مع مرور نحو أسبوعين على الاجتياح البري الإسرائيلي لغزة، تستمر الصحف البريطانية والإسرائيلية في تحليل الوضع الراهن للحرب التي تدور رحاها، منذ الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وسلطت صحيفة هآرتس الضوء على دخول الحرب في غزة يومها الخامس والثلاثين، أي أنها امتدت لأكثر من عدد أيام حرب لبنان عام 2006، التي استمرت لـ34 يوماً.
وقد وُصفت حرب لبنان في ذلك الوقت بأنها "مأزق محبط" لإسرائيل التي واجهت صعوبة في هزيمة عدوها "حزب الله"، لكن الصحيفة الإسرائيلية ترى أن الوضع هذه المرة مع حماس "أشد صعوبة".
فقد دخلت إسرائيل الحرب وهي تعاني من "عجز رهيب"، نتيجة "فشل مروع" في مجال الاستخبارات والتأهب لهجوم حماس في نهاية الأسبوع الأول من الشهر الماضي. وبحلول الوقت الذي تعافت فيه القوات الإسرائيلية وبدأت فيه القتال بفعالية، كان ما يقرب من 1200 إسرائيلي قد قُتلوا بالفعل واختُطف نحو 240 آخرين.
ووصف التقرير ما يحدث في غزة منذ ذلك الحين وحتى الآن بأنه "أشبه بمحاولة يائسة لملاحقة عدو أشعل النار بالفعل ويتقدم بسرعة".
فبعد عام 2006، فهم الجيش الإسرائيلي أن الطريقة الأكثر فعالية لترجيح كفة الميزان تتطلب ضرب العدو بشدة خلال فترة زمنية قصيرة، وأن المناورة البرية ضرورة حيوية لتحقيق النصر.
ومع ذلك، انتظرت إسرائيل نحو ثلاثة أسابيع قبل إرسال قوات برية إلى قطاع غزة، بسبب قيود مختلفة، ويتكبد الجيش الإسرائيلي خسائر عندما تقوم حماس بقنص القوات التي تدخل في وضع ثابت، أو عندما تهاجم منشآت أكثر أهمية لحماس تتمتع بحماية أكثر كثافة، بحسب الصحيفة.
موسى أبو مرزوق لبي بي سي: حماس لم تقتل مدنيين في إسرائيل
كيف تختلف آراء الإسرائيليين بخصوص نتنياهو؟
وبحسب التقرير، فإن الأهداف الرسمية لإسرائيل المتمثلة في القضاء على خطر حماس هي مجرد "طموحات"، والقدرة على تحقيقها تعتمد على ثلاثة عوامل: القوة العسكرية الفعالة، وتحديد الوقت الكافي، والقدرة على العمل في جنوب قطاع غزة.
ومن وجهة نظر إسرائيل، فإن عنصر الوقت له أمر بالغ الأهمية؛ ويتحدث قادة الجيش الإسرائيلي في الميدان عن إطار زمني مدته أشهر لتخليص شمال قطاع غزة من القدرات العسكرية.
في المقابل، تشير واشنطن إلى أن الأمر لن يستغرق سوى بضعة أسابيع، بعد التوصل إلى صفقة محدودة لإطلاق سراح الأسرى. وبعد ذلك، تضغط الولايات المتحدة لوضع القتال في صيغة مختلفة كما يرى تقرير الصحيفة.
وقارن التقرير بين الهجوم الأمريكي العراقي ضد تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية في الموصل قبل نحو خمس سنوات، وبين الوقت الحالي، قائلاً إن المشكلة في حرب غزة تتفاقم بسبب عنصرين: شبكة الأنفاق المتشعبة، والعديد من المباني الشاهقة، على الرغم من تدمير جزء كبير منها في الهجمات الإسرائيلية.
ويشير التقرير إلى العديد مما يصفه بالإشارات الإيجابية لتقدم القوات الإسرائيلية؛ حيث انخفض إطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل وعلى وسطها بشكل كبير هذا الأسبوع، ما قد يعكس الصعوبات التي تواجه الهيكل القيادي لحماس، لاسيما بعد مقتل 15 من قادة كتائب حماس.
ومع ذلك، يؤكد التقرير الإسرائيلي على أن "النصر في الحرب يتحقق عندما يتوقف أحد الأطراف، سواء بالاستسلام التام أو بانهيار أنظمته".
ومع ذلك، تبدو حماس "بعيدة كل البعد" عن ذلك في الوقت الراهن، بحسب هآرتس، لاسيما في ضوء الحديث عن هدنة وصفقات لإطلاق المحتجزين من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
الرهائن الإسرائيليون ومعركة الملصقات
ننتقل إلى صحيفة الغارديان البريطانية، وتقرير عن ردود الفعل العنيفة على ملصقات تحمل صور الرهائن الإسرائيليين لدى حماس، نشرها اثنان من الفنانين عبر الإنترنت، بعد يومين من هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وصمم كل من نيتسان مينتز وديدي باندايد منشورات باللونين الأحمر والأبيض، تحمل صور وأعمار الرهائن تحت شعار "مختطفون"، وانتشرت بسرعة على نطاق واسع من الولايات المتحدة إلى الأرجنتين وبريطانيا ومختلف أنحاء أوروبا.
