نيودلهي: يتساءل القائم المسن على مسجد في مدينة مقدسة في الهند بقلق بشأن المدة التي سيظل يُسمح فيها للمسلمين بالحضور والصلاة في المسجد الذي بدأ الهندوس الصلاة فيه.

أصبحت مدينة فاراناسي حيث يقوم الهندوس بحرق موتاهم على ضفاف نهر الغانج، موقعا جديدا في معركة مستمرة للمطالبة بآثار إسلامية تعود إلى قرون بدعوى أنها تعود للهندوس.

منذ أن تولى رئيس الوزراء ناريندرا مودي منصبه في عام 2014، شهدت الهند اندلاع أعمال عنف عديدة بين الأغلبية الهندوسية والأقلية المسلمة التي يبلغ تعدادها أكثر من 200 مليون نسمة ويُتهم حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي الحاكم بالسعي لتهميشها.

ودشن مودي الشهر الماضي خطوط مواصلات مخصّصة لزوار معبد هندوسي جديد شُيّد في موقع مسجد سابق شهد أعمال عنف طائفي.

يؤكد سيد محمد ياسين (78 عاما) القائم على مسجد جيانفابي "نحن نشهد قمعا وقسوة" موضحا أن "الأمر لا يتعلق بمسجد واحد فقط. فشعارهم يقول +لن ينجو حتى قبر أو مسجد".

وطالبت جماعات هندوسية في المدينة بالسيطرة على المسجد قائلة إنه بني فوق ضريح للاله الهندوسي شيفا خلال امبراطورية المغول التي حكمت معظم أنحاء البلاد قبل قرون.

وكان المصلون المسلمون يأتون إلى المسجد بحماية الشرطة لسنوات في مسعى لمنع تفاقم النزاع.

لكن هذا الأسبوع شهد تصعيدا كبيرا بعد أن أمرت محكمة محلية بفتح قبو المسجد أمام المصلين الهندوس خلال سبعة أيام من الحكم.

وأقيمت مراسم صلاة هندوسية في صباح اليوم التالي، بينما رفضت المحكمة العليا في الهند الاستماع إلى طلب مقدمي التماس مسلمين لإبطال الحكم.

ويرى ياسين أن الحكم وما تلاه من اندفاع المصلين الهندوس إلى الموقع - بدون أي عوائق من قبل السلطات - يظهر دعما رسميا للادعاء الهندوسي، مما جعله يشعر بحزن عميق.

وأضاف "إنهم يأتون عبر المحاكم وعبر النظام" مؤكدا "مهما كان قدر الألم الذي يمكنني الشعور به كمسلم، شعرت به. كنت مضطربا طوال الليل".

بدت التوترات خارج المسجد الجمعة واضحة للغاية، مع انتشار معزز للشرطة وحوالى 2500 مسلم - أي ما يقرب من ضعف الجماعة المعتادة - وصلوا لأداء الصلاة.

في المقابل، احتشد عشرات من الهندوس في الشارع بعيدا من حواجز الشرطة وهم يرددون شعارات تعبدية لشيفا، إله الخلق والدمار.

"أغلال العبودية"
تصاعدت الدعوات منذ تولي مودي وحزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه الحكم، لجعل القومية الهندوسية راية للقوة السياسية المسيطرة على البلد.

ودشن مودي الشهر الماضي معبد إيوديا المكرّس للإله رام الذي أقيم فيه طوال قرون مسجد هدمه متشددون هندوس بدفع من أعضاء في حزب الشعب الهندي (بهاراتيا جاناتا).

وقال مودي إن تدشين المعبد يؤذن بـ"حقبة جديدة" للهند، مضيفا "بكسره أغلال العبودية، على البلد أن ينهض ويأخذ العبر من الماضي".

وساهم تشييد معبد أيوديا المقدّرة كلفته بحوالى 240 مليون دولار في تلميع صورة ناريندرا مودي في نظر الأغلبية الهندوسية في البلد.

ورام من أهمّ الآلهة لدى الهندوس. ولد بحسب معتقداتهم في أيوديا قبل حوالى 7 آلاف عام في موقع شهد لاحقا تشييد مسجد في القرن السادس عشر.

وفي العام 1992، عمد الهندوس الى تدمير المسجد في إطار حملة مدعومة من حزب مودي أدّت إلى اندلاع اشتباكات في أنحاء البلد كافة أودت بنحو ألفي شخص، أغلبيتهم من المسلمين.

وشكّل تدمير المسجد ضربة قاصمة لأسس النظام السياسي العلماني في الهند، فاسحا المجال لتصاعد القومية الهندوسية وجعلها راية للقوّة السياسية المسيطرة على البلد.

وينظر الهنود المسلمون البالغ عددهم 210 ملايين شخص إلى الحدث كمؤشر آخر الى تزايد تهميشهم.

"خطوة إلى الأمام"
في فاراناسي، يزعم النشطاء الهندوس أن المسجد أقيم فوق ضريح لإله هندوسي خلال الإمبراطورية المغولية، التي يرون أنها حقبة تعرضت فيها عقيدتهم للاضطهاد.

ويقول الناشط في مجال القضايا الهندوسية سوهانلال إن قرار المحكمة بفتح مسجد فاراناسي أمام الهندوس كان "خطوة إلى الأمام" في الحملة لتصحيح الأخطاء التاريخية.

وبحسب الرجل (72 عاما) "لقد دمروا مكاننا المقدس وبنوا مسجدا. أدلتنا على ذلك دقيقة. لهذا السبب لدينا ثقة كاملة بالمحاكم".

وأكد أن النضال من أجل "استعادة" الموقع مستمر منذ بناء المسجد قبل أكثر من ثلاثة قرون، مشددا على أن صبر الهندوس بدأ ينفد.

وأكد إخلاصه في إيمانه بالإله شيفا، متسائلا "كم من الوقت سيستغرق الأمر؟ جيل واحد، جيلان، ثلاثة أجيال؟ نحن ننتظر".