إيلاف من الرباط:قال عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" المغربي المعارض (مرجعية إسلامية)، إن هناك "جهات خارجية" تشتغل على موضوع المناصفة في الإرث، وعلى غيره، وفق فلسفة تسير في اتجاه أنه ليس هناك رجل وامرأة، بل هناك كائن بشري يجب أن يتعامل معه بنفس الطريقة في كل شيء.ورأى أن من نتائج هذا المنطق "شقاء" الأسرة والمرأة والرجل والأطفال.
وشدد ابن كيران، الذي كان يتحدث أمس في كلمة مصورة بثت على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، على أن من شأن إقرار المناصفة في الإرث أن "يفتح الأبواب أمام التطرف والمجهول"، مشيرا إلى أن هذا التوجه "فساد في الرأي وظلم ما بعده ظلم" للرجل وللمرأة، لأن الرجل رجل والمرأة امرأة، لكل مسؤوليات يتحملها، مشيرا إلى أن مدونة الأسرة في المغرب تحمل المسؤولية داخل الأسرة للرجل وليس للمرأة، في الإنفاق وغيره.
وقال ابن كيران إنه متخوف من مثل هذه الدعوات، وأن من واجبه "التنبيه إلى خطورتها قبل فوات الأوان، لأن وراء الأكمة ما وراءها"، داعيا المغاربة إلى الانتباه، اليوم قبل الغد.
وانطلق ابن كيران، في كلمته، من الحديث عن دعوة للمشاركة في ندوة في موضوع المناصفة في الإرث بين الرجال والنساء، مشيرا إلى أن ما أثاره في دعوة من يقفون وراء تنظيم هذه الندوة، الذين قال عنه إنهم معروفون بمواقفهم "الشاردة" عن الإجماع الوطني في ما يخص الدين الإسلامي، أنها لم تأت في شأن إصلاح المدونة، وإنما جاءت بطريقة مباشرة وواضحة في موضوع المناصفة في الإرث. وقال إن هذا الموضوع أثير حوله نقاش في مراحل كثيرة من تاريخ المملكة، وكان هناك إصلاح للمدونة في اتجاه الحفاظ على تماسك الأسرة، من خلال إصلاح يتم في إطار الشرعية والمرجعية الإسلامية.
ورأى ابن كيران أن الدعوة إلى المناصفة "مبنية على فكرة خاطئة"، تتمثل في مساواة لا تراعي خصوصية المرأة وخصوصية الرجل، كما أنها مبنية على "تعارض كامل وواضح" مع نص قرآني ثابت لا خلاف حوله، قطعي الثبوت ولا خلاف بين الناس أنه وارد في القرآن، وقطعي الدلالة، لا يمكن أن يفهم إلا بهذه الطريقة، أي قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين). وذكر بن كيران أن هذا ما تم العمل به منذ أن دخل الإسلام إلى أرض المغرب، قبل 13 قرنا.
وتساءل ابن كيران عن الذين يدعون إلى المناصفة في الإرث، وإن كانت تحركهم مرجعية شرعية هي أساس المجتمع والدولة، أو يحركهم مبدأ ديمقراطي يؤكد أن المغاربة يطالبون بما يدعون إليه. وأوضح، في هذا الصدد، أنه لا المغاربة بشكل عام، ولا النساء المغربيات بشكل خاص، طالبوا بهذا الأمر، مشيرا إلى أن استطلاعات الرأي تقول إن ما بين 70 و80 في المائة أو ما بين 60 و70 بالمائة من المغاربة ليسوا على استعداد للاصطدام مع شريعتهم ومخالفتها في هذا الموضوع.
ورأى ابن كيران أن هذا المطلب ليس ديموقراطيا وليس شرعيا في آن. وقال إن نوايا من يقفون وراء الدعوة إلى المناصفة في الإرث ليست كلها سيئة، مشيرا إلى أن بينهم من يعادي سنة رسول الله ويحاول أن يقنع الناس بأن صحيح البخاري ليس صحيحا وصحيح مسلم ليس صحيحا، وشدد على القول إن من يحارب الصحيحين "يحارب الإسلام"، قبل أن يتساءل: "إذا كان ديننا يقوم على الكتاب والسنة فمن أين سنأخذ السنة؟".
