إيلاف من بغداد: بخطى سريعة لكنها واثقة وهادئة، يمضي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في طريقة نحو تحويل العراق الذي كان يشتعل بغضب مواطنيه قبل توليه منصبه الى بلد حريص على مصلحة ابنائه ينهض بسواعدهم ويتسامى عن خلافات الماضي التي تكبل تطلعهم الى مستقبل افضل لهم جميعا.

أهداف مختلفة

الاتفاق الذي وقعته حكومة السوداني مع حكومة اقليم كردستان العراق حقق أهدافا عدة على صعيد الخلاف الممتد سنوات بين بغداد واربيل بشأن عائدات النفط، لكنه جاء في المقام الأول لصالح أبناء العراق في إقليم كردستان، اذ يعي رئيس الوزراء مدى اعتماد حكومة الإقليم على عائدات النفط في دفع رواتب الموظفين والاضطلاع بالمهام الخدمية لابناء الإقليم ولذلك حرص على سرعة عودة النفط الى التدفق، وهي خطوة تحسب له اذ ربما كان من مصلحة بغداد ان يتوقف تصدير النفط حتى يتم الاتفاق على كامل بنود اتفاقية النفط مع اربيل. لكن نظرة محمد شياع السوداني لاهل كردستان على انهم عراقيون بالمقام الاول جعلته يطلب استئناف امدادات النفط على الفور الى تركيا وهو توجه يعززه سعيه لتمرير مشروع قانون اعلان حلبجة محافظة في البرلمان.

وقال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في المؤتمر الصحفي المشترك مع رئيس وزراء الإقليم إن "إيقاف تصدير النفط تسبّب بضرر بالغ بمجمل الإيرادات للبلاد والاتفاق يؤكد الرغبة الجادة والصادقة من قبل الحكومة الاتحادية وحكومة كردستان لمواجهة كل المشاكل والمعوقات التي ورثت منذ سنوات وأجلت ولم نصل فيها إلى حلول".

اثنت الخارجية الأميركية على الاتفاق قائلة انه جاء نتيجة العمل الجاد للقادة العراقيين الذين يضعون احتياجات المواطن العراقي في المقام الأول.

هناك أيضا سبب اخر لتوقيع الاتفاق، وهو ان يكون لبغداد حق الاشراف على صادرات النفط العراقية ومراقبة الاموال التي يتم تحصيلها من مبيعات النفط وهي نقطة لايمكن ان يتغاضى عنها أي رئيس وزراء غيور على صالح بلاده ومواطنيه.

مستويات عالية

كل هذه الجهود تأتي في اطار اصرار الحكومة العراقية برئاسة السوداني على الارتقاء بقطاع الطاقة الى مستويات عالية ويدلل على ذلك ابرام العراق للصفقة الاخيرة مع شركة توتال انيرجيز الفرنسية العملاقة لانجاز مشروعات بنية أساسية في قطاع الطاقة، اذ صرح مستشار رئيس الوزراء لشؤون الطاقة عماد العلاق "هذه الصفقة تم التوصل اليها بعد مفاوضات طويلة بين الحكومة العراقية وتوتال انيرجيز. كان الاتفاق المبدئي ان يحصل العراق على 25 في المائة من الاسهم وتوزع الاسهم الاخرى بين توتال انيرجيز وقطر للغاز. ثم رفضت الحكومة العراقية هذه النسبة وقررت ان ترفعها إلى 40 في المئة وهو ما رفضته توتال ثم جاء الاتفاق الجديد ليمنح العراق 30 في المئة وقطر للغاز 25 في المئة".

وهذا المشروع من الأهمية ربما الى حد دفع الحكومة الى التراجع عن مطالبتها بنسبة 40 في المئة سابقا، اذ سيتم بناء مشروع لاستثمار الغاز المحترق وكذلك تطوير حقل ارطاوي النفطي وإقامة محطة لتحلية مياه البحر ومشروع للطاقة السمية بسعة الف ميجاواط.

واغلب الظن ان الحكومة العراقية تراجعت ومررت هذه الصفقة لعدة أسباب، أولا انها تسعى الى الوصول بنسبة الغاز المحترق الى صفر على مدى الأعوام القليلة المقبلة، وبالتالي استثماره في توليد الكهرباء بدلا من احتراقه وضياع مليارات الدولارات في الهواء سنويات هي في الغالب اكثر مما سيكسب العراق من نسبة العشرة في المائة المختلف عليها.

هدف ثان

الهدف الثاني هو اعلان عودة الشركات الغربية الكبرى الى الاستثمار في العراق وهو ما سيطمئن ويجذب المزيد من المستثمرين الأجانب. فيما تعد مشاركة قطر للغاز في المشروع حلقة جديدة في مسلسل التقارب العراقي العربي الذي تدلل مشاركة الشركة القطرية على ان ثماره بدات تؤتي اكلها بالفعل.

تتجلى الاستراتيجية الكاملة لرئيس الوزراء في مجال الطاقة والنفط في ان كل خطوة يخطوها في هذا المجال تقود الى الاخرى بانسيابية لم تكن معهودة قبل ان يتولى الحكومة.

فتوقيع عقود النفط والغاز مع شركات صينية واجنبية يتبعه افتتاح مصفى كربلاء العملاقة وبعدها بيومين يتم التوصل لاتفاق مع اربيل في انتظار اتفاق اشمل ويعقب ذلك التوصل الى الاتفاق مع توتال انيرجيز . كل هذه الخطوات المتسارعة هي نتيجة المسار الجديد المبني على الهدوء والدبلوماسية الناعمة التي ينتهجها السوداني دون تفريط بحقوق العراق ومصلحة الشعب وبات واضحا ان هذه الخطوات تؤتي ثمارها اسرع مما كان متوقعا.