غزة: دخلت الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة شهرها السادس الخميس، في وقت غادر وفد الحركة الفلسطينية القاهرة دون اتفاق على هدنة يحاول الوسطاء انتزاعها في القطاع المحاصر والمهدّد بمجاعة قبل بدء شهر رمضان.

وفي مواجهة الكارثة الإنسانية والخسائر الفادحة بين المدنيين، تأمل الولايات المتحدة وقطر ومصر تحقيق هدنة تتيح الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين مقابل إدخال مزيد من المساعدات. لكن الجولة الأخيرة من المباحثات التي بدأت الأحد في القاهرة من دون مشاركة إسرائيلية، انتهت دون التوصل لنتيجة، مع تأكيد الحركة الفلسطينية أن الدولة العبرية لم تلبِّ بعد "الحد الأدنى" من مطالبها.

وقال مسؤول رفيع في حركة المقاومة الإسلامية طلب عدم كشف اسمه إن "وفد حماس يغادر الخميس القاهرة للتشاور، وحتى الآن في انتظار الرد النهائي الرسمي للعدو"، في إشارة الى إسرائيل التي لم تحضر هذه الجولة من التفاوض.

وتابع المسؤول "الردود الأولية (لإسرائيل) لا تلبّي الحد الأدنى لمتطلباتنا المتعلقة بالوقف النهائي لإطلاق النار والانسحاب الكامل لقواته من غزة... وعودة النازحين إلى بيوتهم والبدء في الاغاثة والإيواء والإعمار".

وكانت قناة "القاهرة الإخبارية" القريبة من السلطات في مصر، نقلت في وقت سابق عن "مصدر رفيع المستوى" إعلانه مغادرة وفد الحركة "للتشاور حول الهدنة"، على أن يتم استئناف المفاوضات الأسبوع القادم"، لكن من دون أن يحدد تاريخا لذلك.

وكانت هذه الجولة قد بدأت الأحد.

وأكد المصدر أن "المشاورات مستمرة بين الأطراف كافة للوصول إلى الهدنة قبل حلول شهر رمضان المبارك" المتوقع في 10 آذار (مارس) أو 11 منه.

واندلعت الحرب في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) بعد هجوم غير مسبوق شنّته حماس على جنوب إسرائيل، أودى بحياة 1160 شخصا على الأقل معظمهم من المدنيين، حسب تعداد لفرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية إسرائيلية.

وخُطف 250 شخصاً أثناء الهجوم، وفق الدولة العبرية التي تقدّر أن 130 منهم لا يزالون محتجزين في القطاع. ومن بين هؤلاء يعتقد أن 31 قد قتلوا.

ردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل بـ"القضاء" على حماس التي تتولى السلطة في غزة منذ 2007 وتعتبرها اسرائيل ومعها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، منظمة "إرهابية". وشن الجيش الاسرائيلي حملة قصف رافقها هجوم بري، ما أسفر حتى الآن عن سقوط 30800 قتيل معظمهم من المدنيين، بحسب آخر أرقام وزارة الصحة التابعة للحركة.

وأتاحت هدنة سابقة لأسبوع أواخر تشرين الثاني (نوفمبر)، الإفراج عن أكثر من مئة رهينة من الإسرائيليين، لقاء إطلاق سراح أكثر من 200 معتقل فلسطيني من السجون الإسرائيلية.

"الرعب يجب أن يتوقف"
وأكد المسؤول في حماس الخميس أن ما تطلبه الحركة في المفاوضات "هو أيضا مطلب شعبنا بكل مكوناته السياسية والمجتمعية رغم الألم والمعاناة".

وشدد على أن "العدو يماطل ويتلكأ و(رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتانياهو يضيع فرصة الوصول إلى وقف إطلاق النار وانهاء العدوان بدوافع شخصية وحزبية".

وأكد "نحن لن نتنازل عما يحقق لشعبنا الأمان والعودة إلى بيوتهم وإطلاق عملية اغاثة وإعمار تلبي احتياجاتهم الأساسية واستعادة القدرة على الحياة في قطاع غزة بعد التدمير الهمجي الذي ارتكبه الاحتلال".

وترفض إسرائيل هذه الشروط مؤكدة أن هجومها سيستمر حتى القضاء على حماس.وهي تلوّح منذ أسابيع بشنّ عملية برية في مدينة رفح بأقصى جنوب القطاع، والتي باتت الملاذ الأخير لنحو 1,5 فلسطيني نزحوا جراء المعارك والدمار في مناطق القطاع، وفق الأمم المتحدة.

