحو عجز هائل في النحاس العالمي بحلول عام 2030. يتابع مولافي: "إنه ليس وحيدًا في هذا التحذير، فثمة دراسة حديثة أجرتها S&P Global تتوقع أن يبدأ نقص إمدادات النحاس في عام 2025 وأن يستمر خلال معظم هذا العقد. ويقول تقريرهم: ’ما لم يتم توفير إمدادات جديدة في الوقت الملائم، فإن هدف صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050 سيكون قصير المدى، وسيظل بعيد المنال‘".

عامل في منجم كيارا للنحاس بجنوب أنتوفاغاستا، في تشيلي

بحسب مولافي، النحاس – أو "معدن الكهربة" - ليس مهمًا للطاقات المتجددة فحسب، إنما هو مهم أيضًا لحياتنا اليومية، فعندما تشعل ضوءًا، أو تشرب ماء نظيفًا، أو تتصفح هاتفك الذكي، أو توقد سيارتك، أو تنخرط في عشرات الأنشطة اليومية الأخرى، "فأنت منغمس في عالم من النحاس. ومثل الوقود الأحفوري، النحاس هو ما يجعل عالمنا الحديث ممكنًا. ونظرًا لأهميته، قد تتحول الندرة في النحاس إلى تهديد رئيسي يزعزع استقرار الأمن الدولي، وفقًا لتحذرات S&P Global، ما يذكرنا بالتدافع العالمي على النفط في القرن العشرين". إن الصين هي مركز النحاس العالمي، تتم فيها 47 في المئة من عمليات الصهر، و42 في المئة من عمليات التكرير، و54 في المئة من الاستخدام العالمي، لكنها ليست أكبر منجم للنحاس في العالم. فهذا المركز تتميز به تشيلي، مع ما يقرب من 30 في المئة من إنتاج النحاس العالمي، على الرغم من تعثر عملاق النحاس في أميركا الجنوبية أخيرًا بسبب مشكلات في العمل وندرة في المياه في المناجم. يمثل منتجو النحاس الرئيسيون مثل تشيلي والبيرو وجمهورية الكونغو الديمقراطية والولايات المتحدة والصين نحو 56 في المئة من إجمالي القدرة العالمية على تعدين النحاس".

درعٌ عربي

يقول مولافي في مقالته إن التكوين الجيولوجي للدرع العربي، الذي يضم جزءًا كبيرًا من غرب المملكة العربية السعودية، يحتوي على رواسب معدنية كبيرة غير مستغلة. وتقدر وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية أن محفظة المملكة من الثروة المعدنية تبلغ نحو 1.3 تريليون دولار، وتتألف من 48 سلعة مختلفة، بينها النحاس. وقد كان الوزير بندر الخريف ناشطًا في تواصله مع شركات التعدين العالمية لحشد الاهتمام باستثمار 32 مليار دولار في المملكة العربية السعودية. كما ساهمت الوزارة في سنّ قانون جديد للتعدين يؤسس لبيئة جذابة للمستثمرين الدوليين. يضيف مولافي: "في الواقع، أتمّت المملكة لتوها أول مناقصة متعددة الجوانب للحصول على رخصة تعدين لمنجم الزنك والنحاس على بعد نحو 170 كيلومترًا جنوب غرب الرياض. وتنتج المملكة فعليًا نحو 70 ألف طن من النحاس بالتعاون مع شركات وطنية رائدة مثل شركة "معادن"، ومع شركاء دوليين، وثمة مزيد في طور الإعداد".

من منتجي النحاس الإقليميين الآخرين إيران وتركيا والمغرب. وقد أدرج مسح التعدين السنوي لعام 2021 أجراه مركز أبحاث كندي المملكة المغربية ضمن أفضل 10 مواقع عالمية جذابة للاستثمار التعديني الجديد. وفي نوفمبر الماضي، قالت شركة Alteria البريطانية للتعدين إنها عثرت على "كميات عالية الجودة من النحاس والفضة" في أحد مواقعها بالمغرب، إنها تبحث حاليًا عن شركاء لاستكشاف هذه المواقع والتنقيب فيها.

سيحتاج العالم إلى كل ما يمكنه الحصول عليه من نحاس للنجاح في التحول إلى الطاقة المستدامة

دور شرق أوسطي مهم

يردف مولافي في مقالته بصحيفة "أراب نيوز" السعودية: "سنحتاج إلى كل النحاس الذي يمكننا الحصول عليه، وملائمٌ أن يؤدي الشرق الأوسط دورًا مهمًا في هذا الإطار. يشير معظم التوقعات إلى أن الطلب على النحاس سيتضاعف أكثر من الآن وحتى عام 2050. وتشير S&P Global إلى أنه قد يتضاعف تقريبًا بحلول عام 2035. وحذرت مجموعة كبيرة من التقارير من التعثر في تلبية هذا الارتفاع غير المسبوق في الطلب، ما سيؤدي إلى ضغوط كبيرة، وإلى نقص في النحاس. وهذا كله يذكرنا بالكلمة الأساسية في مستقبل طاقتنا: التحول. فنحن ما زلنا نعيش في عالم تهيمن عليها الهيدروكربونات. في الواقع، أكثر من 80 في المئة من طاقة العالم مدفوعة بالوقود الأحفوري. وعلى الرغم من أن هذا الوقود مؤذ كثيرًا، فقد كان محركًا أساسيًا في المكاسب التنموية البشرية التي حققناها في جميع أنحاء العالم خلال القرن الماضي. وسنبقى بحاجة إلى هذا الوقود الأحفوري بعض الوقت، لا سيما في أفقر البلدان التي قد تتخلف عن التحول الطاقوي".

يختم مولافي مقالته بالتشديد على ضرورة الاستمرار في الاستثمار في إنتاج الوقود الأحفوري، "فعمليات التعدين تستهلك طاقة كثيفة، وقد يبدو من المفارقات استخدام الوقود الأحفوري لتعدين معادن ستقلل في النهاية من استهلاك الوقود الأحفوري، لكن هذه هي الطبيعة الحقيقية لعالم التحولات. والتحول في الطاقة آتٍ لا محال، وعلى الرغم من أن الجداول الزمنية قد تكون طموحة، فإننا نتجه نحو عالم يستخدم الطاقة المتجددة في المصانع والمنازل، وينتج المزيد من السيارات الكهربائية، ويقلل اعتماده على الوقود الأحفوري. ولتحقيق هذه الأهداف، سنحتاج إلى عصر نحاسي جديد، وستكون الاستفادة من موارد التعدين الجديدة بداية جيدة، بما فيها حزام واعد يمتد من آسيا الوسطى إلى الشرق الأوسط فأفريقيا".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن صحفية "أراب نيوز" السعودية