تركزت مداولات أعضاء مجلس الأمن على السعي للتوافق على نداء إنساني يخخف من حدة الوضع الكارثي الذي يعاني منه أكثر من 2.3 مليون فلسطيني من المدنيين المحاصرين الذين يعيشون معاناة في ظروف بالغة الخطورة في غزة.
ودارت نقاشات في الغرف المغلقة سعيًا للتوافق على قرار يحقق وقفًا لإطلاق النار فورًا بين إسرائيل وحماس.

وبعد الجلسة العلنية الطارئة التي عُقدت أمس الاثنين حول "الوضع في الشرق الأوسط والأزمة الفلسطينية" بطلب من الإمارات العربية المتحدة والصين، واصلت الدول العشر غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وفي مقدمها البرازيل ومالطا، العمل لإعداد مشروع في المجلس يحاكي بعض ما جاء في القرار الذي أصدرته الجمعية العامة للمنظمة الدولية بغالبية ساحقة الأسبوع الماضي.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤلفة من 193 دولة، صوّتت بأكثرية 121 صوتًا (أكثر من الثلثين) مع اعتراض 14 دولة فقط وامتناع 44 دولة عن التصويت، لمصلحة قرار يطالب بـ"هدنة فورية لأسباب إنسانية" لتوفير المياه والغذاء والوقود والكهرباء "فورًا"، و"بكميات كافية من دون عوائق"، فضلًا عن الدعوة إلى "إطلاق جميع الرهائن المدنيين من دون قيد أو شرط".

وصوّت عدد من الدول الأوروبية، مثل فرنسا، لمصلحة القرار الذي أعدته المجموعة العربية، في حين امتنعت ألمانيا، وإيطاليا، وبريطانيا وكندا عن التصويت. وصوتت النمسا والولايات المتحدة ضد القرار.

وضعٌ كارثي
وفي جلسة هي الخامسة منذ الهجمات الواسعة النطاق التي نفّذتها "حماس" في 7 أكتوبر (تشرين الأول) ضد إسرائيل، استمع أعضاء مجلس الأمن إلى إحاطات من المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم في الشرق الأدنى (أونروا) فيليب لازاريني، والمسؤولة الكبيرة لدى مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ليزا دوتن، والمديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) كاثرين راسل، الذين أجمعوا على أن المدنيين في غزة يعانون "وضعًا كارثيًا" يستوجب تدخل المجتمع الدولي.

أوامر الإجلاء
ووصف لازاريني الهجمات التي شنّتها "حماس" على إسرائيل بـ"المروعة"، مضيفًا أن القصف الإسرائيلي المتواصل على غزة "يثير الصدمة". وأشار إلى أن مستوى الدمار غير مسبوق، مؤكدًا أنه "لا يوجد مكان آمن" في غزة.

ووصف أوامر الإجلاء التي تصدرها القوات الإسرائيلية للمدنيين بالتوجه جنوبًا، بأنها ترقى إلى "التهجير القسري" لأكثر من مليون من الفلسطينيين الذين يعيشون هناك. وأوضح أن "الأونروا" خسرت 64 من العاملين لديها في غزة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، في أعلى حصيلة على الإطلاق بين عاملي الإغاثة التابعين للأمم المتحدة في النزاعات خلال مثل هذه الفترة الوجيزة من الوقت.

وأكد أن "الفظائع التي ارتكبتها (حماس) لا تعفي إسرائيل من التزاماتها وفق القانون الدولي الإنساني"، مشددًا على ضرورة "ضمان تدفق المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومن دون عوائق إلى غزة"، بالإضافة إلى أن "الوقف الفوري لإطلاق النار لأغراض إنسانية" بات "مسألة حياة أو موت" بالنسبة إلى أكثر من مليوني مدني يعيشون في القطاع.

كذلك، ناشدت راسل أعضاء المجلس اعتماد قرار على الفور يُذكّر الأطراف بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، ويدعو إلى "وقف إطلاق النار"، ويطالب الأطراف بـ"السماح بتوصيل المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق وإطلاق جميع الأطفال المختطفين والمحتجزين بشكل فوري وآمن"، موضحة أن أكثر من 3400 طفل قُتلوا في غزة، بينما أصيب 6300 طفل آخر منذ بدء الحرب؛ وهو ما يعني أن أكثر من 420 طفلًا يُقتلون أو يُصابون يوميًا في غزة، في عدد "يجب أن يزلزل أعماق كل واحد منا".

وقالت دوتن: إنه من الصعب نقل "حجم الرعب" الذي يعيشه الناس في غزة، حيث أصبحوا "يائسين بشكل متزايد، بينما يبحثون عن الغذاء والماء والمأوى" وسط حملة قصف متواصلة "تمحو عائلات وأحياء بأكملها".

الموقف الأميركي والروسي
وعلى رغم انتقاداتها للقرار الذي اعتمدته الجمعية العامة الأسبوع الماضي بسبب عدم ذكره إسرائيل أو "حماس" بالاسم، ذكّرت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد بمشروع القرار "القوي والمتوازن" الذي قدمته الولايات المتحدة وأسقطته روسيا والصين باستخدام حق النقض (الفيتو)، مستدركة أن بلادها "مستعدة لمواصلة العمل مع أي دولة عضو بالأمم المتحدة ملتزمة باعتماد قرار قوي ومتوازن". وقالت: إن "أي قرار يُعتمد من المجلس يجب أن يدعم الجهود الدبلوماسية المباشرة التي يمكن أن تنقذ الأرواح وتعزز آفاق مستقبل أكثر أمنًا وازدهارًا للمنطقة".

ورأى نظيرها الروسي فاسيلي نيبينزيا، أن "أولوية المجتمع الدولي الآن يجب أن تركز على وقف إراقة الدماء والحد من الضرر اللاحق بالمدنيين ونقل الوضع إلى المسار الدبلوماسي السياسي". وشدد على ضرورة "تكريس الجهود الجماعية لإعادة إطلاق عملية التفاوض الكاملة بين الإسرائيليين والفلسطينيين بهدف تحقيق حل الدولتين المدعوم من الأمم المتحدة".

فرنسا وبريطانيا
وكذلك، أكد المندوب الفرنسي نيكولا دو ريفيير، أن بلاده تدعم جهود الدول العشر غير الدائمة العضوية لإصدار قرار يركز على الجانب الإنساني وتخفيف معاناة المدنيين في قطاع غزة. وقال: "ستواصل فرنسا مشاركتها في هذا المجلس لضمان اعتماد القرار في أسرع وقت ممكن. ونحن مدينون بذلك للإسرائيليين والفلسطينيين".

وأعلنت نظيرته البريطانية باربرا وودوارد، أن المملكة المتحدة "ملتزمة حق إسرائيل في الدفاع عن النفس ضد الإرهاب، والذي يجب أن يكون متوافقًا مع القانون الإنساني الدولي"، مضيفة أن "المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية ضمان وضع خطة لغزة توفر الأمل لسكانها". وشددت على "مبادئ التناسب والتمييز والضرورة، ووجوب اتخاذ كل خطوة ممكنة لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين".