أثار المحور الإيراني-الروسي الذي ظهر في أعقاب الغزو الأوكراني تساؤلات حول الأسلوب الذي قد تعتمده موسكو لمكافأة طهران على دعمها لها.

إيلاف من بيروت: مقابل استخدام الطائرات القتالية المسيرة الإيرانية في أوكرانيا، يشير مسؤولون غربيون إلى أن موسكو قد تزوّد النظام الإيراني بطائرات مقاتلة، وأنظمة دفاع جوي، وطائرات هليكوبتر، فضلاً عن مساعدة بحرية على شكل سفن حربية وتساعد في إنتاج سفن جديدة. من جهته، تحدث أحد النواب الإيرانيين مؤخراً عن عملية التسليم "المعلقة" لمقاتلات "سو-35" وأنظمة دفاع جوي ومروحيات.

في مقالة نشرها موقع معهد واشنطن، يقول لويس دوجيت-جروس (زميل زائر في معهد واشنطن ودبلوماسي في الوزارة الفرنسية لأوروبا والشؤون الخارجية)، وآنا بورشيفسكايا (زميلة أقدم في برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر" التابع للمعهد حول "منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط")، ومايكل آيزنشتات (زميل كان ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في المعهد) وفرزين نديمي (زميل مشارك في المعهد، ومتخصص في شؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج) وهنري روم (زميل أقدم في المعهد)، إن مثل هذه التقارير تشير إلى أن "شراكة أوسع نطاقاً في مجال التكنولوجيا المتقدمة والدفاع ستجمع بين البلدين وليس مجرد ترتيب لإبرام صفقات. وكما أشار مسؤول مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي الشهر الماضي، تُقدم روسيا لإيران مستوى غير مسبوق من الدعم العسكري والتقني الذي يغير علاقتهما. وأدّى حظر الأسلحة الدولي والعقوبات الاقتصادية القاسية المفروضة على إيران إلى تقويض قدرتها على تحديث قواتها المسلحة طيلة سنوات. ومع ذلك، قد تلبي عمليات النقل الروسية المحتملة بعض حاجات النظام الأكثر إلحاحاً وتُقدم مساهمات مهمة في قدراته العسكرية".

نقل لا استحواذ

وبحسب دوجيت-جروس وبورشيفسكايا وآيزنشتات و نديمي وروم، استفادت إيران بصورة جيدة من بنية قوتها غير المتكافئة والهجينة - التي تركز على الصواريخ والطائرات المسيرة والميليشيات الوكيلة وقدرات الردع البحري - لذا من غير المرجح أن تسعى إلى إحداث تغيير جذري في قواتها العسكرية. كما أنها لا تملك الأموال اللازمة لشراء كميات كبيرة من الأسلحة التقليدية الباهظة الثمن، ولم تتضح بعد الكمية التي تبدو موسكو مستعدة أو قادرة على تزويدها بها في الوقت الذي يتكبد فيه جيشها خسائر فادحة في أوكرانيا. لكن عمليات نقل محدودة للأسلحة والتكنولوجيا قد تسمح لإيران بسد الفجوات التي تعانيها بنية قوتها العسكرية، والتحديث الانتقائي، وتعزيز قدرات إنتاج الأسلحة المحلية. وستستمر عمليات نقل الأسلحة الأصغر حجماً في توفير مورد مفيد للجمهورية الإسلامية في مجال الهندسة العكسية، في حين أن الحصول على التكنولوجيا المتطورة من شأنه أن يعزز جهود النظام الإيراني على المدى الطويل لتحديث قوّاته وتحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي العسكري.

يضيف مؤلفو الدراسة: "حققت إيران أساساً تقدماً ملحوظاً في تطوير دفاعاتها الجوية الأرضية وتكثيفها، مستخدمةً مجموعة من الأنظمة المُنتجة محلياً وبطاريات صواريخ "أس-300" الروسية. ومن شأن امتلاكها صواريخ "أس-400" الروسية أن يعزز قدراتها الدفاعية الجوية بعيدة المدى والارتفاعات الشاهقة ويزودها بالقدرة الدفاعية الصاروخية إلى حدّ ما. وإذا استلمت كميات كافية من الصواريخ الاعتراضية ومنظومات الدفاع الجوي المتطورة، فقد تزداد صعوبة شن إسرائيل ضربة استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية وتنفيذها ضربات جوية في سوريا إذا تمّ نشر هذه الصواريخ ضمن أراضيها - على الرغم من أنها لن تؤثر بشكل كبير على نتيجة الحملة الجوية الأمريكية الأوسع نطاقاً ضد إيران".

علاوة على ذلك، كما يقول دوجيت-جروس وبورشيفسكايا وآيزنشتات ونديمي وروم، فإن التسليم المحتمل لأربعة وعشرين طائرة "سو-35" من شأنه أن يحسن مرونة إيران ومستوى ردها على التهديدات الجوية الناشئة. ويمكن أيضاً تسليح هذه المقاتلات متعددة المهام بأسلحة جو-أرض بعيدة المدى والتي من شأنها أن تُمكّن من شن ضربات مُواجَهَة ضد الدول المجاورة. وإلى جانب احتمال شراء إيران مروحيات من موسكو، فهي ترغب في الحصول على مساعدة من الشركات الروسية لبدء خط إنتاج محلي أو تطوير أنواع من المروحيات بصورة مشتركة.