وجاءت فكرة المنشورات بعد أن تواصلت مينتز مع عمتها التي طلبت منها عدم العودة إلى إسرائيل أبداً، "لأن إسرائيل سيتم تدميرها" ولن يكون هناك منزل تعود إليه.
وتضمن تصميم الملصق العبارة التالية: "أكثر من 8500 امرأة ورجل وطفل، تتراوح أعمارهم بين 3 أشهر إلى 85 سنة، أصيبوا أو قتلوا أو تعرضوا للضرب والاغتصاب والفصل الوحشي عن أحبائهم على يد حماس".
وتوجه الاثنان إلى إحدى المطابع، وحصلا على 2000 نسخة، ثم شرعا في المشي وتوزيعها من سنترال بارك إلى مانهاتن، ووضعا الملصقات على أعمدة إنارة الشوارع ومحطات مترو الأنفاق.
في البداية، لم تلق هذه الملصقات رد الفعل الذي كان يأمله الاثنان؛ حيث واجها تجاهلاً من سكان نيويورك، ولم يتعاطف أحد معهما. بل وزعم البعض أن الإسرائيليين المختطفين قد قُتلوا بالفعل، ولا جدوى من وضع الملصقات.
لذا، قام الزوجان بتحميل الملصقات على الإنترنت، ونشراها على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بهما مع رسالة تشجع الناس على تحميلها وطباعتها.
وفي اليوم التالي، انتشرت الصور انتشار النار في الهشيم. وشاهد الاثنان في مانهاتن الكثير من الملصقات التي لم تكن موجودة من قبل، حتى أنها ترجمت حالياً إلى 36 لغة.
ومع انتشار الملصقات، حدث رد فعل عنيف، وظهرت مقاطع فيديو تظهر أناساً يزيلون المنشورات ويمزقونها، قائلين إن ذلك ترويج للصهيونية، بينما رد آخرون بأنهم صهيونيون، ما أثار جدلاً بأن ذلك يعني تبرير الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.
ما هي حركة بي دي أس العالمية التي تدعو لمقاطعة إسرائيل؟
ما الفرق بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية؟
وفي بروكلين، ألقي القبض على رجل في مشاجرة مع أشخاص حاولوا حماية الملصقات وسط الكثير من الشتائم. وفي مقاطع فيديو أخرى، واجهت مجموعة من عمال البناء في نيويورك رجلاً يحاول إزالة الملصقات، فيما ألقي القبض على منتج مسرحي في برودواي وهو يقوم بإزالة المنشورات. وفي مكان آخر، ألصق أحدهم كلمة "محتل" فوق كلمة "مختطف".
وقد فوجئ الفنانان باستخدام المنشورات في معركة على مستوى العالم في إطار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ووجهت اتهامات بأن المنشورات هي جزء من حملة دعائية لتسويغ قتل إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين في غزة.
وترى مينتز أن السبب يعود إلى معاداة السامية من ناحية، واعتقاد البعض أن هذه الصور مزيفة من ناحية أخرى، كما يرى البعض أن الملصقات "دعاية موجهة لإيذاء الفلسطينيين، ولتحويل وجهة نظر العالم سياسياً ضد الفلسطينيين".
واعتذرت طالبة جامعة نيويورك التي تم تصويرها وهي تمزق الملصقات، لكنها قالت في بيان إن أفعالها كانت بسبب قيام إسرائيل بقتل المدنيين في غزة، ولم تكن هناك ملصقات لآلاف الضحايا الفلسطينيين، من الأطفال الأبرياء والمراهقين والبالغين وكبار السن الذين ليسوا من حماس.
ونقلت الصحيفة عن أحد الناشطين المؤيدين للفلسطينيين، طلب عدم ذكر اسمه، قوله إن المنشورات باتت الآن جزءا من حملة دعائية مؤيدة لإسرائيل لتبرير قتل المدنيين الفلسطينيين في غزة.
وأضاف أن "هناك شعورا بأن الضحايا الإسرائيليين هم دائما في المقدمة"، مؤكداً على أن تمزيق المنشورات نابع من "غضب طويل الأمد من الشعور بأن حياة الإسرائيليين فقط هي التي يُكترث لها، وأن الوفيات الإسرائيلية هي وحدها التي تُحصى وتحظى بالاهتمام".
وأضاف: "يُقتل الفلسطينيون طوال الوقت على يد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، ولا يتم تسجيل وفياتهم في الصحافة. وحتى الآن، ومع مقتل أكثر من عشرة آلاف في غزة، أكثر من أربعة آلاف منهم من الأطفال، فإن التركيز لا يزال منصباً على هؤلاء الإسرائيليين فقط. لقد قيل لنا حتى إن الأطفال القتلى إرهابيون"، بحسب الناشط الذي نقلت عنه الصحيفة.
التعليقات