نفذت الولايات المتحدة أول عملية إسقاط جوي لمساعدات إنسانية في غزة، شملت أكثر من 30 ألف وجبة غذائية عن طريق مظلات تم إسقاطها بواسطة ثلاث طائرات عسكرية، وسط بعض الانتقادات من جانب منظمات إنسانية وأشخاص كانوا في موقع الإسقاط.
وتعد العملية، التي نُفذت بالتعاون مع القوات الجوية الأردنية، الأولى من بين عمليات عديدة أعلن عنها الرئيس الأميركي، جو بايدن، بعد مقتل نحو 112 شخصاً، يوم الخميس الماضي، أثناء تجمع حشود للوصول إلى قافلة مساعدات خارج مدينة غزة.
وأكد مسؤولون في قطاع الصحة في غزة أن الضحايا الذين نقلوا إلى المستشفيات أصيبوا بذخيرة من العيار الثقيل، بينما تقول إسرائيل إن معظم الفلسطينيين قتلوا في تدافع، مشيرة إلى أنها تجري تحقيقاً حول الحادث.
وتأتي أول عملية إسقاط جوي أميركية في وقت كشف فيه مسؤول أميركي بارز، عن إطار اتفاق لوقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع في غزة.
ما هو حجم المساعدات التي أُسقطت جوا ولماذا أثير الجدل بشأنها؟
أعلنت القيادة المركزية الأميركية في بيان لها أن طائرات أميركية من طراز سي-130 أسقطت نحو 38 ألف وجبة غذائية على طول الساحل الواقع جنوب غربي غزة، في إطار جهود ثنائية بين القوات الجوية الأميركية والأردنية.
- ما الذي يعنيه إسقاط واشنطن المساعدات جوا على سكان غزة؟
- عدد متزايد من سكان غزة يدفعون آلاف الدولارات مقابل هروب غير مضمون
وتحتوي الوجبات المعبأة في عبوات محكمة الإغلاق على مواد ذات سعرات حرارية كافية ليوم واحد، بحسب وكالة أسوشيتد برس للأنباء نقلاً عن مسؤولين أميركيين.
وكانت دول أخرى، من بينها بريطانيا وفرنسا ومصر والأردن، قد نفذت في وقت سابق عمليات إسقاط جوي لمساعدات في غزة، إلا أن هذه تعد المرة الأولى لعملية من هذا النوع تنفذها الولايات المتحدة.
كما أعلن بايدن أن الولايات المتحدة "ستضاعف الجهود لفتح ممر بحري وتعزيز عمليات التسليم براً".
وعادة ما يجري تسليم المساعدات إلى غزة براً عبر المعابر الحدودية التي تتحكم فيها إسرائيل ومصر، وكانت معظم هذه المعابر قد أُغلقت خلال فترات متقطعة من الحرب، مع وصول كميات محدودة من شاحنات المساعدات إلى غزة.
وتقول الأمم المتحدة إن ربع سكان غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، يواجهون مجاعة.
"ليست كافية"
قال إسماعيل مقبل، أحد سكان غزة، لبي بي سي عربي إن المساعدات التي أسقطت جوا تتكون من بعض البقوليات والقليل من الضروريات الصحية للنساء.
وقال أبو يوسف، أحد سكان غزة الذي كان على مقربة من مستشفى الشفاء في شمال غزة، إنه لم يتمكن من الوصول إلى المساعدات، ويوضح: "فجأة، عندما كنا ننظر إلى السماء، رأينا مظلات تسقط المساعدات. وهكذا بقينا في المكان (الذي كنا فيه) حتى سقطت المساعدات على بعد نحو 500 متر من موقعنا. كان هناك الكثير من الناس، إلا أن المساعدات كانت قليلة، ولذلك لم نتمكن من الحصول على أي شيء".
وأوضح مقبل أنه لم يكن هناك ما يكفي من المساعدات لتلبية احتياج عدد كبير من المواطنين الذين يواجهون نقصاً في جميع ضروريات الحياة.
وأضاف: "شاهد آلاف المواطنين المساعدات التي تتساقط عليهم، وفي ظل وجود المئات أو الآلاف من الأشخاص في مثل هذه المناطق، يحصل ما بين 10 إلى 20 شخصاً فقط على الأشياء، بينما يعود الآخرون بلا شيء. لسوء الحظ، فإن طريقة الإسقاط جواً هذه ليست الطريقة الأنسب لتوصيل المساعدات إلى شمالي غزة".
وقال: "غزة بحاجة إلى طريق بري ومائي لتوصيل المساعدات بدلاً من استخدام طريقة لا تلبي احتياجات جميع المواطنين".
"مُكلفة وعشوائية"
كانت أول مرة تُستخدم فيها عمليات الإسقاط الجوي إبان الحرب العالمية الثانية، وكانت بهدف تزويد القوات المنعزلة في الميدان بالمؤن اللازمة، وقد تطورت لتصبح أداة قيمة لتوصيل المساعدات الإنسانية، كما استخدمتها الأمم المتحدة أول مرة في عام 1973.
