بلغراد: تعرّضت الناشطة مارتا مانويلوفيتش عندما كانت تبلغ من العمر 17 عاما في سنة 2000 إلى ضرب شديد من قبل الشرطة خارج مبنى بلدية بلغراد. وبعد 23 عاما، رأت التاريخ يعيد نفسه إذ استخدمت قوات الأمن الهراوات مجددا ضد المتظاهرين.

كانت مانويلوفيتش منضوية في حركة "أوتبور" الطلابية التي لعبت دورا رئيسيا في الإطاحة بسلوبودان ميلوسيفيتش الذي قاد صربيا خلال حروبها في التسعينات ضد كرواتيا والبوسنة وكوسوفو.

وعندما ألقي القبض عليها، كانت ترفع علما رًسمت عليه قبضة يد، وهو رمز المقاومة ضد نظام ميلوسيفيتش الاستبدادي.

وقالت لفرانس برس "ضربني أحد عناصر الشرطة بهراوة على كتفي. سقطّت أرضا وأعتقد أن حوالى سبعة منهم انهالوا عليّ بالضرب".

متمسّكة بالعلم
فقدت وعيها واضطرت للخضوع لعمل جراحي في رأسها حيث احتاجت إلى 12 قطبة فيما تعرّضت لكدمات في ضلوعها وتورّمت مختلف أجزاء جسدها. استغرقت فترة تعافيها 10 أيام، لكنها ما زالت متمسّكة بالعلم.

وبعد الانتخابات التشريعية والمحلية التي جرت في 17 كانون الأول/ديسمبر، خرجت مجددا إلى الشارع للاحتجاج على ما اعتبرت أنه اقتراع مزور يقف خلفه الرئيس ألكسندر فوتشيتش الذي كان حليفا لميلوسيفيتش.

فاز حزب فوتشيتش اليميني التقدمي بحوالى 46 في المئة من الأصوات في الانتخابات التشريعية، بينما نال ائتلاف المعارضة الأبرز 23,5 في المئة، وفق النتائج الرسمية.

تعرّض القومي السابق الذي أصبح شعبويا مؤيدا للاتحاد الأوروبي إلى انتقادات بسبب قبضته المفترضة الاستبدادية على السلطة في صربيا.

وكانت مانويلوفيتش مساء الأحد من بين آلاف المحتجين أمام مبنى بلدية بلغراد الذين طالبوا بإلغاء الانتخابات.

حاول البعض اقتحام المبنى وحطموا النوافذ باستخدام الصواري والحجارة بينما ردت الشرطة بإطلاق رذاذ الفلفل وتفريق الحشد بالهراوات.

وقالت مانويلوفيتش لفرانس برس "التاريخ يعيد نفسه في أسوأ طريقة ممكنة".

وتابعت "علّمتني خبرتي بأن المواجهة لا مفر منها.. لذا غادرت قبل وقت قصير من اندلاع المواجهات".

شاهدت بعد ذلك صورا لعناصر شرطة يضربون الشباب.

وأفادت "انتابني شعور فظيع. يواصل هذا البلد افتراس أفضل الناس لديه، أولئك الأكثر حبا له". وتابعت "نعيش مرة أخرى للأسف في دولة استبدادية".

حشو صناديق الاقتراع
تحدّث مراقبون دوليون بينهم ممثلون عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عن "تجاوزات" تخللت الانتخابات شملت "شراء الأصوات" و"حشو صناديق الاقتراع".

كما أعربت عدة دول غربية عن قلقها.

ندد فوتشيتش بالاحتجاجات مشيرا إلى وجود أدلة على أنه تم التخطيط مسبقا لأعمال العنف وإلى أن جهات خارجية تحاول إثارة الاضطرابات.

نشأ جيل مانويلوفيتش على فكرة الخروج إلى الشوارع للمطالبة بالديموقراطية.

واحتج والداها على نظام ميلوسيفيتش الاستبدادي عندما كانت طفلة. سرعان ما ازدادت شعبية "أوتبور" (المقاومة) في أوساط الشباب في صربيا واحتشدوا في إطارها من أجل التحرّك الأخير الذي أطاح بميلوسيفيتش.

واليوم، يقود طلاب جامعات ومدارس اتّحدوا تحت مظلة حركة "بوربا" (قتال) تحرّكا يستخدم القبضة رمزا.

تشكّلت الحركة بعد الانتخابات منبثقة عن مجموعة غير رسمية اسمها "طلاب ضد العنف" استمدت اسمها من معسكر المعارضة الرئيسي في البلاد "صربيا ضد العنف".

تشدد الحركة على أنها غير مرتبطة بأي أحزاب سياسية.


متظاهرون من المعارضة الصربية كسروا النوافذ أثناء محاولتهم اقتحام مبنى بلدية بلغراد

يفتخر بعض أعضاء "بوربا" بوضعهم الرموز ذاتها التي استخدمها أهاليهم مثل دبابيس "أوتبور" وأعلامها ولافتاتها.

وقالت إيميليا ميلينكوفيتش التي تدرس السياسة "ولدت عام 2002 ويؤسفني بأن الانتقال إلى الديموقراطية لم يتم حينها".

دولة منبوذة
خلال فترة التسعينات، أصبحت صربيا في عهد ميلوسيفيتش دولة منبوذة بسبب دورها في الحروب الدموية التي قسّمت يوغوسلافيا سابقا. قوبل نظامه بإدانات المجتمع الدولي وعانى من العزلة.

لكن فوتشيتش يحظى بدعم سياسي خارجي وهنّأه عدد من قادة الاتحاد الأوروبي شخصيا على فوزه في الانتخابات رغم اتهامات التزوير.

يرى المحلل السياسي ألكسندر بوبوف أن الاحتجاجات ضد فوتشيتش لا يمكن أن تنجح من دون دعم البلدان الديموقراطية.

وقال بوبوف لفرانس برس "ما زالوا يتسامحون مع الاستبداد مقابل الاستقرار.. وهنا يمكنك أن ترى نفاق الغرب، خصوصا عندما يتحدثون عن حقوق الإنسان وسيادة القانون".

وأكد "لا يأبهون... بالفساد واسع النطاق والمؤسسات المنهارة وكبح حقوق الإنسان وسرقة الانتخابات".