يوجد في غزة بعض أقدم المجتمعات المسيحية في العالم، لكن المسيحيين الفلسطينيين يقولون إن الحرب الإسرائيلية تعرضهم لخطر الانقراض

إيلاف من بيروت: في غزة تحتفل بعض أقدم المجتمعات المسيحية في العالم بعيد الميلاد منذ أكثر من ألف عام - الكاثوليك في 25 ديسمبر والأرثوذكس اليونانيون خلال فترة طقسية تبدأ في 25 ديسمبر وتمتد حتى 6 يناير. لكن موسم الميلاد في هذا العام ليس وقتاً للاحتفال. وسط الهجوم الإسرائيلي على غزة الذي أعقب هجوم حماس في 7 أكتوبر، عانت المجتمعات المسيحية في غزة خسائر فادحة. وفي الظروف التي وصفتها البرلمانية البريطانية ليلى موران، التي تلجأ أسرتها إلى كنيسة في غزة، بأنها "تجاوزت اليأس"، أصبح المسيحيون في غزة أكثر عرضة للخطر.

لا بد من فهم هذا الضعف باعتباره جزءاً من أزمة أوسع نطاقاً أدت إلى مقتل ما يقرب من 20 ألف من سكان غزة منذ بدأت إسرائيل حربها. كانت الأغلبية العظمى من القتلى من المسلمين الذين يشكلون 99 في المئة من سكان غزة. أغلب صور الرعب المطلق في غزة تعود لرجال ونساء وأطفال مسلمين. مع ذلك، وعلى الرغم من أن الزعماء السياسيين الأميركيين نادراً ما يذكرونهم، مثل رئيس مجلس النواب مايك جونسو المسيحي الإنجيليالمؤيد للهجوم الإسرائيلي، فإن المسيحيين جزء لا يتجزأ من نسيج غزة اليوم.

رسالة لدعم غزة معروضة على مبنى بجوار ساحة كنيسة المهد في بيت لحم في 24 ديسمبر 2023

ألغيت احتفالات عيد الميلاد التقليدية في بيت لحم ومدن أخرى في الضفة الغربية، حيث يقيم معظم المسيحيين الفلسطينيين، وحيث اختارت الكنائس التخلي عن الاحتفالات العامة تضامنًا مع غزة. مفترض أن يكون عيد الميلاد وقت فرح واحتفال. لكن، بالنسبة إلى المسيحيين في غزة الذين قُتل أفراد من عائلاتهم أو شوهوا، ودُمرت منازلهم وكنائسهم أو لحقت بها أضرار بالغة، والذين يعانون من ليالٍ بلا نوم من القصف، فإن الميلاد هذا مليء بالحزن والحداد.

المسيحيون في تراجع
حتى قبل أن تستهدف إسرائيل غزة، كان المجتمع المسيحي يتراجع. ورغم أن المسلمين والمسيحيين يتمتعون بتاريخ طويل من التعايش، فإن الفترة التي تلت فوز حماس في انتخابات 2006 في غزة أثبتت أنها صعبة بالنسبة إلى مجتمع مسيحي صغير. كان الحصار الإسرائيلي على غزة في السنوات التالية مدمراً للناس جميعًا. لكن منذ 7 أكتوبر، اشتد الدمار بشكل كبير. يقول متري الراهب، القس الإنجيلي اللوثري الذي أسس جامعة دار الكلمة في بيت لحم، لقناة الجزيرة : "هذا المجتمع مهدد بالانقراض. لست متأكدًا مما إذا كانوا سيبقون أحياء من القصف الإسرائيلي. وحتى لو نجوا، أعتقد أن الكثير منهم سيرغبون في الهجرة. فهناك احتمال حقيقي لأن تختفي المسيحية من غزة خلال جيل واحد".