على الصعيد البحري، يقول دوجيت-جروس وبورشيفسكايا وآيزنشتات ونديمي وروم إن إيران واجهت صعوبات منعتها من تحقيق تطلعاتها في المياه الزرقاء، "وقد تكون مهتمة بالحصول على سفن حربية وخبرات روسية. ولم تتمكن سوى من صنع عدد ضئيل من الطرادات والفرقاطات، التي تعتمد إلى حد كبير على تصميمات قديمة، ولجأت إلى تحويل ناقلات لتكون بمثابة قواعد بحرية استكشافية للحملات أو ناقلات طائرات مسيرة. ويتماشى تركيز روسيا في فترة ما بعد الحرب الباردة على السفن الأصغر حجماً القادرة على توجيه ضربات قوية مع تركيز إيران على سفن السطح الصغيرة المزودة بصواريخ، لكن موسكو واجهت صعوبات في إنتاجها بأعداد كبيرة، وستؤدي العقوبات الأخيرة إلى تفاقم هذه المشكلة".

وتبقى الغواصات مجالاً محتملاً آخر مهماً للتعاون بين البلدين. فإيران تعمل على تطوير عدة تصاميم محلية، لكنها قد تستفيد كثيراً من التقنيات الروسية ، أو الإنتاج المشترك، أو شراء العديد من الغواصات الجاهزة المتوسطة الحجم التي تعمل بالديزل والكهرباء.

على صعيد آخر، امتلاك إيران أقمار تصوير صناعية روسية سيمكنها من استخدام طائراتها المسيرة وصواريخها بفعالية ودقة أكبر وتحسين قدراتها في مجال الإنذار المبكر والاستهداف.

مساعدة نووية محتملة

يرجح دوجيت-جروس وبورشيفسكايا وآيزنشتات ونديمي وروم أن يكون شكل المساعدة الذي قد تقدمه روسيا إلى إيران في المجال النووي ذو طابع دبلوماسي، "فخلال الأشهر القليلة الماضية، زادت موسكو دعمها لإيران في مجلس محافظي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، ومن المرجح أن تواصل حمايتها من الإحالة إلى "مجلس الأمن الدولي" بسبب عدم امتثال نظامها لالتزامات الضمانات النووية. وقد يكون لروسيا أيضاً مساهمة في مساعي إيران المستقبلية المحتملة لصنع أسلحة نووية من خلال تزويدها بالتكنولوجيا والدراية، سواء سراً أو علناً. فعلى سبيل المثال، قد يساعد العلماء الروس إيران على إحراز تقدم في مجال بحث وتطوير منظومات الإطلاق والرؤوس الحربية وصنع مصغرات، أو التعاون في الأبحاث ذات الاستخدام المزدوج المتعلقة بالتسليح. لكن هناك العديد من الأسباب التي تدعو للتشكيك بهذه السيناريوهات. فناهيك عن أن تقديم روسيا المساعدة لإيران يتعارض مع موقفها الرسمي المناهض لتطوير طهران أسلحة نووية، فقد يثير ذلك استعداء شركاء موسكو في الخليج".

وعليه، يبدو أن إقدام إيران المحتمل على صنع أسلحة نووية لا يثير قلق الحكومة الروسية بقدر ما يثير قلق الغرب. كما أن الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا ربما تكون قد أحدثت تغييراً في حساباتها الاستراتيجية لدرجة أصبحت تعتبر هذه المساعدة وسيلة لتقويض المصالح الأميركية في المنطقة.

على الصعيد المدني، بإمكان إيران أن تطلب مساعدات إضافية لتطوير قطاعها الخاص بالطاقة النووية. فروسيا بنت أول مفاعل في محافظة بوشهر وتقوم ببناء مفاعلين آخرين. وقد تأخرت في إنجاز أعمال بناء المفاعلين الجديدين لعامين على الأقل عن الموعد المحدد لهما، إلا أنه بإمكانها أن تتعهد بتسريع وتيرة البناء أو تقدم شروطاً مالية أفضل لطهران.

تعويضات أخرى

وفقًا لدوجيت-جروس وبورشيفسكايا وآيزنشتات ونديمي وروم، قد ترغب إيران أيضاً في توطيد التعاون مع روسيا في المجال السيبراني والتجارة والاستثمار والتكنولوجيا التي تعزز أمن النظام، "فقد أولت طهران اهتماماً كبيراً بتعزيز قدراتها السيبرانية لكنها تبقى متأخرة كثيراً عن موسكو. وبعد أن رأت إيران كيف تدخلت روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2016 بشنها هجمات إلكترونية، قررت التعاون معها لمحاولة التأثير على الحملة الانتخابية في عام 2020".

قد تلجأ إيران إلى روسيا كي تساعدها على صعيد الأمن الداخلي، ولا سيما في ظل الاحتجاجات المناهضة للنظام التي تجتاح البلاد حالياً. وقد تأمل في الحصول على مركبات وأنظمة غير فتاكة للسيطرة على الحشود فضلاً عن تقنيات التعرف على الوجوه والتعقب.

توصيات وفرص

يختم دوجيت-جروس وبورشيفسكايا وآيزنشتات ونديمي وروم بالقول: "لمنع إتمام عمليات النقل المذكورة أعلاه، على الولايات المتحدة أن تبلغ إيران وروسيا أنهما تعرضان للخطر أي أنظمة أو قدرات تزودان بها بعضهما البعض، لأنهما تتيحان بذلك الفرصة أمام واشنطن وحلفائها لتطوير تدابير مضادة لها وتزويد شركائها في الشرق الأوسط وأوروبا بها. وفي الوقت نفسه، على الحكومات الغربية تحسين آليات تنسيق ضوابط التصدير المرتبطة بالمكونات التي يمكن استخدامها لصنع طائرات مسيرة. وعلى واشنطن أن توضح لموسكو وطهران أنها ستواصل الكشف علناً عن الجوانب الأكثر حساسية في علاقتهما".

إلى ذلك، على الولايات المتحدة الاعتماد على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للضغط على روسيا لكي تحدّ من عمليات النقل إلى إيران نظراً للمخاطر التي قد تشكلها على أمن المنطقة.