وعلى الرغم من ذلك فهي تعتبر "الملاذ الأخير"، ولا يُلجأ إلى تنفيذها إلا "في حالة فشل الخيارات الأكثر فعالية"، وفقا لبرنامج الأغذية العالمي في تقرير نشره عام 2021.
ويعد جنوب السودان آخر من لجأ فيه برنامج الأغذية العالمي إلى عمليات الإسقاط الجوي للمساعدات.
وقال جان إيغلاند، رئيس منظمة الإغاثة في المجلس النرويجي للاجئين، لبي بي سي بعد عودته من زيارة إلى غزة استمرت ثلاثة أيام، إن "عمليات الإسقاط الجوي مُكلفة وعشوائية وعادة ما تؤدي إلى حصول الأشخاص الخطأ على المساعدات".
وأضاف برنامج الأغذية العالمي أن عمليات الإسقاط الجوي أكثر تكلفة بسبع مرات مقارنة بالمساعدات البرية، بسبب تكاليف الطائرات والوقود والأفراد.
وعلى الرغم من ذلك لا يمكن تسليم سوى كميات صغيرة نسبياً في كل رحلة، مقارنة بما يمكن أن تنقله قافلة من الشاحنات، بالإضافة إلى التنسيق الكبير المطلوب داخل منطقة التسليم، وفقا لبرنامج الأغذية العالمي.
كما تشدد اللجنة الدولية للصليب الأحمر على أهمية مراقبة التوزيع تفادياً لمخاطرة الناس بحياتهم من خلال استهلاك كميات غير مناسبة أو غير آمنة، حسبما ذكرت في تقرير عام 2016 عندما تم إسقاط مساعدات جواً في سوريا خلال الحرب في البلاد.
وجاء في التقرير أن "توصيل أنواع غير متوقعة وغير خاضعة للرقابة من الطعام للأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية أو حتى من الجوع يمكن أن يشكل مخاطر جسيمة على الحياة. لذا يجب الموازنة بين هذه المخاطر وعدم تسليم أي شيء جواً، أو تأخير عمليات التسليم خلال العمليات البرية".
وأضاف برنامج الأغذية العالمي أنه يمكن تنفيذ عمليات الإسقاط الجوي من ارتفاعات مختلفة، تتراوح من نحو 300 إلى 5600 متر في مناطق الصراع، وبناء على ذلك يُعد ضمان التغليف القوي للمساعدات أمراً بالغ الأهمية بغية التأكد من قدرة الشحنات على تحمل تأثير الاصطدام بالأرض.
ويقول البرنامج إنه يتعين أن تكون مناطق الإسقاط مفتوحة بشكل مناسب، لا تقل عن مساحة ملعب كرة قدم، ولهذا السبب نُفذت عمليات الإسقاط في كثير من الأحيان في مناطق ساحلية في غزة.
إلا أن ذلك أدى في بعض الأحيان، إلى سقوط المساعدات في البحر أو دفعتها الرياح إلى داخل إسرائيل، بحسب روايات محلية.
"وقف إطلاق النار ضروري"
قال سمير أبو صبحة، أحد سكان غزة، لبي بي سي إنه يعتقد أن على الولايات المتحدة أن تبذل المزيد من الجهود وتضغط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار.
وأضاف: "لذا أعتقد كمواطن في غزة أن هذه الأشياء لا جدوى منها، كل ما نريده هو أن تضغط أميركا على إسرائيل لوقف إطلاق النار والتوقف عن تزويد إسرائيل بالأسلحة والصواريخ".
وهذا ما أكدته بعض المنظمات الإنسانية، ففي الأسبوع الماضي، انتقدت منظمة أوكسفام الدولية مبادرة إدارة بايدن، معتبرة أن عمليات الإسقاط الجوي "ستُستخدم في الغالب للتخفيف عن ضمائر كبار المسؤولين الأميركيين الذين أسهمت سياساتهم في حدوث فظائع مستمرة، وخطر مجاعة في غزة"، وفقا لسكوت بول، مدير في المنظمة.
ويرى آخرون أنه في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، فإن الغذاء يجب تسليمه إلى هناك "بأي طريقة ممكنة".
وقال خوسيه أندريس، كبير الطهاة ومؤسس منظمة "المطبخ المركزي العالمي"، التي توفر الغذاء إلى غزة ورشحه الديمقراطيون لجائزة نوبل للسلام في وقت سابق من هذا العام، لقناة "إيه بي سي" الأميركية: "نحن بحاجة إلى توصيل الغذاء إلى غزة بأي طريقة ممكنة، يجب أن نرسله عن طريق البحر... يجب أن نضع القوارب أمام غزة".
- دفعةٌ كبيرة لإيصال مساعدات لغزة، لكن الأمل ضئيل في إنهاء المعاناة
- حرب غزة: الجيش الأردني ينفذ "أكبر" عملية إنزال مساعدات لقطاع غزة
- "مجزرة الطحين" .. ماذا قال ماكرون وبايدن عن حادثة شارع الرشيد؟
التعليقات