تكبد المسيحيون خسائر فادحة خلال الشهرين الماضيين. في 19 أكتوبر، أصابت غارة إسرائيلية مجمع كنيسة القديس بورفيريوس للروم الأرثوذكس في حي الزيتون بالمدينة القديمة في غزة، ما تسبب في انهيار أحد المباني، ومقتل 18 شخصًا وإلحاق أضرار بالجزء الخارجي من الحرم القديم. أدان الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، القس جيري بيلاي، الغارة ووصفها بأنها "هجوم غير معقول على مجمع مقدس". ودعا بيلاي المجتمع الدولي إلى فرض الحماية في غزة على أماكن اللجوء، بما في ذلك المستشفيات والمدارس ودور العبادة. واستخدمت بطريركية الروم الأرثوذكس لغة أكثر تشددا، موضحة أن "استهداف الكنائس والمؤسسات التابعة لها، إضافة إلى الملاجئ التي توفرها لحماية المواطنين الأبرياء، وخاصة الأطفال والنساء الذين فقدوا منازلهم نتيجة القصف الإسرائيلي على المناطق السكنية خلال الماضي يشكل جريمة حرب لا يمكن تجاهلها".

البابا فرانسيس على شرفة كاتدرائية القديس بطرس لإلقاء عظة الميلاد في 25 ديسمبر 2023

يصعب تصديق الحجة الإسرائيلية
في 16 ديسمبر، أعلنت البطريركية اللاتينية في القدس أن قناصًا إسرائيليًا قتل امرأتين مسيحيتين داخل رعية العائلة المقدسة في غزة، حيث لجأت أغلبية العائلات المسيحية منذ بداية الحرب. قُتلت ناهدة وابنتها سمر بالرصاص أثناء توجههما إلى دير الراهبات. قُتلت إحداهما أثناء محاولتها حمل الأخرى إلى بر الأمان. وأصيب سبعة بالرصاص أثناء محاولتهم حماية الآخرين داخل مجمع الكنيسة. لم يتم تقديم أي تحذير، ولم يتم تقديم أي إشعار، إنما تعرضوا لإطلاق النار بدم بارد داخل مبنى الرعية حيث لا يوجد مقاتلون. نفى متحدثون إسرائيليون مسؤوليتهم عن مقتل المسيحيتين الفلسطينيتين، لكن الكاردينال فنسنت جيرالد نيكولز، رئيس أساقفة وستمنستر ورئيس مؤتمر الأساقفة الكاثوليك في إنكلترا وويلز، قال إن هذا الإنكار "يصعب تصديقه"، ووصف إطلاق النار بأنه "قتل بدم بارد ". قال: "يبدو لي أن قتل الأشخاص الضعفاء والأبرياء يمثل انتكاسة لما تقول إسرائيل إنها تحاول تحقيقه".

خصص البابا فرانسيس جزءًا من عظته يوم الأحد 18 ديسمبر للتأمل في الحادث، قائلاً : "إن المدنيين العزل هم أهداف التفجيرات وإطلاق النار. حدث هذا حتى داخل مجمع أبرشية العائلة المقدسة، حيث لا يوجد إرهابيون، بل عائلات وأطفال ومرضى وذوي إعاقات وأخوات [راهبات]". وتابع البابا : "البعض يقول: هذا إرهاب وحرب. نعم، إنها الحرب، إنها الإرهاب. ولهذا السبب يقول الكتاب المقدس إن الله يضع حداً للحرب... يكسر القوس ويقطع الرمح".

كان البابا مدافعا صريحا عن وقف إطلاق النار، ووجه نداءات من أجل وضع حد للعنف في غزة في صدارة رسائله إلى المؤمنين. وكذلك فعلت العديد من الجماعات الدينية البروتستانتية في الولايات المتحدة، والتي عملت مع منظمات وجماعات إسلامية مثل الصوت اليهودي من أجل السلام للسعي إلى وقف الأعمال العدائية، وإطلاق سراح الرهائن والسجناء، والمفاوضات لتحقيق العدالة للفلسطينيين. أخذ المسلمون واليهود الأميركيون زمام المبادرة في الاحتجاج على الموت والدمار في غزة.

المصدر: "ذا نايشون"