إيلاف من دبي: كانت المرأة تقف بمفردها قرب الكرملين وتحمل لافتة احتجاج في يديها عندما اعتقلتها الشرطة فجأة. ليس اعتقال المتظاهرين أمراً غير عادي في موسكو، لكن الأمر كان مختلفاً، لأن ماريا أندريفا هي زوجة جندي روسي يقاتل في أوكرانيا.

"يقوم رجالنا بتفجير أنفسهم على الجبهة لصالح السلطات وقد اعتقلوا زوجة جندي معبأ - هل تصدق ذلك؟" هكذا صرخت بينما كانت تحمل لافتة عليها: "أعيدوا أزواجنا وآباءنا وأبنائنا". تم إطلاق سراحها لاحقًا من دون توجيه اتهامات لها، ربما لأن الكرملين حريص على تجنب لفت الانتباه إلى مثل هذه الاحتجاجات.

في الأسابيع الأخيرة، أصبحت أندريفا (34 عامًا) الوجه الأكثر شهرة لحركة متزايدة من الزوجات والأمهات اللاتي يحاولن الضغط على الرئيس بوتين لإعادة أزواجهن وأبنائهن إلى الوطن من الحرب. وقامت روسيا بتجنيد حوالي 300 ألف رجل في الجيش في سبتمبر 2022. أما أولئك الذين لم يقتلوا أو يصابوا فيبقون في الجبهة، وليس واضحًا متى يُسمح لهم بالعودة. وقالت أندريفا لصحيفة "التايمز" بعد اعتقالها في موسكو: "الحرب في أوكرانيا خطأ وعلينا أن ندفع ثمناً باهظاً لقصر نظر حكومتنا. السلطات هي التي تحتاج إلى هذه الحرب. لم تجلب للشعب سوى البؤس".

كان زوجها يعمل مدلكًا قبل الحرب ولديهما ابنة تبلغ عامين. كان بإمكانه التهرب من التجنيد، لكنه انضم من منطلق الشعور بالواجب. ابن عمها موجود أيضًا في الجبهة. وهي اتهمت السلطات العسكرية بالكذب على القوات المعبأة بإخبارهم أنهم سيبقون في أوكرانيا بين ستة أشهر وعام، ولن يتم إرسالهم إلى مواقع الخطوط الأمامية. وقالت: "لقد خدعونا".

أوقفوهن بأي ثمن
أصبحت الاحتجاجات المتفرقة للنساء، والعرائض، والنداءات المباشرة لبوتين واضحة بشكل متزايد، مما يكشف عن التصدعات في المجتمع الروسي بعد مرور عامين تقريبًا على غزو أوكرانيا. ويُعتقد أن الكرملين طلب من المسؤولين وقف انتشار التظاهرات بأي ثمن. وقال مايكل ناكي، وهو صحفي روسي منفي يعارض الحرب، في مقطع فيديو على الإنترنت: "أصبحت زوجات الجنود المعبأين شوكة في خاصرة السلطات الروسية. من ناحية، هناك أعداء يظهرون أن ليس كل شيء وردياً كما يدعي بوتين. لكن من ناحية أخرى، هؤلاء النساء يقلن إنهن يؤيدن الحرب والانتصار على أوكرانيا".

في نوفمبر، قالت أندريفا إن العملية العسكرية التي يقوم بها الكرملين كانت ضرورية، لأنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، سُمح لأوكرانيا "بالطفو بحرية، مثل مراهق صعب المراس، وما كان لهذا أن يحدث". وأصرت على أنها لم تغير آراءها، لكنها اعترفت بأنها الآن "غير متأكدة من أن سلطاتنا فعلت ما يكفي لعدم شن الحرب". وقالت إنها تشعر بالأسف على شعب أوكرانيا، الذي دمر غزو بوتين وطنه

لكن أندريفا حذرت أيضاً من أن روسيا ستواجه مستقبلاً مظلماً إذا ظل بوتين في السلطة. وقالت: "كانت فترة ولايته الحالية مليئة بالقوانين والإجراءات المناهضة للشعب". وقالت إنها لم تكن سياسية قبل الحرب ولم تصوت قط لبوتين. وعندما سئلت عمن صوت زوجها في الانتخابات الرئاسية، قالت إنها لم تناقش الأمر معه قط. وقالت: "أدرك الآن أن هذا الوضع غريب".

قالت متظاهرة أخرى، ماريا إيشكوفا، إنها سافرت من سان بطرسبرج إلى أوكرانيا لقضاء رأس السنة مع زوجها المجند، ليتم إبلاغها بمقتله. وقالت في مقطع فيديو نشرته قناة The Way Home، وهي قناة على تطبيق تلغرام أنشأتها زوجات وأمهات الجنود المحشدين: "رجالنا يموتون من أجل لا شيء". وأضافت القناة، التي تضم نحو 40 ألف مشترك، رسالتها الخاصة إلى بوتين وغيره من كبار المسؤولين الروس: "فلتحترقوا في الجحيم".

الكرملين قلق
أعربت أندريفا وعدد من الزوجات الأخريات السبت عن استيائهن في أحد مكاتب بوتين السابقة للانتخابات في موسكو. ووسط مشاهد غاضبة، قالت أندريفا لموظفي حملة الزعيم الروسي إنها لا تفهم ما يفعله زوجها في أوكرانيا. حاول أحد المسؤولين تهدئتها من خلال الإشارة إلى أنه سيكون من الخطأ تسريح رجال مثل زوجها لأنه سيكون بمثابة ضربة لكبريائهم الذكوري.

التقت أندريفا مؤخرًا بوريس ناديجدين، وهو مرشح رئاسي محتمل تحدث ضد الحرب. وانتقدت سياسة الكرملين المتمثلة في منح عفو رئاسي للسجناء، بمن فيهم المدانون بارتكاب جرائم قتل مروعة، مقابل ستة أشهر في أوكرانيا: "كان زوجي في خندق منذ فبراير. لماذا لا يهتم مجتمعنا بإطلاق سراح المدانين من دون البشر - أكلة لحوم البشر والقتلة المتسلسلين وما إلى ذلك؟".

وقالت المحللة السياسية الروسية تاتيانا ستانوفايا إن الاجتماع مع ناديجدين "أثار غضب" الكرملين لأنه خاطر بتسليط الضوء على مظالم النساء. أضافت: "لا يعتبر الكرملين أن هذه الحركة تشكل خطراً. التكتيك الرئيسي هو محاولة التقليل من شأنه. لكن مع مرور الوقت، ستصبح هذه القضية أكثر حدة".

وقالت أندريفا إنها تتفهم جيدًا احتمال اعتقالها هي والزوجات الأخريات. وقالت: "سهل جداً أن أتهم بارتكاب جريمة بسبب انتقاد السلطات في روسيا، لكنني أتصرف من أجل مصلحة عائلتي".

المصدر: "التايمز"