تنكبّ الحكومة الفرنسية منذ أشهر طويلة على سنّ قوانين جديدة للحد من الهجرة التي أصبحت تُشكّل ما يشبه المعضلة التي تستغلها الأحزاب اليمينية بجميع مُكوّناتها لكسب المزيد من الانتصارات في الانتخابات، وفي المشهد السياسي بصفة عامة.

وفي عددها الأخير، التقت مجلة "بوليتيس" بالكاتب جان ماري غوستاف لوكلزيو الحائز على جائزة نوبل للآداب، وبفرانسوا هيران الأستاذ في "الكوليج دو فرانس" والذي يحتل مكانة بارزة في المشهد الثقافي والفكري في بلاده للتحاور معهما حول موضوع الهجرة.

وقد كتبت مجلة "بوليتيس" تقول بإن مدنا فرنسية عديدة ترفض إقامة مراكز لإيواء اللاجئين الذي يتدفقون على البلاد بأعداد وفيرة كل عام. ولا يخفي كثير من الفرنسيين كراهيتهم للاجئين، بل أنهم يعتبرون وجودهم خطرا على أمن البلاد، وعلى ثقافتها. لذا ترغب الحكومة الفرنسية الحالية في أن يكتمل مشروع القانون الجديد للحدّ من الهجرة ليُعرض على البرلمان في أقرب وقت ممكن.

ويعتقد فرانسوا هيران أن كلمة "مهاجر" لا تعكس المعنى الحقيقي للهجرة راهنًا. لذا هو يفضل كلمة "لاجئ" لأن جلّ الذين يتدفقون راهنا على فرنسا، وعلى أوروبا بصفة عامة فرّوا من المجاعات ومن الكوارث ومن الأنظمة الفاسدة والديكتاتورية.

ويشير فرانسوا هيران إلى أن لاجئين كثيرين من العراق وسوريا وأفغانستان يقيمون في بلدان مجاورة لبلدانهم مثل إيران وتركيا ولبنان والأردن. والأغلبية الساحقة منهم يعيشون أوضاعا سيئة للغاية، ويواجهون مصاعب كثيرة في حياتهم اليومية من دون أن يثير ذلك شفقة المنظمات الدولية التي تعنى بشؤون اللاجئين.

أما لوكليزيو فيقول بإنه لا يرغب في أن يكون عقلانيا أمام موضوع الهجرة، بل عاطفيًا لأنه عاش في طفولته وفي سنوات شبابه أشكالا مختلفة من الهجرة، وعانى من آلامها ومن أوجاعها. لذا هو يرفض كل قانون يسمح بغلق حدود فرنسا أو أي بلد آخر أمام المهاجرين.

لكن فرانسوا هيران يرى أن العالم تغير، وأن الحدود المفتوحة مثلما كان الحال في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، لم تعد ممكنة لأسباب عديدة. لذلك لم يعد من الممكن أن يدعي الفرنسيون بأنهم "أبطال اللجوءّ. كما أن فرنسا لم تعد "جذابة" مثلما كان حالها من قبل. إذ أن جل اللاجئين الوافدين من العراق وسوريا وأفغانستان وحتى من أوكرانيا يفُضّلون الاستقرار في بلدان مثل ألمانيا، والبلدان الاسكندنافية.

ويقول لوكليزيو بإن احترام حقوق الانسان هو أحد أسس المبادئ الأساسية والإنسانية التي صوتت عليها الدول الأوروبية.

لذا فإن التخلي عنها يعتبر خيانة ونكوصا إلى الوراء. إلاّ أن لوكليزيو وفرانسوا هيران يتفقان في النهاية على أن السياسة والدين يفرقان بين الشعوب، وقد يدفعان بها إلى التحارب والتقاتل والتباغض. وحدها الثقافة قادرة على أن تمد الجسور بين الأمم والشعوب، وتنشر مبادئ التسامح والتضامن في ما بينها. وهذا ما أكده التاريخ على مدى مراحل مختلفة من التاريخ البشري.

وقد يجد اليمينيون والعنصريون متعة في الاستماع إلى موسيقى أفريقية، بل قد يرقصون على ايقاعاتها، لكنهم يرفضون أفريقيًا فارًا من بلاده بحثا عن لقمة العيش، لأن الخطاب السياسي الموجه إليهم يؤكد لهم ان ذلك الأفريقي يمثل خطرًا على حياتهم، وعلى هويتهم الثقافية والعرقية والدينية.