ما هي الصورة الحقيقية لأفغانستان بعد عودة طالبان إلى الحكم؟ وكيف يعيش الأفغان في ظل هذا الحكم الذي ظنوا في نهاية عام2003 أنهم تخلصوا منه إلى الأبد؟

هذا ما حاولت مجلة "لوفيغارو" الفرنسية توضحيه لقرائها من خلال تحقيق حمل عنوان :"بلاد تُقاد على غير هدى".

ويبدأ هذا التحقيق بوصف دقيق لمشاهد مزرية في العاصمة كابل، حيث يتكدس تحت أحد الجسور مئات من المدمنين على المخدرات، وحولهم أكداس من الفضلات التي تطلق روائح كريهة. وهم لا يغادرون أماكنهم لا في النهار ولا في الليل من دون أن يعيروا أي اهتماما لأحوال الطقس.

ويصفهم كاتب التحقيق على النحو التالي: "وجوههم الذابلة التي شوهتها المخدرات تعرض حفرا سوداء مكان عيونهم التي لا يصدر منها أيّ ألق. وهم لا يتكلمون بل يطلقون نخيرا مفزعا. وهناك ثلاث جثث ممددة بينهم. وخلال أشهر الشتاء، فتك البرد الشديد بـ117 منهم. وهذا باعتراف طالبان أنفسهم. إلاّ أن عدد الضحايا كان أكثر من ذلك".

ويقول فتى يدعى سليم:" يمكن أن تبقى الجثث الثلاث بضعة أيام أخرى لأنه لم يتم إلى حد الآن التعرف على هويتهم، وعلى عائلاتهم. وهم قضوا ممددين مثلما هو حالهم الآن كما لو أن صاعقة ضربتهم".

ويشير تقرير صادر عن الأمم المتحدة إلى أن عشرة بالمائة من الأفغان مدمنين على المخدرات. كما أن أفغانستان تنتج 80 بالمائة من الأفيون المستهلك في جميع أنحاء العالم.

وعلى بعد بضع مئات من الأمتار يقف حراس طالبان بشعرهم الكثيف ووجوههم العابسة لمراقبة حركة الناس من دون أن يعيروا أي اهتمام لتلك الجثث التي تتعفن في العراء، ولا بأولئك الذين تفتك بهم المخدرات يوميا.

ومنذ عودة طالبان إلى السلطة في صيف السنة الماضة، يسعى مئات من رجال الشرطة والمخابرات والإدارة الذين كانوا يعملون مع النظام القديم إلى الاختفاء عن الأنظار خشية عقاب صارم قد يُسلط عليهم. كما أنهم يبذلون جهودا مضنية بهدف الحصول على تأشيرة تسمح لهم بمغادرة البلاد. وما تزال العمليات الإرهابية تضرب العاصمة كابل ومناطق أخرى ليكون عدد ضحاياها بالعشرات.

ويواجه نظام طالبان مصاعب جسيمة على جميع المستويات. وفي كل يوم تزداد الأوضاع سواء من دون أن تكون لرجال السلطة أي حلول للأزمات المتلاحقة. وعند منتصف النهار، تقفر الوزرات والمؤسسات الكبيرة من موظفيها، ولا يتبقى في شوارع كابل غير شرطة طالبان التي تطارد النساء، وتراقب لبساهن. فإن غفلت واحدة منهن، وكشفت ولو جزءا صغيرا من وجهها، فإنها تجد نفسها مُعرّضة للجلد، وربما إلى عقاب أسوأ من ذلك. وقد سمع كاتب التحقيق شرطيا يخاطب فتاة قائلا:" أختي، ألست مسلمة؟ أين شرفك؟ هناك رجال في البزار. وهؤلاء الرجال هم مثل الذئاب. المرة القادمة سوف تتلقين تحذيرا".


نساء تتظاهرن من أجل حقوقهن في أفغانستان

وبحسب القانون الجديد، فإن التحذير الثالث يعقبه استدعاء عائلة الفتاة بكاملها ليكون العقاب جماعيا. ورغم أن المجاعة تحصد مئات الأرواح في أفغانستان، فإن التسول ممنوع منعا باتا. وكل من يخالف ذلك، يجد نفسه مُعرضا لعقاب صارم. مع ذلك، هناك ما يقارب 10000مدرسة سرية خاصة جل من يرتادونها فتيات. وإلى حد الآن لم يتمكن نظام طالبان من الكشف عنها. وقد تكون هذه المدارس الأمل الكبير في الخلاص من ليل طالبان الطويل.