رجل أعمال يدافع عن التعديلات المثيرة للجدل في ويكيبيديا، وينتقد الجهود المبذولة لتنظيم الإنترنت في بريطانيا، ويقول إنها عملية بلقنة.

إيلاف من بيروت: يؤكد جيمي ويلز، مؤسس موسوعة ويكيبيديا الرقمية، أنها ليست "يسارية"، مقاومًا ردات فعل عنيفة من المحافظين في الغرب. ففي مقابلة مع صحيفة "تلغراف"، يقول رجل الأعمال إن الاتهام الموجه إلى موسوعته بأنها "حاملة لواء القضايا اليسارية" ليس دقيقًا، وإن اتهامه بشن حرب ثقافية اتهام باطل. يضيف: "لمن يتهمنا بإدارة الصحوة على الإنترنت، أقول له إن النعاس يغلبني".

اتهام بالتحيز
تعرضت ويكيبيديا - التي يكتب محتواها مجتمع من المحررين غير المأجورين - لانتقادات متكررة بسبب تحيز سياسي مزعوم في المعلومات التي ترد فيها. يتهمها معارضوها في الولايات المتحدة بالتقليل عمدًا من أهمية قصة تضر بسمعة الرئيس جو بايدن بشأن ملفات وجت على حاسوب خاص بابنه هانتر، فضلا عن نشر أخبار اقتصادية تضر بالديمقراطيين. كذلك يتهمها نقادها بأنها تحظر أو تقيد استخدام ديلي ميل وفوكس نيوز بوصفهما مصدرين لما تنشر من محتوى، بسبب توجههما اليميني.

يصر ويلز في الحوار على أن هذه حجج "لا أساس لها من الصحة". يقول: "نعتمد تقليدًا ثابتًا منذ زمن طويل في احترام حرية التعبير، وما زلت مؤمنًا بأن حلمي في الحصول على مصدر مفتوح للمعلومات الحقيقية والنزيهة يتحقق في أفضل صورة". ويردف قائلًا: "حتى لو كان الموقع متحيزًا، لا يحق للحكومة أن تتدخل"، ومن هنا يأتي رفضه لقانون يقيد الإنترنت (Online Harms Bill) يشق طريقه حاليًا عبر البرلمان البريطاني.

وبحسبه، "أن تكون صحوويًا أو أن تدافع عن أفكار لا يتفق معها الآخرون ليس أمرًا يمكن الحكومة أن تتدخل فيه"، مخاطبًا خطط وايتهول لتحميل شركات التكنولوجيا المسؤولة عن منشورات مستخدميها.

أصر "جيمبو"، كما يطلق عليه كثيرًا على الإنترنت، سنوات على أنه لا يتحكم مباشرةً بموقع ويكيبيديا، على الرغم من أنه في مقدمة حملات جمع التبرعات. في الواقع، تمتلك مؤسسة ويكيميديا رصيدًا نقديًا يبلغ 86 مليون دولار، وفق تقريرها السنوي الأخير. حتى لو توقفت التبرعات اليوم، يمكن ويكيبيديا أن تستمر 18 شهرًا أخرى من دون الحاجة إلى أحد. وويلز نفسه - وهو الرئيس التنفيذي للمؤسسة - يصر دائمًا على أنه لم يحقق ثراءه من الموقع.

بلقنة الإنترنت
سواء وافق ويلز على أن تبدأ ويكيبيديا في جمع هويات مستخدميها امتثالًا لمطالب قانون وايتهول أم لم يوافق، لا يمكن إنكار تأثير هذه الموسوعة الرقمية في العالم اليوم. يقول صندوق ويكيميديا الوقفي، وهو ذراع التبرعات الخيرية في الموقع ومقره الولايات المتحدة، إن هذه الموسوعة تتيح للقارئ الاطلاع على 57 مليون مقالة مكتوبة في 310 لغات.

إلى ذلك، يقوم علماء الذكاء الاصطناعي بنسخ كل شيء بانتظام لتدريب مواقع المحادثة مثل ChatGPT، ويرى علماء التكنولوجيا أن ثمة طرق لتسميم عمل ويكيبيديا. وفي وقت سابق من هذا الشهر، حذر ويلز من أن قانون الأمان عبر الإنترنت "محاولة خرقاء جدًا للقيام ببعض التنظيمات الإيجابية" التي تخاطر بتفكيك نسيج الشبكة العالمية، أو بلقنتها. ربما يستطيع أن يقول ذلك، إذ يعد موقعه الإلكتروني أحد أفضل عشرة وجهات على الإنترنت، مع أكثر من 10 مليارات زيارة من البريطانيين وحدهم في كل عام. والبلقنة هنا، بحسبه، تعني عزل أجزاء من الإنترنت، مثل إنشاء النسخة الغربية لمحرك صيني شهير.

في مسألة هانتر بايدن، نجل الرئيس الأميركي، تزعم النظريات الشائعة على الإنترنت أنه كان موضوع اهتمام في تحقيق مكافحة الفساد الأوكراني بقيادة المدعي العام للبلاد السابق فيكتور شوكين. تقول النظرية إنه قبل نحو عقد من الزمن، حين كان بايدن نائبًا للرئيس باراك أوباما، هدد بإلغاء ضمان قرض قيمته مليار دولار لأوكرانيا ما لم يتم إسقاط تحقيق شوكين بشأن ابنه.