ووفق الأمم المتحدة، باتت المجاعة تهدّد 2,2 مليون شخص، بحسب الأمم المتحدة، هم الغالبية العظمى من سكان القطاع المحاصر. والوضع خطير بشكل خاص في الشمال، حيث تجعل أعمال النهب والمعارك والتدمير، إضافة الى القيود الإسرائيلية، إيصال المساعدات إلى نحو 300 ألف نسمة عملية شبه مستحيلة.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأربعاء على منصة إكس إن "هذا الرعب يجب أن يتوقف الآن"، مشددا على أن "وقف إنساني لإطلاق النار لا يمكن أن ينتظر".

ولا تدخل المساعدات الإنسانية الى قطاع غزة الا بموافقة إسرائيلية، وغالبيتها عبر معبر رفح الحدودي مع مصر. وتؤكد المنظمات الإنسانية أن كمية المساعدات لا تكفي لسدّ حاجات سكانه البالغ عددهم 2,4 مليون شخص، وفق الأمم المتحدة.

ولجأت دول عدة في الأيام الأخيرة، بينها الولايات المتحدة أبرز داعمي إسرائيل سياسيا وعسكريا في هذه الحرب، الى إلقاء المساعدات من الجو.

ودعت الصين الخميس الى "وقف فوري لاطلاق النار" ووصفت الحرب في غزة بأنها "عار على الحضارة"، مجددة موقفها المؤيد لإقامة دولة فلسطينية.

وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي للصحافيين في بكين "إنها مأساة للبشرية ووصمة عار على الحضارة، حيث اليوم، في القرن الحادي والعشرين، هذه الكارثة الإنسانية لا يمكن وقفها".

دمار هائل
ميدانيا، تواصل القصف الإسرائيلي على مناطق القطاع، وأدى الى مقتل 83 شخصا خلال الساعات الـ24 الأخيرة، كما ذكرت وزارة الصحة التابعة لحماس الخميس.

وذكر شهود عيان أن المعارك كانت مستمرة صباح الخميس في شمال القطاع، خصوصا حي الزيتون بمدينة غزة، وفي الجنوب في قرية الشوكة القريبة من رفح، وكذلك في الجزء الغربي من خان يونس، كبرى مدن جنوب القطاع.

وأفادت سلطات حماس بأن الدبابات الإسرائيلية غادرت وسط خان يونس هذا الأسبوع، مخلفة وراءها دماراً هائلاً بعد قتال استمر أسابيع.

وأشار الدفاع المدني الى أن "القوات الإسرائيلية دمّرت أكثر من 1500 منزل ومبنى وعمارة سكنية ومئات المحلات التجارية بين تدمير كلي أو بأضرار جسيمة"، إضافة الى "كافة شبكات المياه والمجاري والكهرباء والاتصالات والطرق في كافة أحياء وسط مدينة خان يونس التي انسحبت منها الدبابات".

وذكر مكتب الإعلام الحكومي التابع لحماس أن "الاحتلال يشنّ أكثر من من 30 غارة جوية" واستهدف منازل في مناطق مختلفة شمال ووسط قطاع غزة.

وأعلن الجيش الاسرائيلي "مواصلة عملياته ضد البنى التحتية الإرهابية في خان يونس ووسط قطاع غزة".

"يموتون بصمت"
أعلنت وزارة الصحة التابعة لحماس وفاة عشرين مدنيا على الأقل معظمهم من الأطفال بسبب سوء التغذية والجفاف.

وقال المتحدث باسم الوزارة أشرف القدرة "نعتقد أن عشرات الأشخاص يموتون بصمت من الجوع بدون الوصول إلى المستشفيات".

وأوضح المتطوع بسام الحو لفرانس برس خلال توزيع وجبات على نازحين في جباليا بشمال قطاع غزة "يمكننا البقاء على قيد الحياة لساعات من دون طعام، لكن ليس أطفالنا". وأضاف "إنهم يموتون ويغمى عليهم في الشوارع بسبب الجوع. ماذا يمكننا أن نفعل؟".

وإضافة الى إلقاء المساعدات من الجو، يتم البحث في إرسال إمدادات بحرية.

وستزور رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين الجمعة ميناء لارنكا في قبرص، الدولة الأوروبية الأقرب جغرافيا إلى غزة.

ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي مجددا جلسة مغلقة الخميس لبحث الوضع.