لاهاينا (الولايات المتحدة): عاد أنتوني لابوينتي إلى دياره في مدينة لاهاينا بجزيرة ماوي ليجد كومة أنقاض متفحّمة لم تبرد بعد، هي كلّ ما تبقّى من منزله، فالحريق الكارثي الذي التهم العاصمة السابقة لمملكة هاواي لم يوفّر فيها شيئاً تقريباً.

ويقف هذا الرجل البالغ من العمر 44 عاماً مذهولًا، لكأنّه لم يستفق بعد من صدمة اختفاء منزله.

ويقول لابوينتي لوكالة فرانس برس "الأمر الوحيد الذي يمكنني قوله هو إنّ الأمر مؤلم (...) من الصعب أن لا يتمكّن المرء من أن يعثر على الأشياء التي نشأ عليها، الأشياء التي تعيش في ذاكرته".

وعلى غراره، عاد تدريجياً عشرات من أبناء لاهاينا إلى مدينتهم بعدما أعادت السلطات ظهر الجمعة فتح الطريق المؤدّية إلى هذا المنتجع السياحي الرئيسي في جزيرة ماوي.

وبعد أن غادروها على عجل هرباً من ألسنة النيران، عاد سكّان لاهاينا ليجدوها وقد استحالت أكواماً من الركام والرماد، بعيداً جداً عن أجواء البطاقات البريدية التي ميّزت هذه المدينة الساحلية التي يبلغ عدد سكّانها 12000 نسمة ويقصدها آلاف السيّاح سنوياً.

وليست المنازل وحدها ما التهمته نيران الحريق الكارثي، فحطام السيارات، والقوارب أيضاً، شاهد على الجحيم الذي عاشته المدينة.

نطاق الدمار لا يصدّق
ونطاق الدمار في لاهاينا يكاد لا يصدّق، كما لو أنّ المدينة تعرّضت للقصف.

ولاهاينا هي العاصمة السابقة للملك كاميهاميها، أي قبل أن تضمّ الولايات المتّحدة أرخبيل هاواي إليها في 1898.

وإذا كان شاطئ لاهاينا أشبه بقطعة من الجنّة فإنّ من أشهر معالم هذه المدينة السياحية شجرة بانيان ضخمة ومهيبة يزيد عمرها عن مئة عام وجرت تحتها العديد من الرقصات التقليدية.

لكنّ ما قبل الحريق ليس كما بعده، فالشجرة المعمّرة أكلت نصيبها من النيران.

ولقي ما لا يقلّ عن 67 شخصاً مصرعهم في حريق لاهاينا، بحسب آخر حصيلة رسمية مؤقّتة للضحايا.

وليس البشر وحدهم ضحايا حريق لاهاينا، ففي الشوارع المدمّرة بقايا متفحّمة لقطط وطيور باغتتها النيران.

والتهمت النيران الأعمدة الكهربائية تاركة كابلاتها تتدلّى في الفراغ، بينما لا تزال بعض بؤر الجمر تحترق هنا وهناك.

أمّا أنقاض السيارات التي التهمتها النيران فيتمّ طلاؤها بعلامة X كبيرة باللون الأصفر لكي يعلم عناصر الإطفاء أنّ هذه السيارات تمّ تفتيشها بحثاً عن بقايا بشرية محتملة.

وفي سائر أنحاء المدينة تنتشر أكوام من الرماد، بعضها لا يزال الدخان يتصاعد منه. هذه الأنقاض هي الدليل الوحيد على أنّه في هذه الأمكنة كانت هناك، قبل أيام قليلة منازل شامخة.

تحت الأنقاض
بين أنقاض منزله عثر لابوينتي على هيكل كرسي معدني فتناوله وسخّره مجرفة راح يحفر بواسطتها بين أنقاض مطبخه القديم.

تحت أكوام الرماد، عثر لابوينتي على طبل نجا من الحريق، غير أنّ ما كان يأمل بالعثور عليه حقاً هو صناديق الصور وذكريات والده الراحل، لكنّ النيران أحالتها هباء منثوراً.

ويقول "كنتُ قد جمعتُ أغراض والدي على أمل أن أتمكّن من ترتيبها يوماً ما، لكن لم يتبقّ شيء".

بيد أنّه بالنسبة إلى كثيرين، فإنّ الأهمّ من هذه الكنوز الشخصية هو "معجزات صغيرة" تتمثّل بنجاة قريب أو جار أو صديق.

وسط الخراب اللامتناهي في لاهاينا تعانق تشينا تشو جارتها أمبر لانغدون وتصيح والفرحة تملأ عينيها "لقد نجوتِ!".

وبالإضافة إلى أهوال الحريق عانى سكّان الجزيرة من صعوبة في التواصل وعدم التمكّن من الاطمئنان على بعضهم البعض بسبب صعوبة الاتصالات في الجزيرة.

وتضيف تشو "لقد حاولتُ العثور عليكِ".

أمّا كيث تود فينظر بذهول إلى مبنى وحيد لا يزال منتصباً وسط أكوام الركام المتناثرة على طول الشارع. هذا المبنى هو منزله وقد نجا من الحريق في حين سوّت النيران بالأرض بقية المنازل المجاورة.

لا بل إنّ الألواح الشمسية التي تعلو منزله تواصل إمداد مطبخه بالكهرباء.

ويقول تود بينما ينظر للخراب الذي لحق بجيرانه "أنا ممتنّ للغاية، لكن في نفس الوقت إنّه أمر مؤلم جداً".

ومنزل تود ليس الناجي الوحيد من الحريق، فكنيسة ماريا لاناكيلا الكاثوليكية تنتصب وسط هضاب من الركام في شارع "واين"، وعلى ما يبدو فهي سالمة.

قائمة ضحايا الحريق
كذلك فإنّ الجدران الحجرية لسجن "هيل باهاو" التاريخي لا تزال قائمة، لكنّ المبنى الخشبي الذي استُخدم في الماضي لمعاقبة البحّارة المشاغبين لم يعد موجوداً: لقد أتت النيران على 170 عاماً من التاريخ.

وعلى بُعد بضع شوارع، أصبح شارع "فرونت ستريت" أثراً بعد عين بعدما كانت المطاعم ومحلات الملابس تصطف فيه لتطلّ منه على الواجهة البحرية للمدينة.

وفي ميناء لاهاينا المقفر، غطّى الرماد القوارب الراسية، وبعضها ذاب جزئياً، بينما قوارب أخرى غرقت بكل بساطة.

بدورها لا تزال البانيان العظيمة منتصبة في لاهاينا، لكنّ النيران التهمت أوراق هذه الشجرة العتيقة ذات الجذوع الضخمة فأصبحت عارية لا يكسوها سوى سخام أسود، لكأنّها هيكل عظمي.

وحتى الآن لا أحد يعرف حجم الضرر الذي لحق بهذه الشجرة وما إذا كانت ستتمكّن من الصمود أم ستُضاف لقائمة ضحايا الحريق.

لكن ما يعرفه الجميع هو أنّ المدينة التي كانت هذه الشجرة تحرسها أصحبت أثراً بعد عين.