تم تجاهل هذه المسألة التي أنكرها المتورطون فيها تمامًا، إلى أن نشرتها صحيفة نيويورك بوست في الأيام التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2020. ونقلًا عن رسائل بريد إلكتروني تم اكتشافها على حاسوب هانتر بايدن، أشارت الصحيفة الأميركية إلى أن الرئيس المستقبلي "التقى بإحدى جماعات الضغط الأوكرانية"، على الرغم من أنه يصر دائمًا على أنه لم يناقش أبدًا التعاملات التجارية الخارجية التي كان يؤديها ابنه. إن كانت رسائل البريد الإلكتروني صحيحة، فقد كشفت الصحيفة عن دليل على أن مرشحًا للانتخابات الرئاسية الأميركية قد كذب.

قرار تحريري
المعلقون والمنافذ الإخبارية اليسارية رفضوا القصة على الفور. وكانت ويكيبيديا غاضبة من مزاعم الكمبيوتر المحمول كغضب الحزب الديمقراطي. وضع مستخدمو الموقع علامة على مدخلة هذه المسألة كي تحذف، مدعين أن المسألة لا تستحق أن تذكر.

غرّد إيلون ماسك، الذي اشترى تويتر مقابل 44 مليار دولارفي العام الماضي، شاكيًا يسارية ويلز وتحيز موقعه في تعامله مع ملحمة فضيحة الكمبيوتر المحمول، فأتى رد ويلز أن المسألة "قرار تحريري داخلي"، لا يتناول ما إذا كان يجب الحصول على معلومات، لكن أين يجب أن تكون المعلومات على الموقع، مصرًا على أن مؤسسة ويكيميديا لا تتدخل في قرارات المحتوى.

إلا أن مسألة هانتر بايدن ليست الفضيحة السياسية الوحيدة التي واجهتها ويكيبيديا. أحد أكثر نقاد أجندة المشروع إقناعًا هو لاري سانجر، المؤسس المشارك لويلز، الذي غادر ويكيبيديا بعد عامين من إطلاقها. قال: "مرحب فقط بالأشخاص الذين يتفقون بشكل أساسي مع هذه المؤسسة اليسارية. لا يمكنك الاستشهاد بصحيفة ديلي ميل على الإطلاق. لا يمكنك الاستشهاد بشبكة فوكس نيوز بشأن القضايا الاجتماعية والسياسية أيضًا. لقد تم حظرهما. ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني أنه إذا لم يظهر الجدل في التيار الرئيسي لليسار الوسطي لوسائل الإعلام، فلن يظهر في ويكيبيديا".

اندلع الجدل بشأن ويكيبيديا ثانية في الصيف الماضي عندما اندفع الناشطون الديمقراطيون إلى الموقع بحثًا عن "الركود الاقتصادي" لحذف أي إشارة تربط سياسات بايدن الاقتصادية بالركود الذي تعانيه الولايات المتحدة. وحصل 47 تعديلًا في يوم واحد فقط، حيث حاولت مجموعة من المستخدمين مرارًا وتكرارًا أن تكتب: "لا إجماع عالميًا على تعريف الركود"، في ترديد لصدى الرسائل السياسية التي أطلقها البيت الأبيض، والتي سعت إلى التقليل من حقيقة أن بايدن هو السبب في ربعين متتاليين من الانكماش الاقتصادي.

حظر ويكيبيديا كارثة
بحسب تلغراف، يتعارض نهج عدم التدخل مع محاولة الحكومة تنظيم شركات الإنترنت وفرض القواعد حول ما يمكن وما لا يمكن نشره على الإنترنت. وعند سؤاله عما سيحدث إذا أجبر قانون الأمان على الإنترنت مؤسسة ويكيميديا على البدء في مراقبة ويكيبيديا ومستخدميها بشكل استباقي للامتثال للوائح البريطانية الجديدة، قال ويلز: "سنرفض القيام بذلك ويمكنهم حظرنا. لكن هذا لن يحدث. سيكون هذا جنونًا".

أضاف: "إذا أمرت الحكومة بشيء سخيف [مثل حجب ويكيبيديا] أعتقد أنه سيكون كارثيًا من الناحية السياسية"، مستهدفًا بهذا الكلم الجهة الناظمة الجديدة للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في بريطانيا (أوفكوم). ورد متحدث باسم أوفكوم بالقول: "عندما يتعلق الأمر بالإشراف التنظيمي، فإننا نتمتع بخبرة طويلة في العمل بصفتنا جهة ناظمة محايدة ومستقلة. لدينا مجموعة من الأدوات التنظيمية التي نستخدمها بطريقة ملائمة لإنشاء نظام أكثر أمانًا على الإنترنت، مع حماية الحرية في التعبير".

يعتقد غراهام سميث، المحامي والناقد القديم لقانون الأمان عبر الإنترنت، أن أوفكوم قد تنجذب إلى السياسة في تنظيم المحتوى عبر الإنترنت، تمامًا كما يحذر ويلز. يضيف: "كما هو الحال حاليًا في مشروع القانون، إذا لم يوافق وزير الخارجية على توصية أوفكوم لأسباب تتعلق بالسياسة العامة، يمكنه إرسال مسودة مدونة الممارسة الرقمية مع توجيه لتعديلها. وحتى لو تمت إزالة سلطة التوجيه المثيرة للجدل من مشروع القانون، ستبقى لأوفكوم سلطة اعتماد التفسيرات للقانون وتطبيقها على مواقع التواصل الاجتماعي".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مقالة كتبها غاريث غوفيلد ونشرتها صحيفة "تلغراف" البريطانية