وقال بن كيران إنه يحمد الله لأن المجتمع المغربي لا يقبل على مثل هذه الدعوات ولا يتجاوب معها. وعدد جملة من المخاطر، التي قال إنها ستترتب عن إقرار هذا المطلب. وقال، في هذا الصدد، إن من يدعون إلى ذلك سيخلقون العداوة بين الأخ والأخت، وبين الزوج والزوجة، وبين الأبناء، بشكل يوجه ضربة قاصمة للأسرة. وأضاف أن إقرار المساواة في الإرث سيعني أن القرآن لم يعد له معنى بالنسبة للأحكام عند المغاربة، وبالتالي فهذه الدعوة تمثل خطرا على العلاقات داخل الأسرة، وعلى شرعية وقداسة كتاب الله، وإزالة لقدسية وشرعية كتاب الله، وبالتالي اندثار الأساس الذي تقوم عليه الدولة المغربية، التي هي دولة إسلامية ، كما يقول الدستور.
كما رأى ابن كيران أن من نتائج إقرار هذا المطلب خلق مشكل سياسي، من جهة أن ملك البلاد هو أمير للمؤمنين، وإمارة المؤمنين تقوم على القرآن وسنة الرسول وعلى البيعة، وتساءل: "بماذا استرجعنا أقاليمنا الجنوبية، بالدستور أم بالبيعة؟"، مشيرا إلى أن الملك يقول إنه لن يحل ما حرم الله، ولن يحرم ما أحل الله، لا سيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية.
واستحضر بن كيران عددا من التجارب المشابهة في عدد من الدول العربية الإسلامية، مشيرا إلى عدد ممن تجرؤوا على عدد من الأحكام الشرعية، ممثلا بالرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، الذي قال عنه إنه لم يستطع المساس بقضية الإرث التي لم يتغير حكمها في تونس إلى اليوم. وأضاف أن هناك، اليوم، من يطالب المغرب، دولة أمير المؤمنين، كما يطالب المغاربة، بإلغاء حكم شرعي. وشدد على أن هذا المطلب لا يريده الشعب المغربي، ولا ملك البلاد، ولا العلماء والدعاة ومن يفقهون في الدين. "فمن يريده؟"، يتساءل ابن كيران، قبل أن يستدرك، بأن من يدعون إلى المناصفة في الإرث لا يشعرون بما يقومون به.
وخاطب ابن كيران من وصفهم بالعلمانيين واليساريين، وقال لهم إنكم تغامرون بمصير ورصيد البلد، ولا أحد طلب منكم الدعوة إلى ما تدعون إليه.
ودعا ابن كيران، في ختام كلمته، إلى عدم مساندة الندوة المقترحة، وتجنب حضور أشغالها، لأن "المشاركة في هذه الندوة هي نوع من المناصرة"، حسب قوله.
وعبر ابن كيران عن استعداد حزب العدالة والتنمية للخوض في الإشكالات التي يمكن أن تكون في مدونة الأسرة، ومناقشة بنودها كاملة، بما يرفع الضرر عن المرأة والرجل والأطفال. ورأى أن المدونة ليس نصا مقدسا، ولكن فيها أمورا مقدسة يتعين تجنبها.
وقال ابن كيران إن "الشعب لم يطالب بالمناصفة في الإرث"، وإذا أرادوا (يقصد من يقف وراء الدعوة) القيام باستفتاء فليكن. و"وقتها سنعرف إذا كان المغاربة يريدون تغيير شريعة الله أم لا"، يقول بن كيران، الذي شدد على أن احترام الشرعية والأحكام القطعية يدخل في إطار الحفاظ على استقرار ومستقبل المغرب كدولة شريفة، عريقة ومسترسلة. ورأى أن ذلك لن يكون خطأ في السياسة، بل في الشرع، لافتا إلى أن "الخطأ في الشرع يؤدى غاليا، لا قدر الله".
ودعا ابن كيران "كل من يستطيع أن يساهم في إطفاء هذه الفتنة التي لا قدر الله يشهرها هؤلاء الناس، بالكلمة الطيبة والمقالة الطيبة، أو بالنصح لهؤلاء الناس أن يعرضوا عن هذه الأشياء".
وقال بن كيران: "أن نراجع ونصحح ليس هو أن نحطم الأسس التي بني عليها ديننا، وبنيت عليها شريعتنا". ثم خاطب المغاربة: "حافظوا على بلادكم"، وزاد قائلا إن الظروف الحالية تتطلب الهدوء، وليس خلق المشاكل التي تؤدي إلى الفتنة.